ترافقت في الأيام الأخيرة مؤشرات قلق وقلقلة طغت على السطح السياسي والإعلامي في سورية ومحيطها ,فمن تصريحات الرئيس الإيراني نجاد حول سخونة الصيف وحصاد الإنتصارات, تبعها تصريحات نائب الرئيس السوري فاروق الشرع التي كانت أوضح تعبير عن توكل النظام السوري على حلفه مع إيران إلى النهاية وحزم أمره وعدته وعتاده في هذا الإتجاه , لحقها خطاب حسن نصر الله في الذكرى الأولى لحرب تموز 2006 , رغم ضبطها وانضباطها في الستراتيجية السورية الإيرانية لكنها كشفت بعض أبعاد الأحداث في المرحلة القادمة , ومع صراحة الكلمات لازالت كرة النار المبهمة الهوية... تحصد الأرواح في العراق وفلسطين ولبنان ,وتتدحرج بمسارات مدروسة ومهووسة تحركها القوى الإقليمية الفاعلة التي تتعامل مع الأحداث بدموية مخيفة وبإصرار على لعب المباراة غير الأخلاقية إلى النهاية, يشجعها على ذلك حالة الفلتان الرهيبة التي تتلاعب بالمنطقة , والفوضى السياسية والأمنية وغياب المقاربات الستراتيجية العملية لإحتواء التدهور المستمر في المنطقة , والأمور تتطور بشكل دراماتيكي لارجعة عنه بين أطراف صراع تحكمها سياسة هزيمة الآخر والقضاء عليه ,يظنها البعض فوضى قد خرجت عن إطار سيطرة كل الأطراف ....ترى من وراء هذا الإخراج الشبحي الدموي وإلى أين تسير الأمور , وماهو مستقبل سورية الذي يدفعها النظام برعونة إليه ؟!
.ليس من السهل معرفة اتجاه الفوضى ومحطتها النهائية بقدر ماهو معروف ضحاياها من شعوب المنطقة على اختلافهم , فهم في حصادها سواء , لكن في أحاديث المعنيين بعض المؤشرات والنيات على تغذية الصراع ليأخذ مسار كسر العظم بين القوى التي تتصارع مباشرةً أو بالنيابة , بعناوينها الواضحة أو الشبحية المخفية , وتصريحات المعنيين في الصراع تعكس بعض حركة الأحداث في المنطقة وتتراوح كلها حول التصعيد ثم التصعيد ثم التصعيد , واستمرار الموت والدمار والتطرف الذي يراهن عليه كل الأطراف , فحسن نصرالله يقول بوضوح أن سياسة الحرب مع إسرائيل هي برنامجه الأساسي ويعد إسرائيل بمفاجآت كبرى عسكرية إذا مااشتعلت الحرب...!
وهو كلام واضح الدلالة ويعني فيما يعنيه أن الخيار العسكري هو سيد الموقف , وتلك هي المنهجية القديمة الثابتة في موقف الحلف السوري الإيراني ,الجديد فيه هو انتقاله من الصمت إلى حالة العلن ,ومن موقف الدفاع إلى حالة الهجوم وربما الإستفزازي الذي يهدد بالمفاجآت التي تغير مجرى الصراع العربي الإسرائيلي والمنطقة بشكل عام !.
يبدو أن الحلف السوري الايراني ضمن ضعف حدة الموقف الدولي منه والمحاولات العديدة التي تصب في سياق تفعيل الحوار مع النظام السوري ومايعكسه من مؤشر ضعف دولي واضح التقطه النظام السوري بسرعة وكان عاملاً إلى دفعه إلى التخلي عن استراتيجيته السابقة في التزام موقف العزلة والصمت والدفاع ،وبدأ ينتقل بشكل تدريجي متسارع الى استراتيجية الهجوم الاعلامي ،لتعبئة الرأي العام حوله وللضغط على القوى الإقليمية العربية والدولية وفي مقدمتها أمريكا ووضعها في صورة أن الحلف السوري الإيراني في نهاية المطاف هو القوة التي يعول عليها في رسم سياسة المنطقة في الحرب والسلم وبالتالي التسليم لها والتعامل معها على هذا الأساس ,عبر عن ذلك الانتقاد شديد اللهجة وغير المسبوق الذي شنه فاروق الشرع نائب الرئيس السوري علي كل من السعودية ومصر ودول الإعتدال العربي , وهذا شيء جديد في السياسة السورية يحمل في طياته تفسيرات واضحة وهي أن النظام السوري قد تخلى كلياً عن علاقاته العربية واصطف نهائياً مع الستراتيجية الإيرانية النووية المذهبية التي تعرض عضلاتها على الساحة العربية بفجور وغياب الستراتيجية العربية الناجعة بالتعامل معها.وأكثر من ذلك تعرض سلاحها ومساعدتها السخية التي تجاوزت في حدودها ماكانت تقدمه الدول العربية وخاصة ً دول الخليج والسعودية بما هو رسم خوة إلى النظام السوري للخلاص من شره وشروره على الساحة العربية , ومع تخلي النظام السوري عن علاقته العربية التقليدية منذ مجيء بشار أسد للسلطة , حيث بدأت هذه العلاقة بالفتور والضمور والخروج إلى طور القطيعة مع العالم العربي , وعلى وقع الأحداث في العراق ولبنان وفلسطين تباعدت أكثر وتفككت علاقات التعاون بين النظام السوري وكل من مصر والسعودية وبقية الدول العربية بناءً على المعطيات الجديدة في العراق وفلسطين ولبنان , وراح النظام السوري يوسع علاقاته مع إيران فاتحاً أبواب سورية ولبنان وفلسطين والعراق لها لتتدخل أمنياً ومذهبياً كما تريد ,ورويداً رويداً أخذ بالإبتعاد عن الدول العربية وكانت قمة التعبير عن ذلك هو وصف بشار أسد لزعماء مصر والسعودية والأردن "بأنصاف الرجال" وكأنه يريد أن يطوي تلك الصفحة ويبرر لفتح صفحة إيرانية جديدة , ورغم حالات المد والجزر والصمت والنقد المبطن استمرت العلاقات بالتدهور وصولاً إلى تصريحات نائب الرئيس السوري فاروق الشرع الذي شن هجوماً شديداً على مصر والسعودية بقوله " إن الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز والرئيس المصري حسني مبارك لم يجرآ على عقد قمة ثلاثية مع الرئيس السوري في الرياض خوفاً من أمريكا.." ,فماالذي دفع فاروق الشرع للكشف عن بعض المخبوء في سياسة النظام السوري في هذه الظروف ؟!
.فالمعروف أن السياسة السعودية حاولت منذ مجيء بشار أسد إلى السلطة الحفاظ على علاقاتها التقليدية مع سورية ,وصبرت بمضض على سياسة الفوضى الداخلية والعربية والخارجية التي يسير عليها النظام وبقدر من الإحتواء يفرضه واقع المنطقة العربية والتشتت والصراعات الدموية الخطيرة التي تعصف بها , وعبرت عن حرصها على وحدة العمل العربي والإسلامي عبر سياسة عقلانية واقعية على قاعدة الحفاظ على الإستقلال الوطني في القرار والتعامل المسؤول مع المتغيرات ،قابله النظام السوري بموقف ملتبس وعشوائي من كافة قضايا المنطقة وخاصة ً في لبنان والعراق وفلسطين ,حيث يلعب النظام السوري مدفوعاً بمصالحه الذاتية الضيقة ودعم إيران الظاهر والمخفي الدور التفتيتي الذي يخدم بالمحصلة القوى الخارجية التي تسعى جاهدةً لتكسير ثوابت المنطقة ودفعها باتجاه الصراعات الداخلية والغوص فيها لتستنزف طاقات الشعوب وتحاصر إرادتها وتحصرها في صراعات داخلية بالضد من مصالحها واستقرارها واستقلالها , وإعاقة كل أشكال العمل العربي المشترك وإجهاض المبادرة العربية للسلام الذي عبر عنه انسحاب ممثل النظام السوري من وزراء الخارجية العرب الأخير في مصر.هل وصل النظام السوري إلى قناعة كاملة أن العنب كله يكمن في السلة الإيرانية ولم يعد في السلة العربية والسعودية خاصةً غير الحصرم ؟!.
...بعض الإجابة الواضحة جاءت في حديث نائب الرئيس السوري فاروق الشرع ,وبعضها الآخر جاء على لسان الرئيس الإيراني وعبر عنها عملياً وميدانياً السيد حسن نصر الله بخطابه القوي والمعد جيداً من حيث المحتوى والتزامن مع خطاب النظام السوري غير المسبوق في انتقاده للسعودية ومصر وأمريكا ومؤتمر السلام المقبل والهرولة العربية إليه دون تبصر! والتحول في لهجة الاعلام السوري....كلها تؤشر الي بداية حرب إعلامية عالية اللهجة والعيار ...وعليه هل قرر النظام السوري حرق كل مراكبه العربية والتربع في البارجة الإيرانية ؟! وهل قرر المواجهة والنزول إلى الشارع وتجاوز الدبلوماسية المعهودة ؟ وهل مايجري في العراق وفلسطين ولبنان من صراعات دموية ليس مصدرها مجهولاً بل هو أنظمة المنطقة والنظام السوري أولها هو بداية التفجير الكبير الذي يصر عليه النظام السوري الإيراني ؟! وهل ترجع المنطقة لإدارة النظام السوري الذي حكمها بالعنف والقمع والتصفيات لعقود ,وتتجدد الولاية له ليسرح ويمرح على أشلاء البشر والتخريب في النسيج العربي السياسي والأهلي؟! وهل وصلت سياسة عدم الحسم من قبل الأنظمة العربية المعتدلة والمجتمع الدولي إلى نهاياتها " الشلل التام في المواجهة ".؟!.ا
لخلاصة : إن مايجري في المنطقة من خراب وقتل ودمار هو من صنع أهل البيت بنسبة كبيرة , والنظام السوري هو أول المعنيين بما يجري من أحداث وأكثر من ذلك استفاد من ضعف الأطراف الإقليمية والدولية في مواجهة ذلك وعدم قدرتها على الحسم السريع وإيقاف حالة الفوضى الدموية التي تلف المنطقة , والأخطر من ذلك هو تحالفه مع إيران التي فتحت له خزانتها بسخاء وفتح لها سورية ولبنان وفلسطين والعراق على الغارب بغباء , واستفادت من الوضع العربي المنهار وتسللت إلى نسجيه السياسي والإجتماعي والمذهبي , شجعها على ذلك دور حزب الله العسكري والسياسي والمذهبي , وبراعة النظام السوري الأمنية وخبرته الطويلة في هذا المجال , فأنعش التطرف والتنظيمات التي لاتحمل من هدف سوى الموت والدمار وتثبيت حالة " إما أنا أو الفوضى " ( ومايجريي في نهر البارد مثالاُ) وراحت هذه التنظيمات بحكم الدعم المادي واللوجستي تنمو بسرعة وتنقسم ذاتياً بشكل سرطاني مخيف , وبكل أسف أصبحت لها امتداداتها الأفقية في ساحة المنطقة العربية بحكم الإحباط واليأس والقمع والفقر , وشكل لها النظام السوري حاضنة أساسية للنمو والإستمرار..
.يبقى المخرج مرتبط بموقف الدول العربية من النظام السوري الذي يمشي بوحي إيراني خالص ويتصرف على مبدأ على أعدائي فقط ...فهل سيستمر الشلل والصمت وسياسة تبادل الإتهامات ...وتبويس اللحى ؟! أم يصار على وجه السرعة بمسؤولية وعقلانية وجرأة بالتمسك بآخر ماتبقى للمنطقة من بعض ثوابت ومصالح ...بقول الحقائق واتخاذ المواقف العملية المطلوبة الممكنة وإيقاف النظام السوري عن استمراره باللعب الخطير في استقرار المنطقة ...والخروج من حالة المشاركة مع النظام السوري في إدارة اللعبة
...حان الوقت من مصر والسعودية والدول العربية باتخاذ موقف جريء بنزع فتيل البارود قبل فوات الأوان
الحوار المتمدن - العدد: 2012 - 2007 / 8 / 19
No comments:
Post a Comment