لا شك أن أي صراع قادم في منطقة الشرق الأوسط، ستكون إيران اللاعب الأساسي فيه، خاصة بعد الإجهاز على بنية الدولة العراقية وجيشها
.إيران دولة شاسعة وغنية بالبترول وصاحبة عقيدة ومشروع، وإستراتيجية واضحة. إلا أنها مُطوّقة بالخصوم والأعداء من كل الجهات.
الدول العربية، الفاقدة لاستراتيجية مشتركة وموحّدة، وحتى المنفردة، سوف لن تحظى بأي دور رئيسي مُقرِر، في حال نشوب أي صراع مُحتمل.لن تجد اليوم، بين زعماء العرب جميعاً، أثنين يثقان ببعضهما، بل هم دائبوا التآمر كُلٌ على الآخر. الجامعة العربية، مُجرّد بناء، وطابعة تصدر البيانات المُعدّة مُسبقاً، والتي لا يُنفّذ منها شيء. بيد أن المعروف أن الجهاز الوحيد في الجامعة العربية الذي يجتمع بانتظام، ويصدر القرارات ويلتزم بتنفيذها، هو الجهاز التابع لوزارات الداخلية العرب، الذي يتبادلون من خلاله المعلومات الاستخبارية عن المعارضين السياسيين لدى كلٍ منهم للنظر بكيفية مكافحتهم. وما اجتماعات القمم الأُخرى، سوى إيهام الشعوب العربية أن التنسيق جارٍ فيما بينهم، وهو محضُ خداع. دولٌ ضعيفة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً وثقافياً، وفاقدة الشرعية الشعبية، بعضها ملكي استبدادي والآخر "جمهوري" استبدادي وراثي
.الإستراتيجية الأولى للأنظمة العربية ودون مبالغة، هي البقاء في الحكم أو توريثه.باختصار شديد، أنظمة قوية، ودول ضعيفة هزيلة، لا تمتلك أصلاً مقومات الدولة الحديثة، فأجهزة الأمن والمخابرات تُمسِك بتلابيب الدولة من بابها لمحرابها. فالسلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية والإعلامية بيد الرئيس وحاشيته الفاسدة. وإستراتيجيتهم الأولى المحافظة على النظام واستمرار يته. هذا سيجعلها جميعاً مُجرد دولٍ تابعة ومُرتهنة لمصالحها الخاصة، ومؤتمِرة بالتوجيهات الأمريكية كونها الضامن الحامي لها
.إذن، تحت وطأة تلك الأوضاع التي تحدثنا عنها، تُصبح إيران المُقرر الاستراتيجي الوحيد، خاصة وأن إيران، قياداتها وآيات الله فيها، تتملكهم شهوة إعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية الزائلة منذ أربعة عشر قرناً. غير أن الولايات المتحدة، المُصرّة على أن يكون القرن الحادي والعشرون قرناً أمريكياً بامتياز، سوف لن تسمح لإيران باستعادة حلمها. والتاريخ لن يعيد نفسه بهذه السذاجة .الولايات المتحدة التي خاضت عبر نصف قرن بعيد انقضاء الحرب العالمية الثانية، حرباً باردة مع العملاق السوفياتي ، تخللها عدد من الحروب الساخنة على عدة جبهات، وأدّت في النهاية إلى انهيار الاتحاد السوفياتي وتفككه، وإزالة معظم مناطق نفوذه في العالم لصالح عدّوه اللدود أمريكا الإمبريالية.
من السذاجة بمكان التفكير بعد ذلك، أن الولايات المتحدة سوف ترضخ أو تقبل هيمنةَ تفرش بساطها وسجّادها العجمي قرب آبار ومنابع الذهب الأسود، وأن تقطف ثمار الحروب الباردة والساخنة التي خاضتها أمريكا على مدى النصف قرن. ومن غير المُستغرب أن تلجأ الإدارة الأمريكية، إلى ضربة نووية تكتيكية، تُدّمر من خلالها المفاعلات النووية الإيرانية، ومواقعها العسكرية الإستراتيجية الأخرى، إضافة لمراكز القيادة فيها، بحيث تشل قدرتها على الرد. من هنا، تعمل الإدارة الأمريكية، على إنهاء الملف النووي الكوري تفاوضياً،وإيهام الدول العربية بالسلام مع إسرائيل من خلال ما يطرحه بوش، حول مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط، يكون بمثابة عربوناً لأجرٍ مؤجل؟، وذلك للتفرّغ تماماً لإيران.إيران، التي تعلم تماماً، أن أحداً لا يريدها دولة نووية، لا من جيرانها ولا حتى روسيا أو أوروبا. فالجميع متوجسٌ من تطور قدرات إيران النووية،المنقادة بأيديولوجية دينية خطيرة.عقيدة إيران الشيعية تجعلها فزّاعة مُرعبة لمحيطها السني، الذي لن يتوانى في حالة الحسم عن مساعدة "الشيطان الأكبر" أمريكا، للتخلُّص منها. وسوف لن تفيدها حركات وأحزاب شيعية متناثرة هنا وهناك كحزب الله وسواه، وهم في مُطلق الأحوال لا يشكلون مخزوناً استراتيجياً هاماً لإيران في هكذا صراع، سوى المحاولة بالقيام بأعمالٍ " إرهابية " ضد المصالح الأمريكية ، لن تُغيّر من النتائج الإستراتيجية للحرب في حال وقوعها. أما النظام السوري، كعادته سيُتقِن لعبة الرقص على حافة الهاوية، بما يخدم مصالحه واستمرار يته ؛ من هنا فلا تعويل عليه بمساندة إيران، وهو ببساطة غير قادر
.المنطقة العربية، وأولها لبنان،كما تُشير الأحداث، سيذهب مُجرد فرق حساب، كما يعبِّر اللبنانيون، في حالة اندلاع الحرب، لما يشكله حزب الله فيه من عقيدة يتشاطرها مع آيات الله في إيران. وسيكون بمثابة اللغم الأقوى- الذي زرعته إيران-، والذي سينفجر بوجه لبنان واللبنانيين ويؤدي إلى تدميره أكثر من أي وقت مضى، وسيكون الانتقام الإسرائيلي هذه المرة أشدّ وأفتك. وستغدو المنطقة العربية برُمتها مُجرد ساحة، لتصفية الحسابات القديمة والجديدة، قد تحمل في طياتها تقسيمات ودويلات جديدة مُحتملَة. قد يعلم القادة الإيرانيون وآيات الله فيها، أنه في حال تعرضها لضربة تدميرية، سوف لن يُذرف عليها أحد دمعة واحدة. فهل تمتلك إيران لمواجهة مصيرها علم وذكاء ودهاء الفرس القدماء "الزرداشتيون"؟ أم أنها مُصرّة على أن المواجهة المحتومة القادمة، هي التهيئة الحقيقية لظهور المهدي المُنتظر؟!
في مُطلق الأحوال، العرب اليوم، لا يمتلكون أي سيطرة حقيقية لا على المكان ولا الزمان، فما عليهم سوى الانتظار ومراقبة عقارب الساعة الإيرانية، وضبط مواقيتهم عليها
وهيب أيوب- الجولان المحتل
No comments:
Post a Comment