Thursday, March 13, 2008

باحث بريطاني يرصد "الجهل الأوروبي" بمصر في كتاب صدر قبل 90 عاما

القاهرة (رويترز) - في كتاب يترجم للعربية لأول مرة رغم صدوره قبل 90 عاما يكتب الباحث البريطاني اس.اتش. ليدر بمودة عن المصريين وبخاصة المسيحيون منتقدا الرؤية "الاستشراقية" لرحالة أوروبيين يتهمهم بالاساءة إلى المصريين نتيجة الجهل.
ففي في كتابه (أبناء الفراعنة المحدثون) يضرب ليدر المثل على ذلك بما كتبه الباحث والرحالة البريطاني ادوارد وليام لين (1801-1876) الذي أطلق على نفسه اسم "الشيخ منصور" ووضع كتابا عنوانه (المصريون المحدثون.. عاداتهم وتقاليدهم) ويعد علامة على طريق تعريف الغرباء بحياة المصريين في القرن التاسع عشر.
ويقول ليدر الذي يعرف نفسه كبريطاني مسيحي ان "أي قدر من التحامل المرضي على الاقباط الذي يميز موقف الكثير من الانجليز في مصر منشؤه عمل لين (كتابه الشهير) الذي يرجع اليه كل من يرغب في الحصول على معلومات عن الشعب المصري.. وبذلك لا تكون هناك فرصة كبيرة لمعالجة الجهل الانجليزي الذي لا حد له بهؤلاء الناس."
وحملت الترجمة العربية لكتاب ليدر عنوانا فرعيا هو (دراسة لاخلاق أقباط مصر وعاداتهم) وتقع في 379 صفحة كبيرة القطع وتصدره يوم السبت (دار الشروق) في القاهرة.
ويضم الكتاب صورا فوتوغرافية تعود الى بداية القرن العشرين وتسجل طبيعة الحياة في الريف في مواسم الحصاد وغيرها وصورا لبعض الاديرة والكنائس وسرادق "أحد أروع الافراح القبطية" في مدينة أسيوط بالصعيد وصورا لرهبان وكهنة وفلاحين وفلاحات وبدو وأصحاب حرف تقليدية وأسواق شعبية اضافة الى صورة للمؤلف بالزي التلقيدي انذاك وهو الجلباب والعمامة.
وقال المترجم المصري أحمد محمود في المقدمة انه تحمس لترجمة هذا الكتاب - الذي كان مقررا أن يصدر عام 1914 لكن قيام الحرب العالمية الاولى أجل نشره الى عام 1918- بسبب أهمية الفترة التاريخية التي يتناولها المؤلف حيث "لم تكن هناك تلك الحساسية الملحوظة حاليا بين المسلمين والمسيحيين".
كما قدم محمود في الهوامش شرحا لبعض المصطلحات والقضايا مثل "اللغة القبطية" لكنه تعامل مع قضية اللغة كأنها ربما تخص منتجا ثقافيا مسيحيا في مصر وليست خليطا من اللغة المصرية القديمة واللغة اليونانية بعد غزو الاسكندر الاكبر للبلاد.
ويرى المؤرخ عزيز سوريال عطية (1899-1988) في كتابه (تاريخ المسيحية الشرقية) الذي ترجم للعربية في الاونة الاخيرة أن اللغة القبطية "هي اخر الصيغ للغة المصرية القديمة التي اتخذت كتابتها أشكالا مختلفة بدءا بالهيروغليفية ومرورا على الهيراطيقية وانتهاء بالديموطيقية.. أول نص مصري معروف بهذه اللغة الوليدة قد سجل قبل مولد السيد المسيح بقرن ونصف."
وكان عطية أستاذا لتاريخ العصور الوسطى بكلية الاداب بجامعة الاسكندرية وجامعات بريطانية وألمانية وأمريكية كما شغل منصب مدير معهد الدراسات القبطية بالقاهرة.
أما مصطلح "الاقباط" فارتبط بالمسيحيين المصريين ولكن مفكرين مصريين يرون أنه غير دقيق تماما لان كلمة "القبطي" تعني المصري أيا كانت ديانته فالقبط في رأي كثير من الباحثين دلالة على الجنسية لا الديانة. وكان اليونانيون يشيرون بكلمة ايجبتوس الى مصر ونهر النيل معا.
ويضرب ليدر في كتابه أمثلة لما يراه جهلا أوروبيا بمصر ومسيحييها قائلا ان القديس فرنسيس الاسيزي مؤسس طائفة الفرنسيسكان لم يكن يعلم "حين انضم الى الحملة الصليبية السادسة المتجهة الى مصر في عام 1218 بوجود الكنيسة المصرية. وبعد قرون عديدة لم يشك قط الرحالة الانجليزي العظيم بروس -الذي تنقل بين مصر والحبشة وتلقى أكبر مساعدة من موظف في الدولة كان قبطيا- أن لمؤسسة مثل الكنيسة وجود. وكان جهل ادوارد لين بالاقباط وظلم توصيفه لهم يقوم على أدلة ضئيلة جدا."
ويقول المؤلف ان المسيحيين المصريين يشكون "من الاحتقار الذي تعاملهم به الطبقات الرسمية الانجليزية" وان اساءة بالغة لحقت بهم تحت الاحتلال البريطاني الذي بدأ عام 1882 وان الكتاب والباحثين البريطانيين لم يتحروا الدقة فيما كتبوه عن المسيحيين اذ "هم في الواقع من ألحق بهم أكبر الاذى.. لم يخفقوا في مساعدة القضية القبطية فحسب بل أعاقوها" حيث لا يحظى المسيحيون في مصر الا بجهد "تافه أو مضلل" من هؤلاء الباحثين.
ويرى أن البريطانيين تبنوا منذ احتلالهم مصر "موقفا يتسم بعدم الثقة تجاه الاقباط وهو موقف لا يختلف عما يشعرون به تجاه اليهود في أوروبا."
ويقول ان الفرنسيين كانوا أكثر قدرة على فهم المصريين من البريطانيين.
ويضيف أن سلوك الكنيسة البريطانية في مصر يعيد الى الاذهان ما يصفه بزمن الكراهية المسيحية الموروثة بين الشرق والغرب.
ويدلل على ذلك قائلا ان الجمعية الانجليزية -التي تسعى باسم الكنيسة الانجيلية الى تقدم المسيحية في مصر- بدأت عملها باعلان "رفض التسامح مع هرطقة الاقباط المدمرة للنفس" مضيفا أن بطريرك الاقباط لم يكن في يوم من الايام ممن يسعون الى اكتساب حظوة لدى البريطانيين من أي طبقة.
ويقول ان البطريرك القادم من دير في الصحراء الغربية "يفضل الخضوع للسلطات المصرية على الخضوع لسلطات المعتمد البريطاني".
ويشدد على أن "تاريخ الصدع" بين المسيحي والمسلم في مصر يعود الى الاحتلال البريطاني "فالطائفتان ليست بينهما عداوة فطرية أو متأصلة وهو ما أثبته التاريخ.. ولم يحصل القبطي من الانجليز على شيء من خلال الصدع."
ويسجل شهادة المعتمد البريطاني في مصر اللورد كرومر متسائلا.. "ماذا كان حكم اللورد كرومر عندما انتهت مدة خدمته كأعظم حاكم شهدته مصر (من قبل الاحتلال).. لقد قال في كتابه (مصر المعاصرة) ان الفرق الوحيد بين القبطي والمسلم أن الاول مصري يتعبد في الكنيسة بينما الثاني مصري يتعبد في المسجد."
ويقول المؤلف ان المصريين "شعب واحد وموحَّد.. المسلمون والاقباط أحفاد شعب مصر الذي عاش قبل سبعة الاف عام" ويشتركان في تقديس وحب الاولياء والقديسين من كلا الطرفين. كما يسجل أنه رأى كنائس بناها المسلمون ومسجدا أنشأه "صاحب أطيان قبطي قبل الاحتلال بعام أو عامين" وأنه وجد تلاميذ مسلمين في المدارس العلمانية القبطية كما "لا يفكر أحد في استبعاد الاطفال الاقباط من المدارس المشابهة التي بناها مسلمون".

من سعد القرش
رويترز

No comments: