Thursday, January 29, 2009

الشيخ والأستاذ

والشيخ هنا، هو الشيخ الشهير «يوسف البدرى» ، أحد نشطاء الإسلام السياسى، وأحد الذين يشيعون حولنا جواً من التطرف ولا يكفون عن مطاردة الكتاب والفنانين بل رجال الدين المستنيرين، لأى شاردة أو واردة تتيح له اتهامهم بأنهم أذاعوا فى أحاديثهم أو كتاباتهم ما يتعارض مع ما هو معروف من الدين بالضرورة، أو ما يمكن اعتباره سباً أو قذفاً فى حق الشيخ.
أما الأستاذ فهو فى الحقيقة العديد من الأساتذة الذين يشيعون حولهم آفاقاً من البهجة والفكر المستنير والأدب الرفيع، أولهم هو الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى ، الذى شغل الدنيا والنقاد بشعره المتوهج منذ أن كان فتى فى خمسينيات القرن الماضى، واضطرته الظروف إلى الرحيل لباريس لبعض السنوات ليستكمل دراساته ويعمل بجامعاتها أستاذاً للأدب العربى، وعاد ليكون أحد الكتاب البارزين فى صحيفة الأهرام، مشتبكا مع قضايا المجتمع المصرى، فى الثقافة والديمقراطية والتعليم والتطرف الدينى وغيرها.
أما الثانى فهو الشاعر والكاتب حلمى سالم ، أحد نشطاء الحركة الوطنية المصرية فى السبعينيات، وصاحب العديد من الدواوين الشعرية، ويعمل رئيسا لتحرير مجلة «أدب ونقد»، التى تصدر عن حزب التجمع الوطنى، وقد حصل فى العام الماضى على جائزة التفوق التى يمنحها المجلس الأعلى للثقافة.
والثالث هو الدكتور جابر عصفور ، أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة، وأمين عام المجلس الأعلى للثقافة، ثم مدير المركز القومى للترجمة، وأحد الكتاب البارزين أيضا بصحيفة الأهرام، وله العديد من المؤلفات والدراسات النقدية، وطبعا المجال يضيق هنا عن تناول الجهود الإبداعية والفكرية لواحد فقط من هؤلاء الأساتذة الثلاثة، أو مجرد الإشارة إلى المكانة التى تبوؤها على المستوى الوطنى والعربى والعالمى، وإنما ما أود الإشارة إليه أن ثلاثتهم قد حظوا بمكانتهم المرموقة فى عالم الفكر والأدب بكدهم واجتهادهم، كما حظى ثلاثتهم بإجماع زملائهم وتلاميذهم على علمهم الراسخ وسمعتهم النبيلة وخلقهم القويم ومسلكهم الشريف.
أما الشيخ يوسف البدرى فقد انصرف عن كل هذا، وراح يرفع القضايا مرة على يوسف شاهين لتمثيله النبى يوسف فى فيلم المهاجر وعلى عبدالصبور شاهين لتمييزه خلق آدم عن غيره من بنى البشر فى كتاب أبى آدم، وعلى مشيخة الأزهر لاعتمادها أسماء الله الحسنى تسعة وتسعين اسماً مع أنها «شرعا» أقل من ذلك، وعلى آمنة نصير لقولها قولا لم يعجبه حول النقاب، ورؤيتها أنه ليس من الدين فى شىء.
غير أنه فى الأيام الماضية قد راح يهتم بأمور حياته الشخصية وكسب عيشه عن طريق عمل الرقى والأحجبة وإخراج الجان والعفاريت من أجساد الملبوسين، هذا ما كتبته الأستاذة فاطمة الزهراء محمد ونشرته بصحيفة الفجر. تقول الأستاذة إنها اتصلت بالشيخ لتسأله عن رأيه فيمن يزعمون أنهم متزوجون أو متزوجات من الجن وأنهم – الجان - يلبون لهم كل ما يطلبون ماديا وجنسيا.
وكانت المفاجأة أن الشيخ أكد لها تصديقه بذلك، وأخبرها بأن لها قريناً يحبها ويفرق بينها وبين من يحاول الاقتراب منها أو يحاول التقدم للزواج منها، ولذلك فهى فى حاجة إلى رقية شرعية من الشيخ نفسه، وأنه سوف يتقاضى مبلغ ٧٠٠ جنيه إذا تمت الرقية فى بيته أو ٨٠٠ جنيه إذا قام الشيخ بزيارتها فى بيتها.وتواصل الكاتبة الحديث عن الأدوات التى استخدمها الشيخ فى رقيته المزعومة.
هذا هو الشيخ الذى راح يطارد الأساتذة الثلاثة الذين ذكرت فى المحاكم، وكسب فى مواجهتهم أحكاماً معتبرة.
هذه لمحة من حال بلادنا المقلوب، مطاردة الذين يفكون الأعمال ويعملون السفلى ويستفرعون الوسع فى الشبشبة وصناعة الرقى والأحجبة، للشعراء والمفكرين والمبدعين والأساتذة المعلمين وغيرهم من مصابيح الهدى على طريق المستقبل، غير أن الذى يبعث على الألم هو نجاحه فى كسب الجولات القضائية ضدهم، وهو ما يشير إلى عوار خطير فى أساس العلاقة بين الفكر والإبداع من ناحية والقانون والقضاء من ناحية أخرى.
بقلم: د.كمال مغيث
kmougheeth@yahoo.com
المصرى اليوم

No comments: