Tuesday, September 04, 2007

مئوية جامعة القاهرة بين احتفالية لإصلاح الجامعة وأخري لتجميل النظام

تحتفل جامعة القاهرة العريقة بالمئوية الأولي لإنشاء الجامعة المصرية الأم،
وهي فكرة ممتازة أحيي عليها د. علي عبد الرحمن رئيس الجامعة. تمر الآن مائة عام علي إنشاء الجامعة الأهلية التي كان أصحاب الفضل في إنشائها علي مبارك ومصطفي كامل وسعد زغلول، برعاية خاصة من الأمير أحمد فؤاد والتي ساهم المصريون جميعًا بأموالهم وجهودهم في إنشائها.
وفي عام ١٩٢٥ انضمت الجامعة الأهلية إلي المدارس العليا وأنشئت كلية العلوم وسميت جامعة فؤاد الأول. وكان الفضل الأكبر في التمويل للأميرة فاطمة بنت الخديو إسماعيل التي تبرعت بأرض الجامعة بالكامل، بالإضافة إلي بيع مصاغها بالكامل لتمويل إنشاء الجامعة.
وكان المحرك لهذا التطور هو عدلي يكن، وكان كبار السياسيين والجامعيين يعرفون جيدًا معني الجامعة، فانتقد سعد زغلول خطبة أحمد زكي بك في حفل افتتاح الجامعة عندما أحس أنه بالغ في الحديث عن مجد الإسلام فقال إن الجامعة لا دين لها إلا العلم.
وقال لطفي السيد إن التعليم الجامعي أساسه حرية التفكير والنقد واستقلال الرأي. وقال علي مصطفي مشرفة إن الجامعة ليست مدرسة لتخريج الفنيين والمهنيين وإنما هي مكان لإحياء الروح العلمية والبحث العلمي، وقال طه حسين إنه لا ينبغي أن ننتظر تعليمًا صحيحًا منتجًا من جامعة لا يتمتع رجالها بالحرية والاستقلال.
والحقيقة أن الجامعة المصرية مرت بثلاث مراحل خلال هذا القرن،
الأولي: منذ إنشائها وحتي ثورة يوليو، وباستثناء فترات بسيطة في عهد إسماعيل صدقي، كانت الجامعة تتمتع باستقلالية كبيرة وحرية أكاديمية، وأبلغ الأمثلة علي ذلك هو استقالة لطفي السيد في ٩ مارس ١٩٣٢ احتجاجًا علي نقل طه حسين خارج الجامعة وعودتهما بعد ذلك إلي منصبيهما، وتغيير القانون لمنع الوزير من حق نقل عضو هيئة التدريس، وهو اليوم الذي اتخذته مجموعة استقلال الجامعة «٩ مارس» شعارًا لها.
وهذه الفترة هي التي تم فيها بناء المجتمع المصري الجديد بأفكار الأساتذة ونوعية الخريجين، وهي الفترة التي قدمت فيها مصر مستوي بحث علمي متقدم بالنسبة لحالة دولة في ظروفها.
والمرحلة الثانية: هي المرحلة الناصرية والتي فقدت فيها الجامعة الاستقلال والحرية ولكنها لم تفقد الأكاديمية واستمرت الجامعة محتفظة بكيان علمي وبحثي معقول.
والفترة الثالثة التي بدأت في عهد السادات وترسخت أقدامها في عصر مبارك: هي فترة الانهيار التام للجامعة المصرية، وفيها فقدت الجامعة الاستقلال تمامًا وأصبح الأمن هو الذي يعين الأكاديميين ويوافق علي اشتراكهم في مؤتمرات علمية، وانهار المستوي العام للأساتذة كجزء من انهيار وتفكك الدولة، وانتهي البحث العلمي تمامًا وأصبح يقوم به قليل من العلماء في بؤر صغيرة يحاولون قدر استطاعتهم. ومن أبلغ الأمثلة علي انتهاء البحث العلمي أن وزير التعليم نسي أن يذكره في مشروعه لتطوير قانون الجامعات.
والآن، ماذا نحن فاعلون بالمئوية؟ هل لنتذكر أيام لطفي السيد تحت رعاية الأمن ووزراء التعليم السابقين والحاليين، والذين همهم الأول هو التزلف للسلطة للبقاء في مناصبهم أو الصعود السياسي؟ ليكون لهذه الاحتفالية جدوي لابد أن يشارك فيها الجميع، لا العمداء والأساتذة الموالون للسلطة الذين يتطلعون فقط للحصول علي مناصب سياسية.
ولابد أن يكون دور القيادة السياسية هامشيا، وكذلك دور وزير التعليم، لأنه لا قيمة لاحتفال أكاديمي دون الأكاديميين الحقيقيين الأحرار، ولنفكر معًا كيف يمكن أن نحقق استقلال الجامعة وتنشيط البحث العلمي وتطور التعليم الجامعي بعيدًا عن أوامر عليا أو توجيهات أجنبية بعضها مفيد والكثير منها ضار.
ولا ننسي أننا نربي أجيالاً من الطلبة يجب أن يكون لديهم الحرية في التفكير والاعتراض، وأن يخرج الطالب من الجامعة ويكون قادرًا علي تطوير المجتمع بدلاً من الطالب المذعور من الأمن ومن الأساتذة ومن الحياة نفسها الآن
بقلم د.محمد أبو الغار ٣/٩/٢٠٠٧
المصرى اليوم

No comments: