Friday, August 31, 2007

إنقسام أخلاقي» ينافس «الطبقي» في مصر ... قاهرة «المنتجعات» في العاصمة المصرية تستقطب الأثرياء وتستنسخ الحياة الأوروبية

الحياة هنا تشبه الحياة في المدن البريطانية والفرنسية الصغيرة»، «انسحبت من القاهرة، بل من مصر كلها، وعادت إليَّ صحتي وعافيتي»، «هي صورة مصغرة لنوعية الحياة التي كنت أعيشها في أميركا قبل عودتي إلى مصر».
آراء لأفراد يتحدثون عن حياة جديدة في مصر. في غير مصر التي نعرفها، ولكن في مصر ذاتها. القصة فعلاً معقدة، علماء الاجتماع والاقتصاد تحدثوا حتى وقت قريب عن وجود أكثر من مصر: مصر المناطق الراقية، مثل مصر الجديدة والزمالك والمهندسين، ومصر ذات المواصفات الشعبية مثل شبرا والمنيرة والظاهر، ومصر المعدومة التي ما زال سكانها يعيشون من دون خدمات أساسية من ماء وكهرباء وصرف صحي
لكن قبل سنوات قليلة، ظهرت مصر جديدة ومختلفة، تتبلور معالمها بوضوح هذه الآونة، إنها مصر المنتجعات السكانية.
فعلى مر عقود كان المصريون يعيشون في بيوت، علت قيمتها أو خفضت، عمارات أو فيلات أو حتى «عشش»، لكنها كانت تبنى في الشوارع العامة من دون أسوار أو أسيجة. وعلى رغم أن ظاهرة نمو المناطق الشعبية والفقيرة وأحياناً العشوائية حول المناطق الراقية، كما هو الحال في نمو حي «الكيت كات» الشعبي إلى جانب حي المهندسين، وتضخم حي «بولاق» بفقرائه ومشاكله بمحاذاة حي الزمالك، وولادة منطقة «الكيلو 4 ونصف» بعشوائيتها ومشاكل المخدرات والجرائم فيها على بعد أمتار من مصر الجديدة ومدينة نصر، كانت تؤرق سكان الأحياء الثرية، إلا أن أحداً لم يتصور أن ينزح سكان هذه الأحياء، مفضلين الاحتماء في منتجعات سكنية مغلقة، ذات أسوار عالية وشركات أمن متخصصة تمنع دخول الغرباء، ليكونوا بعيدين عن مصر الأولى الراقية، والثانية الشعبية، والثالثة العشوائية. منتجعات سكنية لا حصر لها في مدن «القاهرة الجديدة» و «الشروق» و «العبور» و «6 أكتوبر» و «الشيخ زايد» وغيرها من تلك المناطق التي بدأت مراحل نموها الأولى قبل ما يزيد على 15 سنة، لكن معالمها ظهرت وزاد الإقبال عليها، هرباً من القاهرة ومشاكلها المستمرة، الآخذة في التضخم خلال السنوات الأخيرة.
أعداد متزايدة من الأسر المصرية وحديثي الزواج من الشباب باتت تنزح إلى تلك المدن، وتحديداً إلى داخل المنتجعات المغلقة، حيث الحياة مختلفة شكلاً ومضموناً عن كل ما هو سائد خارج أسوارها. فيلات فاخرة تتوسط حدائقها مسابح كبيرة.
حتى العمارات السكنية المخصصة للأقل ثراءً، هي ذات ارتفاعات محددة وهندسة أنيقة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالطراز العام للمنتجع، أي إنها تقف على طرف نقيض من السائد داخل القاهرة من أساليب مــعمارية غير متناغمة وأبعد ما تكون عن التناسق في البناء والتصميم.
والمثير أن هذه المنتجعات باتت نقاط التمركز الجديدة للطبقات التي تتبوأ قمة الهرم الاجتماعي والاقتصادي في مصر، لكنها في الوقت نفسه ليست متجانسة في مكوناتها. فهي تضم الأثرياء جداً ممن نزحوا نزوحاً جماعياً إلى هذه المنتجعات، فتجد أسماء كبار رجال الأعمال والمال والتجارة وقد استقروا في أحد هذه المنتجعات مع عائلاتهم في مجموعة متلاصقة من الفيلات والقصور، ويوجد أيضاً ما يسمى «العائدون من الخليج» وهي طبقة متفردة من المهنيين المصريين ممن أمضوا عقوداً طويلة من العمل في إحدى دول الخليج العربي، واختاروا السكن في أماكن أقرب إلى الأماكن التي كانوا يقطنون فيها في هذه الدول الغنية، وهناك كذلك ما يمكن تسميته عناصر «الطبقة المتوسطة الجديدة» ومعظمهم ممن يعملون في شركات أجنبية أو متعددة الجنسيات في مصر ويتقاضون رواتب مرتفعة تمكنهم من ارتقاء الهرم الاجتماعي من بوابة التقسيط، ما يفسر الانتشار الواسع في الإعلانات الصحافية والتلفزيونية عن التسهيلات المصرفية لراغبي اقتناء فيلا أو قصر، إذ باستطاعة الأفراد تقسيط ما يرغبون به على 30 سنة.
لا تقتصر العناصر التحفيزية وعوامل الجذب، على التسهيلات المصرفية والقروض المصرفية فقط، ولكنها تعزف على كل الأوتار التي تؤرق أبناء الطبقتين العليا والمتوسطة في معاناتهم المتفاقمة في القاهرة. ولعل أبرز مثال على ذلك أحد هذه الإعلانات الذي يلخص أوجاع هاتين الطبقتين في ما يلي: «نفسك في شوية خصوصية؟ نفسك في ركنة عربية؟ نفسك تبعد عن التلوث؟ نفسك في نادٍ قريب من بيتك؟ إذاً عليك بالانتقال فوراً إلى (اسم المنتجع)».
وتمثل هذه المنتجعات حلاً سحرياً في ظاهره ومسكناً موقتاً في باطنه لمشاكل الطبقات المقتدرة وتقلص قدرتها على التعايش مع أبناء بقية الطبقات وتحمل سخافاتها على حد قول الدكتور ماهر عزمي أحد قاطني منتجعات مدينة الشروق.
ويضيف: «الموضوع ليس طبقياً بقدر ما هو أخلاقي، فعلى رغم أنني كنت أسكن في أحد أرقى شوارع أحياء مصر الجديدة، إلا أنني وجدت نفسي في مواجهة يومية مع سائقي المــيكروبــاص الذين يــقودون سيــاراتهم بغباء، ومع الجيران الذين غرسوا أعمدة حديد في الأرض ليضمنوا مــكاناً لإيــقاف سياراتهم، ومع البواب الذي يــتحكم في المصعد وكأنه ملك له، والقائمة طويلة لا تنتهي، لذا وضعت الجانب الأكبر من استثماراتي في فيلا في «مدينة الشروق» التي لم تصبها بعد علل القاهرة ولم تفتح أبوابها لهذه الطبقات الطفيلية العشوائية التي أصابت المدن المصرية في المقتل، لا سيما أن المسؤولين تركوهم يرتعون من دون حساب، إن القاهرة الآن هي مرتع للعشوائيين الجدد».
ما قاله الدكتور عزمي هو تحديداً ما يقلق الباحث في علم الاجتماع السيد طارق حليم الذي يحذر من أن هذا «التفسخ» في المجتمع والفصل التام بين الطبقات يعجل بحدوث ثورة اجتماعية، إن لم تكن على أرض الواقع ففي نفوس المواطنين، فقد جرت العادة أن تكون هناك أحياء للفقراء وأخرى للأغنياء وثالثة للأثرياء، وعلى حدودها مناطق وسط تمتزج فيها الطبقات وتتعارف، لكن هذا الفصل التام والمــقصود يــرســل رسائــل واضــحة وصريــحة من الأثرياء إلى الفقراء توضح مشاعر التعالي والرغبة في الانفصال التام لأسباب طبقية بحتة ترتكز بشكل أساسي على عوامل مادية.
من جهة أخرى، يسعى سكان تلك المنتجعات إلى استنساخ الحياة في أوروبا وأميركا من دون توفر العوامل المهيئة لذلك مما يجعلها استنساخاً موقتاً وغير طبيعي».
وسواء كانت مخاوف السيد حليم في محلها، وشــكاوى الــدكتور عزمي مبررة، ومشاكل القاهرة الكبرى متفاقمة أو لا، فإن ذلك كله لا يــغير من حــقيقة الوضع شيئاً. منتجعات المدن الجديدة المحيطة بالقاهرة تشهد انتعاشاً وقبولاً منقطع النظير يعلن عن قرب ظهور «قاهرة المنتجعات» على خريطة مصر
القاهرة - أمينة خيري الحياة
31/8/2007

No comments: