قبل أيام أيدت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة إلغاء عقوبة الإعدام على مستوى عالمي, داعية الدول الأعضاء إلى تعديل قوانينها الوطنية بما يتسق مع هذا القرار الدولي.
ولاشك أن هناك كثيراً من المعترضين على إلغاء عقوبة الإعدام, خاصة الدول التي تسمي نفسها بالدول الإسلامية , وما هي كذلك, بل هي مجرد دول غالبية سكانها من المسلمين, وبالتالي فهي دول مسلمة, وليس بالضرورة أن تكون إسلامية, وليس هذا موضوعنا.
ومن الجدير بالذكر أن إلغاء عقوبة الإعدام فكرة أساسها الغرب العقلاني, الذي وجد أن هذه العقوبة لم تمنع تزايد جرائم القتل, وأن تطبيقها قد أدى إلى قتل أبرياء لم تظهر براءتهم إلا بعد سنوات طويلة على إعدامهم, مما جعل الدول الغربية, وتبعتها في ذلك كثير من دول العالم المتحضر, تسعى إلى تأجيل عمليات الإعدام أطول مدة ممكنة, لعل وعسى أن تظهر أدلة جديدة على براءة المحكوم عليه بعقوبة الإعدام قبل فوات الأوان.
وبعد تجارب مريرة قررت دول الاتحاد الأوروبي إلغاء عقوبة الإعدام مستبدلة إياها بالسجن المؤبد. وحيث إن الغرب لا يتعامل مع قوانينه بازدواجية, كانت الدول الغربية من أول المنادين بمطالبة الحكومة العراقية بعدم إعدام الطاغية صدام حسين برغم كل ما اقترفه من ويلات بحق العراقيين أثناء فترة حكمه الديكتاتوري.
ومما لاشك فيه أن كثيراً من الناس يؤيدون عقوبة الإعدام للقاتل, بدافع من العاطفة تجاه المقتول, أو لأسباب دينية, لكن في جميع الأحوال لا أحد ينظر إلى الأمر من جميع جوانبه.
ومما لاشك فيه أن كثيراً من الناس يؤيدون عقوبة الإعدام للقاتل, بدافع من العاطفة تجاه المقتول, أو لأسباب دينية, لكن في جميع الأحوال لا أحد ينظر إلى الأمر من جميع جوانبه.
ولو تركنا العاطفة جانباً, لوجدنا أن السجن المؤبد أكثر إيلاماً للقاتل, دون النظر إلى التكلفة المالية التي تتكبدها الدولة عليه من حراسة وطعام وفحوصات طبية, مقابل توفير كل هذه المصاريف وهذا العناء فيما لو تم إعدامه خلال بضع دقائق.
ولنا في العقوبة بالسجن المؤبد التي يقضيها المدان في قضية تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر والمدعو الموسوي, حيث سيقضي ما لا يقل عن ثلاثين سنة من حياته لو سارت الأمور بشكل طبيعي, في زنزانة حجرية لا تتعدى مساحتها ستة- تسعة أمتار, وسرير حجري, وطاولة ومقعد حجري, وتلفزيون لا يبث إلا قناتين دينيتين, وحقه في التريُّض نصف ساعة في اليوم في مساحة ضيقة خارج زنزانته الحجرية, وهو يطالب اليوم بالإعدام للتخلص من هذه الحياة المؤلمة.
وبذلك يتبين أن السجن المؤبد أكثر عذاباً وإيلاماً من الإعدام الذي لا يستغرق سوى بضع دقائق, ثم يموت القاتل دون أن يتحمل وزر عذاباته للآخرين. ومن الأمثلة التي تدل على تأثير السجن الطويل على النفس, حتى قبل الحكم به, ما حدث للطاغية اليوغسلافي سلوبودان ميلوسيفتش الذي مات قهراً في سجنه قبل الانتهاء من محاكمته.
من جانب آخر, لقد أثبتت التجربة البشرية أن هناك أحكام إعدام متسرِّعة, وأدلة كثيراً ما تظهر بعد سنوات طوال على الإعدام, فكان تطبيق المبدأ الإنساني الغربي "أن تطلق سراح بريء واحد ضمن مئة مجرم, لهو أهون من سجن بريء مع مئة مجرم".
من جانب آخر, لقد أثبتت التجربة البشرية أن هناك أحكام إعدام متسرِّعة, وأدلة كثيراً ما تظهر بعد سنوات طوال على الإعدام, فكان تطبيق المبدأ الإنساني الغربي "أن تطلق سراح بريء واحد ضمن مئة مجرم, لهو أهون من سجن بريء مع مئة مجرم".
فالضمير الإنساني لا يتحمل وزر الإعدامات التي تحصل نتيجة تسرع أو محاكمات ربما لا تكون وافية. فضلاً عن حقيقة أن أحكام الإعدام لم تؤد إلى انخفاض نسبة جرائم القتل.
وبسبب هذه العوامل جاء القرار الدولي متسقاً مع مفاهيم العقلانية وراحة الضمير الإنساني
أحمد البغدادي 25/12/2007
الاتحاد الاماراتية
No comments:
Post a Comment