في بداية مقالاتي الجدية.. كنت أحب أن ابدأ بموضوع شغل بالى كثيرا..
و هو عن العلمانية و الديمقراطية بين ادعاءات كاذبة بالانتساب إلى أي من هما..
فيدعى اليمين الدكتاتوري العسكريون و الأسر الحاكمة التي تحكم الوطن العربي بسلاح و القمع و بأوامر القوة الأمريكية إنها تنفذ أجندة ديمقراطية في الشرق الأوسط و على الجانب الأخر مع اليسار الدكتاتوري الإسلاميون الذين اتخذوا الدين الإسلامي ستار لهم للوصول إلى الحكم أيضا بادعاء الديمقراطية.
الديمقراطية بعيدة تماما عن ادعاء الاثنين.. فالديمقراطية تتناقض تماما مع طلبات الإسلامييين من دولة دينية والتفكير الديني الطائفي و مبدأ تكفيري و إرهاب فكرى..
و أيضا بعيدة عن الممارسة السياسية التي تمارسها الحكومات العربية و الأسر الحاكمة ضد شعوبها
و اكبر مثال على ذلك الدائرتين المغلقة في الحياة السياسية المصرية بين اليمين الدكتاتوري الحزب الوطني الديمقراطي و اليسار الدكتاتوري جماعة الأخوان المسلمين المحظورة.. فكليهما يدعي الديمقراطية و كليهما بعيدين تماما عن الديمقراطية..
فلا ديمقراطية صحيحة إلا بإطلاق الحريات و إقامة دولة مدنية علمانية يكون المواطنين فيها سواء أمام جميع الحقوق و الواجبات فبعد أطلاق الحريات العامة و إقامة دولة مدنية يبدأ بعد ذلك تنفيذ الأجندة الديمقراطية و لكن إذا جاءت الديمقراطية بدون تلك الأشياء سوف تصبح ديمقراطية مشوهه ليس لها معنى إلا أنها وجه أخر للدكتاتورية عن طريق اختيار الشعب للدكتاتور العادل في الفكر اليميني الدكتاتوري آو اختيار الشعب لأفضل مؤمن و أكثرهم صلاة و إيمانا في الفكر الدكتاتوري اليساري..
فالديمقراطية ليست مجرد صندوق انتخابات يجرى الشعب ليضع به ورقة و ليست هي مجرد مبنى يعتليه قبة كبيرة تسمى المجلس النيابي أو مجلس الشعب ليكون به كراسي يقعد عليها أفراد و لكنها منظومة سياسية متكاملة تحتاج لكثير من التمهيدات الثقافية قبل أن نراها على ارض الواقع..
فمثلا إذا أخذنا العراق كمثال لتحقيق الديمقراطية بدون إقامة دولة علمانية ترى انه ليس هناك ديمقراطية أساسا لأن الديمقراطية ما هو ألا شأن علماني من الأساس لذلك نرى أن العراقي يذهب للانتخابات التي تسمى بالديمقراطية ليس ليختار مرشحه الذي عرف برنامجه الانتخابي و يؤمن بمذهبه الاقتصادي و السياسي و الإصلاحي و لكن يذهب السني ليختار السني و يذهب الشيعي ليختار الشيعي و يذهب المسيحي ليختار المسيحي و هكذا و عندما يختار السني المرشح السني يذهب ليختار أكثر السنيين تقية و أكثرهم صلاة و خشوع و في النهاية تسمى ديمقراطية..
فتلك كلها ليست ديمقراطية فأنها مجرد خداع و وهم فالديمقراطية الصحيحة تأتى عندما يذهب الفرد ليصوت لفرد في الانتخابات بعيدا تماما عن جنسه ودينه و لونه و أصله فمثلا يذهب المسلم ليختار المسيحي لأنه يرى انه هو الأفضل و الأصلح لهذا المنصب و يذهب المسيحي ليختار المسلم لأنه يرى انه هو الأصلح و الأفضل لهذا المنصب و من جهة أخرى ليذهب الفرد ليصوت في الانتخابات العامة النزيهة بكل حرية ليست بقوات أمن الدولة و القمع المسلح و التزوير و إلصاق التهم و إبعاد المعارضين السياسيين لتعبر في النهاية عن الأغلبية السياسية التي اختارها الشعب بكل حرية ليست تعبر عن الأقلية السياسية في فكر الحزب العسكري و ليست تعبر عن الأغلبية الدينية في الفكر الإسلامي الطائفي
.من جهة فرز اليمين الدكتاتوري الذي يمثل في الوطن العربي تلك الحكومات التي تتخذ من أمريكا مؤيد لها التي تمثل تلك الحكومات العسكرية و تلك الأسر الحاكمة تقوم بادعاء الديمقراطية و العلمانية لسببين:
السبب الأول: أنهم يدعون الديمقراطية لأنهم لا يمكن ألا يسيروا على النهج الديمقراطي الذي هو مطلب في المقام الأول أمريكي و في المقام الثاني مطلب شعبي -
السبب الثاني: أنهم يدعون العلمانية و يعدلون الدستور ببعض المواد العلمانية ليقوموا بإبعاد اليسار الدكتاتوري الذي يمثله الإسلاميون عن الحياة السياسية حتى يكون الملعب خالي من معارضيهم في الدكتاتورية.تلك هي اللعبة التي يلعبها العسكريون الذين يحكمون الوطن العربي فهم ليسوا ديمقراطيون و ليسوا علمانيون من الأساس و اكبر مثال عليهم مصر و الجزائر
.فالعلمانية و الديمقراطية غير موجودين في بلادنا أساسا حتى نقول أن تلك الحكومات علمانية أو ديمقراطية.. العلمانية و الديمقراطية شيء لم يوجد في بلادنا حتى الآن.
من جهة اليسار الدكتاتوري الذي يمثله القوة المتأسلمة تيار ينادى ويقول بأعلى صوته الإسلام هو الحل يقول بأعلى صوته ديني هو الحل و دينكم يا غير المسلمين ليس هو الحل و ديني هو من سوف يفرض عليكم و عليكم أتباع مظلته بالقوة و دينكم هو الذي عليه أن يكون فقط في دار عبادته و لكن ديني يجب أن ينفذ عليكم رغم إنكم لا تؤمنون به و رغم إنكم لا تؤمنون برسوله.
على الجهة الآخرة فهناك نوعين من الإسلاميين فهناك إسلاميين قبلوا باللعبة الديمقراطية استغلالا لها للوصول إلى السلطة و هناك آخرين لن يقبلوا باللعبة الديمقراطية لزعم منهم إنها تنازل عن الإسلام و تنازل عن ثوابته و تتعارض مع الشريعة و اتخذوا طريق الجهاد المسلح ضد الحكومات العربية و ضد الشعوب الإسلامية قبل الحكومات الغربية و الشعوب الغربية.
بالنسبة للإسلاميين الذين يدعون الديمقراطية التي تعبر عن فهم الديمقراطية من خلال الأغلبية الدينية و ليست الأغلبية السياسية القائمة على نظام حزبي مدني يقوم على أساس فكرى سياسي و اقتصادي ليس على أساس فكر ديني أو أي فكر أخر طائفي يعبر عن أشياء عقائدية أو أشياء عنصرية يولد بها الفرد.. فأي ديمقراطية يدعون؟
فهل هي نفسها الديمقراطية التي أوصلت حماس إلى السلطة و بعد وصولها إلى ما كانت ترغب فيه انقلبت على تلك الديمقراطية و شرعيتها.
و من جهة أخرى ينتابني بعض الدهشة كلما أرى فرد من جماعة الأخوان المسلمين المحظورة التي تمثل تلك الحركات التي تنازلت عن ثوابتها للقبول بالديمقراطية يظهر على شاشة التلفزيون الذي اخترعه الغرب العلماني أو بكتابة مقال على ورق صدره لنا الغرب العلماني يقول إننا لا نطالب بإقامة دولة دينية و لكننا نطالب بإقامة دولة مدنية
و كأننا لا نعرف أن الدولة المدنية التي يتكلم عليها هي نفسها دولة المواطنة.. فكيف المواطنة و هو يصنف البشر على حسب دينهم كمسلم و مسيحيو كأننا لا نعرف أن الدولة المدنية التي يتكلم عنها هي نفسها الدولة التي يفصل فيها الدين عن الدولة كشأن علماني بتنفيذ قواعد تلك المواطنة.
إنهم يطالبون بالدولة المدنية لأنهم خجلون من المجتمع الدولي و من المثقفين من قول مقولة الدولة الدينية لما ينتاب هذا المصطلح من عيوب شديدة و خجل شديد..
فكيف يطالبون إذا بإقامة دولة إسلامية من جهة و من جهة آخرة يعتبرون ذكرها نكرة لا يجب الاعتراف بها في الحديث رغم قولها في حديث أخر؟
من جهة أخرى لا يمكن لهم في نهاية أن يقولون أننا نطالب بدولة علمانية لأن دولة علمانية تعنى عدم وجود لهم مكان في الساحة السياسية بذلك يهدم مشروعهم في الوصول إلى الحكم بكسب الأرض الدينية لذلك يذهبون إلى قول مصطلح في غاية الدعابة فيقولون دولة مدنية ذو مرجعية إسلامية فإلي إي مدى هذا التناقض و إلى أي مدى هذا الخداع أم أنها مجرد كلمة يتغنون بها و لا يعرفون معناها و قواعدها و محدداتها و كأنهم يقولون نريد دولة ليس لها دين محدد بمرجعية دين محدد.
من جهة الإسلاميين الذين رفضوا استغلال الديمقراطية و قبلوا بالمدفع و الرشاش مبدأ لحل مشاكلهم.. فهم يعترفون بكل صراحة أنهم ليسوا يؤمنون بالنظام الديمقراطي من جهة أخرى يعبرون عن الوجه الحقيقي للإسلام السياسي من قتل و سفك دماء باسم الدين و الإرهاب باسم الدين.. و الغريب في جماعة الأخوان أنهم لا يختلفون كثيرا عن تلك الجماعات فعندما أسس حسن البنا جماعة الأخوان المسلمين كان هدفها الرئيسي الجهاد في المقام الأول و هدف أخر للقيام بثورة و كان لا يؤمن ولا بالديمقراطية ولا بأي شيء يجيء من الغرب
.ففي نهاية فرز القوة المتأسلمة نرى أنها مجرد قوة ديكتاتورية أخرى تفرض رأيها ليس السياسي فقط بل رأيها الديني على العقائد الأخرى لتنفيذه فتقوم بتطبيق نظرة حكم الدين و لكن ليس حكم مباشر بين رجال الدين و الدولة و لكن عن طريق وسيط يأخذ الدين عن رجال الدين ثم يحكم به الدولة و أنها كلها جماعات جهادية و لكن منها من ادعى فقط الديمقراطية لكي يصل للحكم في بلد تتمتع فيه السياسة ببعض القواعد الديمقراطية و من ثم الوصول إلى رغبتهم في إرجاع أوهام الماضي المتحضر و الحلم بالعصر الذي انتهى من قرنين فيرجعونا بأوهامهم للخلف بدلا من التقدم خطوة للإمام للإلحاق بالغرب المتقدم.
و في هذا الصدد رأيت بعض الراديكاليون الإسلاميون يتهمون العلمانية بأصولية و بالاستئصال و في هذا الصدد أقول أن كل فكر به الأصولي ليس فقط الإسلامية و لكنها أيضا العلمانية و كمثال لتركيا فهناك بها قوى علمانية أصولية عسكرية لا تختلف كثيرا عن الحكم العسكري في بلادنا تسمى الأتاتوركية و هناك قوة ديمقراطية تمثل حزب العدالة و التنمية و هو حزب سياسي هام في تاريخ تركيا السياسي فلو كنت تركي لكنت صوت لحزب العدالة و التنمية فحزب العدالة و التنمية حزب علماني اقر العلمانية و النظام العلماني و لكن من ناحية أخرى فمعركته هي كما يفصل الدين عن السياسة يجب فصل السياسة أيضا عن الدين و احترام الدين و تعاليمه كما هي.. و لأن الشعب التركي شعب ناضج لن يسمع لقول الأحزاب الاتاتوركية بأن حزب العدالة التنمية يريد أسلمة تركيا فهو شعب يرضى بالعلمانية و الديمقراطية و من ناحية أخرى لا يرضى بالفساد السياسي بذلك فاز حزب العدالة و التنمية الذي يعبر عن نظام علماني ديمقراطي يقر القيم الدينية و يحبذها.
فهل سوف ينضج الشعب العربي و يعرف انه بين قوتين دكتاتورتين تنقسم إلى واحدة عسكرية و أخرى إسلامية.. هل سوف نرى في السنوات القادمة تطبيقا للنظام الديمقراطي أم سوف يكون الانتقال في بلادنا بين الدكتاتورتين واحدة باسم الفساد و الأخرى باسم الدين
.. هل سوف نصبح أمة ديمقراطية دولتها دولة علمانية كحل لإطلاق الحريات و من ثم التقدم و التنمية و حرية الفكر من ثم العلم و الأدب و النهضة الحقيقية.
أم سوف يظل الشعب يختار ما بين الدكتاتور العادل و أكثر المسلمين إيمان بالله
1 comment:
شكرا جزيلا لوضعك مقالى فى مدونتك
Post a Comment