Tuesday, December 25, 2007

ولا حتى مثال واحد من المسلمين

أعترف أولا بشجاعة الكاتب فيصل الزامل في " الأنباء", حين لم يجد من يستشهد به من أهل الخير على مستوى العالم سوى
" الأم تريزا", لقد رسب جميع من يسمون أنفسهم بالإسلاميين في اختبار " أهل الخير" !
ولا أدري مدى اتفاق الجماعة السلفية التي تكفر أهل الكتاب اليوم مع ما ورد في مقاله عن الأم تريزا ودورها الريادي في التخفيف عن معاناة المرضى من كل ملة ونحلة ولون.
وليس هذا الاستشهاد بعجيب على المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين, حيث استن مؤسس الجماعة بسنة أهل الكتاب في العمل الخيري المنقول نصا عن أفعال الجمعيات التبشيرية حول العالم في الماضي القريب, وامتداداتها الإنسانية اليوم كما في منظمة " أطباء بلا حدود" على سبيل المثال لا الحصر.
وسبب استغرابي لكتابة الأستاذ الزامل عن الأم تريزا رحمها الله لما عانته في سبيل إعانة المرضى ومواساتهم, كونه لم يجد من بين الآلاف المؤلفة للعاملين في المجال الخيري الإسلامي والذي تمتلك مؤسساته المالية الملايين من الدولارات, مثالا واحدا يستشهد به للدلالة على فعل الخير على مستوى إنساني عالمي.
ولا شك أن هذا الاستشهاد بالأم تريزا , والاعتراف الضمني بعدم وجود من يمثلها في فعل الخير لدى الإسلاميين - كما يسمون أنفسهم- دليل احترام للتجربة الإنسانية في مجال المساعدات الإنسانية.
لكن , " الحلو ما يكملش" على رأي إخواننا المصريين, فكان لا بد من الاستشهاد بأمثلة قريبة من الموضوع وإن لم تكن ذات صلة. منها مثلا ما أورده الكاتب حول رئاسة وزير مالية " بنين" ( دولة وليست نوعية مدرسة) المسيحي لأحد اجتماعات وزراء المالية عام ,2004 حيث أعجب بقبول وزراء المالية المسلمين له برغم اختلاف الديانة!
والمسكين لا يدري أن قوم هؤلاء ينالون منه ومن قومه ظهر كل جمعة بالدعاء عليهم بالويل والثبور وخرائب الأمور, وبصراحة استغربت لوجود وزير مالية لدولة بنين!
وأما المثال الذي قدمه الكاتب عن حديث أبي ذر عن رجل سقى كلبا عطشانا كدليل على إنسانية المسلمين, فلا موضع له من الإعراب لأنه لا يتعلق بالإنسان, بل بالبهائم العاجزة, وهل نتوقع من أي إنسان بغض النظر عن دينه, عدم مساعدة حيوان جائع أو عطشان
لكن هل يتأسى المسلمون اليوم بهذا المثال وهم يدوسون القطط والكلاب في الشوارع بلا ضمير؟ بل هل تحرك الدولة ساكنا لإيواء القطط والكلاب الضالة التي تتغذى من القمامة؟ المسلمون في الكويت من العاملين في البلدية كانوا يقومون بتسميم الكلاب الضالة وكأنها بلا أرواح, فضلا عن انعدام تقبل الحيوان في عالم المسلمين بشكل عام, خاصة الكلاب. لذلك فالمثال لم يكن موفقا.
لكن برغم هذا الخروج غير المنطقي, تبقى حقيقة الاستشهاد بالأم تريزا علامة بارزة وإن كانت شاذة, ولا أتصور أنها مقبولة لدى جماعة السلف مثلا, مما يستحق الذكر باعتباره صادرا عن أحد المنتمين للجماعات الدينية .
لكن المأساة كل المأساة أن الكاتب وغيره لن يجدوا في عالم الإسلام ما يقابل مثال الأم تريزا, سواء بما قامت به من أعمال خيرية, أو باعترافها بالفراغ الروحي حيث قالت ( وأنا هنا أنقل ما ورد في مقال الكاتب حتى لا نؤخذ للنيابة العامة) ما نصه: " ..أنا لا أشعر بوجود الرب " تخيلوا- مجرد تخيل- لو أن هذا الكلام صدر من أحد المسلمين, ماذا سيكون مصيره حسب القانون الكويتي: سجن طلحة أو حتى السجن المركزي بإذن الواحد الأحد, وستجد المسلمين يشنعون عليه في خطبة الجمعة وفي كتاباتهم الصحافية, من دون أي اهتمام بمعاناته النفسية.
لكن الكنيسة الكاثوليكية كانت تفكر في رفع مقام هذه السيدة الإنسانة العظيمة إلى مرتبة القديسين, لولا هذه الرسائل التي بثت من خلالها معاناتها النفسية تجاه الآلام التي تنال من البشرية كل يوم... صحيح من قال: يخلق ...ويفرق.
وأتمنى على الأستاذ فيصل الزامل الاطلاع على موقع مكتبة الشيخ ديدات " التنصير فوق صفيح ساخن" والتعليقات التكفيرية والمهينة بحق هذه الإنسانة العظيمة حيث اتهمت باستغلالها حاجات الفقراء والمعوزين لتنصيرهم
وهذا الموقف المؤسف للذين يكتبون مثل هذه الآراء, يذكرني بنكتة سمعتها من أحد الطلبة الأردنيين ( قال الأب لابنه : عمرك ما بتصير زلمة ", وبعد سنوات طويلة أصبح هذا الابن وزيرا. فأحضر أباه إلى المكتب ليرى أين وصل: درجة وزير. فصمت الأب لحظة, ثم قال له: ابني, ما قلت لك ما بتصير وزير, قلت لك عمرك ما بتصير زلمة)...
والشاطر يفهم
أحمد البغدادي
كاتب كويتي
awtaad@yahoo.com

No comments: