تعددت التفسيرات والتبريرات لأزمة مياه الشرب التى اكتشفنا – فجأة – ان مئات القرى وملايين المصريين يعانون منها.لكن أغرب هذه التبريرات هو ذلك التفسير المدهش لمحافظ الدقهلية أحد سعيد صوان
.فوفقاً لرواية الزميل محمد طاهر مراسل جريدة "الوفد" فى المنصورة فإن المحافظ قال خلال لقائه مع مندوبى أربعين قرية تعانى من انقطاع المياه فى المحافظة أن سبب مشكلة المياه هو زيادة الاستهلاك نتيجة قيام المواطنين بالاستحمام أكثر من مرة بدلاً من مرة واحدة فى اليوم
!ووصف "صوان" مشكلة انقطاع المياه فى المحافظة بأنها مشكلة "بسيطة" ومبالغ فيها .. و
جاءت تصريحات المحافظ رداً على شكوى مندوبى هذه القرى من أن بيوتهم لم تدخلها المياه النقية منذ أسابيع، كما أن "الحنفيات" لم تسقط منها نقطة مياه منذ سنوات
أظن أن محافظ الدقهلية يستحق "براءة اختراع" لهذا التفسير المبتكر لسبب أزمة المياه، الذى يعزوها إلى إفراط الفلاحين فى الاستحمام.
وبمفهوم المخالفة فان هذا يعنى أن أزمة المياه ستنتهى إذا توقف الفلاحون عن الاستحمام.وفى الحقيقة فإن مثل هذه التبريرات لا تبعث على الضحك فقط وإنما تبعث على الغيظ وتؤدى إلى ارتفاع ضغط الدم والسكر أيضاً.فنحن إزاء ازمة خطيرة، تتعلق بأحد ضروريات الحياة، وأحد حقوق الإنسان الأساسية، ألا وهى مياه الشرب. وهذه الأزمة لا تخص حفنة من الأفراد، أو المئات، أو الآلاف فقط، بل يعانى منها ملايين المصريين فى الريف والحضر،
وحتى فى القاهرة ذاتها.أزمة بمثل هذه الخطورة تتطلب بحثاً جدياً عن جذورها، وأسبابها البعيدة والقريبة، كما تتطلب محاسبة فورية وعلنية للمسئولين عن تفاقمها، ولكل من قام بالادلاء بتصريحات كاذبة مخالفة للواقع.أزمة بمثل هذه الخطورة تتطلب من السادة المحافظين والمسئولين عن المحليات أن يتقدموا باعتذار للمصريين الذين أصابهم العطش واضطروا إلى حمل "الجراكن" والسير لمسافة أميال بحثاً عن قطرة ماء، او اضطر بعضهم الآخر للشرب من مياه الترع غير النقية.لكن بدلاً من أن يعتذر هؤلاء المسئولين عن إهمالهم، فى مسألة بالغة الأهمية لا يصح التقصير فيها لأنها تمس حياة الناس مباشرة، بدلاً من ذلك نجد هذا التبسيط المخل، وتلك الاستهانة الغريبة، فضلاً عن تسطيح القضية بصورة تبعدنا عن التشخيص الدقيق لها ومن ثم تبعدنا عن وضع روشتة صحيحة للعلاج.ومما يزيد من قتامة الصورة أن التهوين من شأن أزمة المياه ليس وقفاً على محافظ الدقهلية وتبريره المبتكر الخاص بالاستحمام، وإنما يكاد هذا التهوين أن يكون قاسماً مشتركاً أعظم بين كل المحافظين والمسئولين المحليين الذين اندلعت فى محافظاتهم "ثورة العطش"
.فقد رأينا محافظاً يقبع فى مكتبه ولا يغادره رغم أن أهالى محافظته خرجوا فى مظاهرات عارمة احتجاجاً على حرمانهم من مياه الشرب النقية.وكان تبريره لهذا الموقف أعجب من العجب، حيث قال أنه إذا خرج من مكتبه وذهب إلى المتظاهرين فإنهم يمكن أن يطلبوا حضور رئيس الوزراء .وأكثر من ذلك فإنه تهرب من مناقشة الموضوع الذى يهم الناس الذين فاض بهم الكيل، آلا وهو نقص مياه الشرب النقية، قائلاً أن كل ما يحدث مجرد "مؤامرة" يحرك خيوطها أشخاص يناهضون سياسات سيادته!ورأينا أيضاً محافظاً آخر يوجه الاتهامات إلى إعلامى مرموق تجاسر ونقل إليه شكاوى مواطنى محافظته، حيث شاهد العالم كله سيادة المحافظ يتهم زميلنا جمال عنايت بأنه يتبنى وجهات نظر "الأعداء"، وهم بكل تأكيد أعداء وهميين لأن أهالى المحافظة التى يجثم سيادة المحافظ على أنفاسها قد نفد صبرهم الطويل واعتصموا تنفيساً عن غضبهم من هذا الإهمال المصحوب بالاستهتار والاستعلاء البيروقراطى غير المبرر!وليست هذه المواقف، التى تنطوى على الاستهانة بالمصريين وحقوقهم المشروعة، مقتصرة على المسئولين المحليين والمحافظين، وإنما نجدها أيضاً لدى وزراء، مثل أحمد المغربى وزير الاسكان – والمسئول مسئولية مباشرة عن توفير مياه الشرب لكل المصريين – فإذا به يقول لنا بكل بساطة أن هذه مسألة "عادية" وتحدث فى أحسن الدول، بل أنه بشرنا بأن مشهد المصرى الذى يحمل "حله" بحثا عن ماء نقى سيستمر عام 2017 بل حتى عام 2057.هذه التبريرات البيروقراطية لا تقل خطورة عن أزمة مياه الشرب نفسها، وينطبق عليها المثل العربى القائل بأنها "العذر الذى هو أقبح من الذنب".وقد آن الآوان لأن يعرف هؤلاء أن تصريحاتهم لم تعد تقنع طفلاً صغيراً، بل إنها أصبحت مادة خصبة للتندر والسخرية فى مجالس المصريين الخاصة والعامة.
لكن المؤكد أن "نظرية" محافظة الدقهلية، عن الحمام والاستحمام .. تكسب المركز الأول بلا منازع
No comments:
Post a Comment