Friday, December 07, 2007

متى نتوقف عن اللت والعجن فى قضايا القرون الوسطى؟!

شهدت القاهرة يوم الأثنين الماضى مؤتمراً بالغ الأهمية – من حيث موضوعه – عن قضايا "المواطنة" فى مصر، وأيضاً من حيث المشاركين فيه وعلى رأسهم المجلس القومى لحقوق الإنسان الذى استضاف عدداً من الشخصيات العامة والقيادات النشطة للجاليات المصرية فى الخارج، قبطية وغير قبطية.ورغم أهمية الموضوع وأهمية المشاركين فى تناوله جاءت التغطية الصحفية والإعلامية له باهتة إلى حد بعيد. واكتفت معظم الصحف بإلقاء قليل من الضوء على "إعلان حقوق المواطنة" الصادر عن المؤتمر، والذى اعتبر عام 2008 هو عام المواطنة فى مصر تزامناً مع الذكرى الستين للاعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، كما قرر المجلس أن يعقد فى نهاية العام القادم مؤتمراً قومياً للمواطنة. وأعرب عن أمله أن يتم خلال هذا العام إعداد التشريعات اللازمة لتكريس المواطنة وتطبيقاتها بلا تمييز فى إطار برنامج متكامل للحوار الوطنى تشارك فيه كل فاعليات المجتمع حكومية وغير حكومية ومراكز البحوث والدراسات والجامعات حول مضمون المواطنة.كما أصدر المؤتمر توصيات فرعية أخرى من بينها ضرورة عدم التمييز فى العمل سواء بناء على الجنس أو العرق أو الدين أو النوع، ووضع نظم معلنة وشفافة لشغل فرص العمل المتاحة بناء على شروط موضوعية وعدم التمييز بين المواطنين فى الحصول على قروض لإقامة المشروعات للشباب، كما طالب المؤتمر بتنظيم حملة قومية لمكافحة الوساطة باعتبارها من أفدح صور التمييز.وفيما يتعلق بالأوراق الثبوتية طرح المؤتمر بديلين: إما حذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومى أو عدم الاقتصار على اثبات الديانة على أصحاب الديانات السماوية انطلاقا من حرية العقيدة ( فى إشارة إلى البهائيين الذين لا يحب كثير من المسلمين والمسيحيين أن يعتبروا البهائية ديانة كباقى الديانات).كما أوصى المؤتمر بضرورة إصدار قانون لمناهضة التمييز فى جميع صورها والتى لا تخضع حتى الآن لتعريف واضح، وأوصى أيضاً بضرورة إجراء مراجعة تشريعية شاملة للقوانين التى تتضمن شبهة التمييز وإنشاء "مرض" للمساواة ومناهضة التمييز يختص بشكاوى إدعاءات التمييز.وفيما يتعلق بمبدأ المواطنة ودور العبادة حث المؤتمر مجلس الشعب على الاسراع فى اصدار القانون الموحد لدور العبادة.والواضح من هذا الاستعراض الموجز للتوصيات، أن المؤتمر وضع يده على عدد من القضايا الأساسية والحساسة والتى ظلت فى عداد "المسكوت عنه" سنوات وعقود طويلة.لكن .. وهناك دائماً "لكن"..وجهت شخصيات قبطية بالمهجر هجوماً شديداً إلى المؤتمر لأنه لم يتم دعوتهم بشكل رسمى، وذلك رغم مشاركة ثلاثة قيادات قبطية بارزة فى المهجر أعلنوا أنهم يمثلون منظماتهم وهم مايكل منير رئيس منظمة أقباط الولايات المتحدة، ونبيل عبد الملك من الاتحاد المصرى بكندا وعادل جندى من فرنسا.بل قيل أن الدعوة لم توجه لأحد من الكنيسة القبطية ذاتها سوى القمص مرقص عزيز كاهن الكنيسة المعلقة الذى انتقد بدوره عدم حضور مسئولين من حكومة الدكتور أحمد نظيف وكأنها لا تعبأ بانعقاد مثل هذا المؤتمر من الأصل.كما تضمنت الانتقادات شكاوى عديدة عن سوء التنظيم، وضيق ا لوقت بصورة قضت على أى فرصة للحوار الجدى حول هذه القضايا الشائكة.ومع ذلك فإن مجرد انعقاد المؤتمر فى القاهرة، وبمبادرة من المجلس القومى لحقوق الانسان، يمثل فى حد ذاته بادرة طيبة تأخرت كثيراً.ثم إن "العناوين" التى تضمنها "إعلان حقوق المواطنة" بالغة الأهمية، وتمثل "خريطة طريق" نرجو ألا يكون مصيرها مثل مصير "خريطة الطريق" الأمريكية للشرق الأوسط. لأن هذه العناوين تذهب مباشرة إلى رءوس المشاكل الحقيقية، والأهم أنها تتضمن توصيات محددة، كل توصية منها موجهة إلى الجهة المعنية، فضلاً عن أنها فى مجملها "تطالب بإعداد التشريعات اللازمة لتكريس المواطنة وتطبيقاتها بلا تمييز فى إطار برنامج متكامل للحوار الوطنى"، وبالتالى فإنها تضع الكرة فى ملعب كل فاعليات المجتمع حكومية وغير حكومية ومراكز البحوث والدراسات والجامعات حول مضمون المواطنة.وإذا كان هناك خلل فى تنظيم المؤتمر أو سلبيات فى أعماله فإن هذا الخلل لا يمثل جوهر الشكوى، وإنما جوهر الشكوى هو أن الكلام يتردد مراراً وتكراراً دون نتيجة. والمؤتمرات تعقد وتنفض بينما كل شئ يبقى على حاله، إن لم تكن الأمور تزداد سوءاً ونتراجع إلى الوراء فى بعض الحالات والمجالات.وهذا هو بيت الداء .. فنحن نتكلم وننفعل .. ثم نهدأ ويفتر حماسنا وننسى أصل الحكاية .. إلى أن نصحو فجأة على كارثة جديدة، وهكذا نظل ندور فى نفس الدائرة المغلقة التى آن الآوان لكسرها .. ليس فقط لأن هناك أعداء خارجيين يتربصون بنا ويتحينون الفرصة لاستخدام هذه الشكاوى وتلك المظالم كذريعة للتنطع على شئونا الداخلية، وإنما أيضاً وأساسا لأن واجبنا الأساسى أن نرسى قواعد العدل داخل بلادنا بصرف النظر عما يريده أو لا يريده هذا الطرف الخارجى أو ذاك.وهذا بدوره يحيلنا إلى قضية أوسع.. ألا وهى ان قضية المواطنة لا يجب اختزالها فى فضية المساواة بين المسلمين والمسيحيين أبناء الوطن المصرى الواحد، وإنما هى أشمل من ذلك فهى تعنى قبل ذلك الانتقال من المجتمع التقليدى إلى المجتمع الحديث، ومن الدولة الأبوية إلى الدولة المدنية ومن حكم الفرد إلى حكم القانون، وبالتالى انتقال الناس من وضعية "الرعايا" إلى وضعية "المواطنين" المتساوين أمام القانون بصرف النظر عن الجنس أو العرق أو الدين أو غير ذلك من اعتبارات .. كنا نظنها قد اختفت من على ضفاف النيل لكننا نفاجأ كل يوم بعودتها فى صورة قبيحة ومخيفة تعيد إلينا بدورها أشباح القرون الوسطى وعصور الظلام
بقلم : سعد هجرس
موقع الحوار المتمدن

No comments: