Tuesday, November 06, 2007

الطائفة اليهودية في مصر.. حنين للماضي وخوف من المجهول

يبدو أن الطائفة اليهودية في مصر كانت على موعد استثنائي مع الاحتفالات بعد طول غياب، ففي الأيام الأخيرة من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي احتفلت الطائفة في المعبد اليهودي بوسط القاهرة بمناسبة مرور مائة عام على تشييده وسط حضور استثنائي ليهود مصريين عاشوا في مصر قبل سنوات وعادوا للاحتفال، وآخرون لم يغادروا وطنهم وجاءوا للاحتفال بالمعبد الذي شهد ولادتهم وأفراحهم وأطراحهم. ووسط المشاعر المتباينة بالفرح واستعادة جزء من الماضي والخوف من المستقبل تجمع أفراد الطائفة اليهودية في مصر والتي يبلغ قوامها40 شخصا

معظمهم إن لم يكن جميعهم من النساء المتقدمات في السن تتقدمهم رئيس الطائفة المصرية كارمن اينشتاين 74 عاما التي تولت رئاسة الطائفة خلفا لأمها إستر اينشتاين التي توفيت عام 2004 عن عمر ناهز السادسة والتسعين عاما. في اليوم الأول للاحتفالات كان معبد «شاعاري شمايم» وتعني بالعبرية بوابة السماء على غير عادته مضاء وصاخبا بعد سنوات طويلة من الصمت والسكون والانزواء، وبحضور ممثلي الطائفة اليهودية في مصر والولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى سفراء إسرائيل السابقين في القاهرة وممثلي الأكاديمية الإسرائيلية للعلوم والآداب ورجال المجلس الأعلى للآثار المصرية، وغنى مطرب الأوبرا المصري جابر البلتاجي في صدر المعبد أغنية الشاعر الراحل صلاح جاهين «باحب السلام» باللغتين العربية والعبرية. وبصوت متهدج رحبت رئيس الطائفة اليهودية بمصر كارمن اينشتاين بالحضور قائلة «إن هذا اليوم يمثل حدثا تاريخيا في حياة الطائفة، لأن اليهود عاشوا هنا في كل العصور، ولا أرى سببا يجعلهم يتوقفون عن العيش هنا». وأضافت «أنها تشعر بالفخر لأنها مصرية وترغب في تقديم الشكر للقيادة المصرية وعلى رأسها الرئيس مبارك. أما ماجدة هارون اليهودية التي لم تغادر مصر إلى إسرائيل لأسباب آيديولوجية كونها تتحدر من عائلة شيوعية مفضلة الانتظار حتى قيام دولة فلسطينية فقد اعتلت المنصة وتحدثت عن ماضي الطائفة أحد أقدم الطوائف اليهودية في العالم قائلة «إن المرة الأخيرة التي رأت فيها هذا المعبد ممتلئا كان في سنوات الستينيات».
وأضافت قائلة «إننا بالفعل 40 شخصا في الطائفة إلا أن وراءنا تاريخا عريقا. من فضلكم لا تجعلوه يموت». وعبرت هارون عن مخاوفها حول مستقبل الطائفة وتساءلت عما إذا كانت كارمن ستصبح أخر رئيس للطائفة أم لا؟ وطالبت الحكومة المصرية بالمساعدة من أجل الحفاظ على التراث اليهودي في مصر. وفي اليوم التالي دعت اينشتاين إلى احتفال آخر أقيم في معبد ابن عزرا بمنطقة الفسطاط جنوب القاهرة لعرض لوحات من الوثائق اليهودية المعروفة باسم «الجنيزا» التي عثر عليها في إحدى غرف المعبد قبل أكثر من مائة عام. وكان نص الدعوة الذي حملت توقيع اينشتاين كالتالي: تتشرف الطائفة اليهودية بالقاهرة بدعوتكم لحضور حفل افتتاح معرض لوحات الجنيزا في معبد ابن عزرا بمصر القديمة.. ويليه حفل استقبال.. كارمن اينشتاين.. رئيس الطائفة اليهودية.
وظل الكنيس اليهودي «شاعاري شمايم» المعبد الأبرز لأثرياء الطائفة اليهودية في مصر الذين كان ينتمي معظمهم للمذهب الرباني، إذ كان مذهب اليهود في مصر يتوزع بين طائفة اليهود الربانيين الذين كانوا يمثلون الغالبية من اليهود المصريين، وهم أولئك الذين يؤمنون بجميع أسفار التوراة بأقسامها الثلاثة (أسفار موسى ـ أسفار الأنبياء ـ المكتوبات)، إضافة إلى تقديسهم للتلمود بل اعتباره في كثير من الأحيان الكتاب المقدس الأول لديهم كونه بحسب اعتقادهم توراة أخرى شفهية تلقاها موسى من الرب شفاهة وتناقلها الخلف عن السلف، حتى دونها الحبر اليهودي يهودا هناسي في القرن الأول الميلادي وأضاف إليها علماء اليهود الشروح والتعليقات طوال عدة قرون. ومثل «شاعاري شمايم» منذ تشييده قبل مائة عام انعكاسا لحياة تلك الطائفة التي كانت تشكل يوما أحد أضلاع مثلث النسيج المصري، فمن ذروة النشاط التجاري والثقافي والاجتماعي في نهاية القرن التاسع عشر إلى الهجرة والنزوح على خلفية الصراع العربي ـ الإسرائيلي بعد قيام ثورة يوليو (تموز) 1952، وانتهاء بتحول هذه الطائفة إلى مجرد حفنة من الذكريات واستدعاء لماض وتاريخ كان دوما صاخبا ومثيرا للتأمل على أرض تضرب بجذورها في أعماق الوجود اليهودي منذ تفتحت براعمه الأولى في صحراء سيناء. ويكرس هذا الواقع الحالي للطائفة الذي ما برحت تخفت وتتواري خلف ستائر التاريخ.
وقام كل من المهندس المعماري اليهودي موريس يوسف قطاوي والفنان النمساوي ادوارد ماتسيك بتصميم بناء المعبد الجديد، ومزج قطاوي في تصميمه بين فنون التصميم الفرعوني والعثماني، وذلك لإعطاء بعد تاريخي لوجود اليهود في مصر القديمة وقصة موسى عليه السلام وبني إسرائيل مع فرعون مصر، لذا جاءت الواجهة الضخمة للمعبد مزيجا فنيا من أشجار اللوتس الفرعونية وأشجار النخيل ونجمة داود السداسية.
وفي الساحة الأمامية للمعبد تنتصب لوحتان رخاميتان مدون عليهما أكثر من مائة أسم لأثرياء اليهود الشرقيين الذين ساهموا بالتبرع لبناء شاعاري شمايم، وكان أبرزهم بالطبع رئيس الطائفة اليهودية في مصر آنذاك موسى قطاوي إضافة إلى العائلات اليهودية البارزة آنذاك مثل عائلات موصيري وسوارس وهراري وشيكوريل ودي منشه ورولو وزاكس وغيرهم. ومبنى المعبد مربع الشكل ومصمم من طابقين تبلغ مساحته حوالي ألف متر مربع. وفي الطابق السفلي قاعة الصلاة الرئيسية وفي منتصفها المنضدة والهيكل المقدس، وفي الجزء الغربي من القاعة الرئيسية توجد منصة رخامية بيضاء، وبجوارها سلم رخامي يفضي إلى صندوق التوراة المغطى بالقطيفة الخضراء ومطرز في وسطها بخيوط فضية شمعدان بسبعة أعمدة «المنوراه»، وفي داخل الصندوق توجد عدة كتب تاريخية لنسخ من التوراة مزينة بنقوش ملونة. وفي الطابق العلوي يوجد مصلى النساء وهو بمساحة الطابق الأسفل، واستغرق بناء المعبد خمس سنوات حتى تم افتتاحه في احتفالية كبيرة شارك فيها النخبة اليهودية وكبار أثرياء الطائفة في عام1907

القاهرة: أيمن حامد - الشرق الأوسط

No comments: