بيني وبين الفنان الجميل وجيه عزيز رباط أعرف من أين بدأ، وأعرف أنه لن ينتهي طالما بقي وجيه ساكنًا في حلمه، وباقيا علي عهده بتقديم أغنيه حالمة جميلة.
عرفت وجيه منذ ما يقرب من ٢٠ عامًا، وعلي سطح دارنا في قرية كوم الآطرون - طوخ - قليوبية، سهرنا ليالي مرتديا جلبابي، وشربنا أنا وأصدقائي من صوته الشجي الجميل إحساسًا مازلت أتحصن بجماله، وجيه هو ابن جيلي الذي وجد نفسه في لحظة تقود إلي شيخوخة مبكرة،
فهو الجيل الذي غادره مبكرًا أساطين الكلمة الصادقة، والنغمة الحالمة، فوجد نفسه مضطرًا لأن ينحت الصخر بقدراته الذاتية حتي يخلق عالمه، جيل حاصرته صلابة الأيديولوجيا،
وتناقض الواقع معها، وحاصرته أطنان من نبوءات المستقبل، وحكايات الماضي، وبينهما لم يعرف أين المصير الذي سننتهي إليه، جيل واصل البكاء علي ضياع فلسطين مثلما بكت أجيال قبله،
وأخيرًا لا يعرف من أين يأتي بالدموع عليها، بعد أن تاهت خريطتها بين الجميع، ومن قلب هذه المآسي يرقص القلب فرحًا كلما أنبت هذا الجيل موهبة تعبر عنه، وتعلن في تحد للظروف أن الصبح له يوم سيجيء، ومن بين هذه المواهب يقف وجيه عزيز شامخًا بكبريائه الفني والإنساني، ويغوص في بحر الكلمة حتي يلتقط جواهرها ويحولها إلي ألحان شجية حالمة، ويعطيها نضارتها بصوته القادر الجميل.
من بني سويف، جاء وجيه عزيز إلي القاهرة، جاء إلي قلب العاصمة القاسية التي لا تهدأ النداهة فيها من خطف أبناء الأقاليم لتعطي لها أسرار حيويتها، جاء وجيه بحماية التكوين الشخصي لأبناء الصعيد المهاجرين إلي أي مكان، وبحماية وجدانية من أشعار فؤاد حداد المدهشة فسكن هذه الأشعار،
وجعلها بيته الفني الأول، وفي بحورها أخذ يغوص ليلتقط منها كلمات تعبر عني وعنك، وفور سماعها منه تتأكد أنك كنت في سباحة نفسية ووجدانية تتمني ألا تنقطع أبدًا، وجيه يري في شعر فؤاد حداد ما يعينه علي الحياة،
وحين سألته ذات مرة عن سر توحده معها، أجاب بتلقائية صادقة: «لا أعرف»، لكنه أضاف: «في كل أشعار فؤاد حداد أجد ما أحلم به، هو العالم بالنسبة لي، هو طاقة النور التي لا ينتهي شعاعها، أسأل نفسي كثيرًا، بدون شعر فؤاد حداد ماذا كنت سأفعل؟»
ظل شعر فؤاد حداد الحصن الآمن لوجيه، وإحدي وسائله الصادقة لخطف قلب كل من يسمعه، ولم تتسلل إليه يومًا معاييرالسوق، والذوق العام، والرغبة في الانتشار الجماهيري «الكاسح»، وما يتطلبه ذلك من أساليب ملتوية، ومناورات، وعلاقات تحتية، وبالرغم من أن وجيه يملك طلة جميلة بالإضافة إلي مؤهلاته الفنية الأخري،
تؤدي إلي تسهيل المهمة لصناع النجوم، فإنه لا يلتفت لكل ذلك، مستعينًا ومتمسكًا بشروط الفن الصحيح، وقد يري البعض أن هذا التوحد لا يتناسب مع مقتضيات العصر بكل توحشه، لكن الرد علي ذلك يأتي من تجارب سابقة. فحين بدأت مصر البحث عن طريق خلاصها في القرن الماضي جاء سيد درويش ليكتب ريادته لموسيقي مصر في عصرها الحديث،
وذلك دون الانتماء لمؤسسة رسمية أو حزب سياسي، وإنما بالانتماء إلي شعبه وواقعه، وفي نهاية الستينيات بدأ الشيخ إمام بصوته وأحمد فؤاد نجم بأشعاره الطريق إلي تجربة كتبت حروفها بعيدًا عن المؤسسات الرسمية، ووجدت طريقها إلي الجماهير عبر الكاسيت، واللقاءات الشعبية.
وفي لبنان، خرج مارسيل خليفة بتجربته من إطار المحلية إلي العالمية لتوغله في تجربة موسيقية خاصة أدت إلي التوسع في جماهيريتها يومًا بعد يوم، ولم يكن الأمر يسيرًا علي كل هذه التجارب،
فمن ساحات القضاء إلي مطاردات الأجهزة الأمنية سارت في دروبها، لكنها لم تستسلم، ونالت حصتها من الاحترام والتقدير، والبقاء مرفوعة الرأس بين كل التجارب الموسيقية المحترمة.
وفي قراءة متأنية لتجربة وجيه عزيز، سنجد فيها طيقًا من تجارب درويش، وإمام، ومارسيل وغيرهم، لكن يبقي لها نكهتها الخاصة، المستمدة من عمق مصري أصيل، وحضور شخصي مدموغ بصوته، الجميل،
وألحانه العذبة، وحبه الصادق للبسطاء، وقبل ما يقرب من عامين أجرت معه الإعلامية مني الشاذلي حوارًا أذيع في حلقة كاملة من برنامجها «العاشرة مساء» واسع الانتشار، وأعيد إذاعته تلبية لرغبة المشاهدين،
وكان هذا استفتاء علي مدي حب الجماهير له، وعلي أن المصداقية لا تضيع أبدًا، وأنها أسهل الطرق للوصول إلي القلوب، ومنذ أيام قليلة قدمت قناة الجزيرة حلقة خاصة عنه في تأكيد آخر علي تفرد تجربته،
وكان التجاوب الجماهيري معها شعلة أخري مضيئة ليس لوجيه فقط، وإنما لكل الذين يختارون الطريق الصعب، ويتمسكون به رغم قسوة الظروف، وأكثر ما يؤلم في كل ذلك أن تلك الالتفاتات تأتي من خارج الإعلام الرسمي الذي يشغله أكثر أخبار سعد الصغير، وبعرور،
وقصص حب وطلاق وغرام أنصاف النجوم الذين لا تلهيهم بضاعتهم الفنية المضروبة.
وجيه الذي أثري تجربته بألحان قدمها للرائع محمد منير بالإضافة إلي ثلاثة ألبومات خاصة، هو عنوان رائع لجيلي، وعنوان أكثر روعة لكل المتحصنين بالعمل علي الارتقاء بالذوق العام حتي لو كانت الأشواك في طريقهم
عرفت وجيه منذ ما يقرب من ٢٠ عامًا، وعلي سطح دارنا في قرية كوم الآطرون - طوخ - قليوبية، سهرنا ليالي مرتديا جلبابي، وشربنا أنا وأصدقائي من صوته الشجي الجميل إحساسًا مازلت أتحصن بجماله، وجيه هو ابن جيلي الذي وجد نفسه في لحظة تقود إلي شيخوخة مبكرة،
فهو الجيل الذي غادره مبكرًا أساطين الكلمة الصادقة، والنغمة الحالمة، فوجد نفسه مضطرًا لأن ينحت الصخر بقدراته الذاتية حتي يخلق عالمه، جيل حاصرته صلابة الأيديولوجيا،
وتناقض الواقع معها، وحاصرته أطنان من نبوءات المستقبل، وحكايات الماضي، وبينهما لم يعرف أين المصير الذي سننتهي إليه، جيل واصل البكاء علي ضياع فلسطين مثلما بكت أجيال قبله،
وأخيرًا لا يعرف من أين يأتي بالدموع عليها، بعد أن تاهت خريطتها بين الجميع، ومن قلب هذه المآسي يرقص القلب فرحًا كلما أنبت هذا الجيل موهبة تعبر عنه، وتعلن في تحد للظروف أن الصبح له يوم سيجيء، ومن بين هذه المواهب يقف وجيه عزيز شامخًا بكبريائه الفني والإنساني، ويغوص في بحر الكلمة حتي يلتقط جواهرها ويحولها إلي ألحان شجية حالمة، ويعطيها نضارتها بصوته القادر الجميل.
من بني سويف، جاء وجيه عزيز إلي القاهرة، جاء إلي قلب العاصمة القاسية التي لا تهدأ النداهة فيها من خطف أبناء الأقاليم لتعطي لها أسرار حيويتها، جاء وجيه بحماية التكوين الشخصي لأبناء الصعيد المهاجرين إلي أي مكان، وبحماية وجدانية من أشعار فؤاد حداد المدهشة فسكن هذه الأشعار،
وجعلها بيته الفني الأول، وفي بحورها أخذ يغوص ليلتقط منها كلمات تعبر عني وعنك، وفور سماعها منه تتأكد أنك كنت في سباحة نفسية ووجدانية تتمني ألا تنقطع أبدًا، وجيه يري في شعر فؤاد حداد ما يعينه علي الحياة،
وحين سألته ذات مرة عن سر توحده معها، أجاب بتلقائية صادقة: «لا أعرف»، لكنه أضاف: «في كل أشعار فؤاد حداد أجد ما أحلم به، هو العالم بالنسبة لي، هو طاقة النور التي لا ينتهي شعاعها، أسأل نفسي كثيرًا، بدون شعر فؤاد حداد ماذا كنت سأفعل؟»
ظل شعر فؤاد حداد الحصن الآمن لوجيه، وإحدي وسائله الصادقة لخطف قلب كل من يسمعه، ولم تتسلل إليه يومًا معاييرالسوق، والذوق العام، والرغبة في الانتشار الجماهيري «الكاسح»، وما يتطلبه ذلك من أساليب ملتوية، ومناورات، وعلاقات تحتية، وبالرغم من أن وجيه يملك طلة جميلة بالإضافة إلي مؤهلاته الفنية الأخري،
تؤدي إلي تسهيل المهمة لصناع النجوم، فإنه لا يلتفت لكل ذلك، مستعينًا ومتمسكًا بشروط الفن الصحيح، وقد يري البعض أن هذا التوحد لا يتناسب مع مقتضيات العصر بكل توحشه، لكن الرد علي ذلك يأتي من تجارب سابقة. فحين بدأت مصر البحث عن طريق خلاصها في القرن الماضي جاء سيد درويش ليكتب ريادته لموسيقي مصر في عصرها الحديث،
وذلك دون الانتماء لمؤسسة رسمية أو حزب سياسي، وإنما بالانتماء إلي شعبه وواقعه، وفي نهاية الستينيات بدأ الشيخ إمام بصوته وأحمد فؤاد نجم بأشعاره الطريق إلي تجربة كتبت حروفها بعيدًا عن المؤسسات الرسمية، ووجدت طريقها إلي الجماهير عبر الكاسيت، واللقاءات الشعبية.
وفي لبنان، خرج مارسيل خليفة بتجربته من إطار المحلية إلي العالمية لتوغله في تجربة موسيقية خاصة أدت إلي التوسع في جماهيريتها يومًا بعد يوم، ولم يكن الأمر يسيرًا علي كل هذه التجارب،
فمن ساحات القضاء إلي مطاردات الأجهزة الأمنية سارت في دروبها، لكنها لم تستسلم، ونالت حصتها من الاحترام والتقدير، والبقاء مرفوعة الرأس بين كل التجارب الموسيقية المحترمة.
وفي قراءة متأنية لتجربة وجيه عزيز، سنجد فيها طيقًا من تجارب درويش، وإمام، ومارسيل وغيرهم، لكن يبقي لها نكهتها الخاصة، المستمدة من عمق مصري أصيل، وحضور شخصي مدموغ بصوته، الجميل،
وألحانه العذبة، وحبه الصادق للبسطاء، وقبل ما يقرب من عامين أجرت معه الإعلامية مني الشاذلي حوارًا أذيع في حلقة كاملة من برنامجها «العاشرة مساء» واسع الانتشار، وأعيد إذاعته تلبية لرغبة المشاهدين،
وكان هذا استفتاء علي مدي حب الجماهير له، وعلي أن المصداقية لا تضيع أبدًا، وأنها أسهل الطرق للوصول إلي القلوب، ومنذ أيام قليلة قدمت قناة الجزيرة حلقة خاصة عنه في تأكيد آخر علي تفرد تجربته،
وكان التجاوب الجماهيري معها شعلة أخري مضيئة ليس لوجيه فقط، وإنما لكل الذين يختارون الطريق الصعب، ويتمسكون به رغم قسوة الظروف، وأكثر ما يؤلم في كل ذلك أن تلك الالتفاتات تأتي من خارج الإعلام الرسمي الذي يشغله أكثر أخبار سعد الصغير، وبعرور،
وقصص حب وطلاق وغرام أنصاف النجوم الذين لا تلهيهم بضاعتهم الفنية المضروبة.
وجيه الذي أثري تجربته بألحان قدمها للرائع محمد منير بالإضافة إلي ثلاثة ألبومات خاصة، هو عنوان رائع لجيلي، وعنوان أكثر روعة لكل المتحصنين بالعمل علي الارتقاء بالذوق العام حتي لو كانت الأشواك في طريقهم
بقلم سعيد الشحات ٣/٥/٢٠٠٨
المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment