Thursday, July 05, 2007

مصر الآن تفوح منها نفس رائحة عام ٥٠ في الفساد والكذب والنفاق

البروفيسور «روجر أوين» المؤرخ البريطاني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط ، والمدير الأسبق لمركز دراسات الشرق الأوسط وبرنامج الدراسات العربية الحديثة بجامعة هارفارد الأمريكية، يبدي اهتماماً كبيراً بمصر، فهي في حياته تنال موقعاً متميزاً،
حيث كانت أولي محطاته في دراسات الشرق الأوسط عام ١٩٥٦، ومن ثم تكررت زياراته وتعددت كتاباته عنها، التي وصف نظامها بالسلطوي وحكومتها بالأمنية، ومعارضتها بغير الديمقراطية.
وفي حواره الشامل عن مصر مع «المصري اليوم» أكد أوين أن مصر تنظم انتخابات لكن دون وجود خيارات ، موضحاً أن التفسير الوحيد لعدم تعيين الرئيس مبارك نائباً له حتي اليوم هو أنه يسعي لخلافة ابنه له، خاصة أن الشعب المصري لم يكون رأياً بعد في هذه القضية.
أوين تحدث في حواره عن الإخوان المسلمين و«كفاية» والفساد وقضايا أخري في سطور هذا الحوار.

تزامناً مع انتخابات مجلس الشوري الأخيرة، أعتقد أنه من المناسب أن نبدأ بالحديث عن نظام الانتخابات والأحزاب في مصر؟
- أعتقد أنه من المُسلي رؤية الجميع يحاولون الركوب في عربة سيرك الحزب الحاكم، فتري مرشحين من الحزب الوطني يتنافسان علي الدائرة نفسها، وأعتقد أن هذا المشهد يشرح كل شيء، فمع وضع النظام السياسي المصري الحالي في الاعتبار، وحقيقة أنه لا يوجد أي مؤشر يدعو إلي الاعتقاد بأن الحزب الوطني لن يستمر كحزب حاكم لمدة طويلة جداً، فإنه من الطبيعي أن يحاول أي شخص طموح التحالف مع هذا الحزب.
وبالنسبة لانتخابات مجلس الشوري الأخيرة، فما حدث هو استحواذ الحزب الحاكم علي مجلس الشوري، وتسييس شديد للمجلس الذي كان يمثل توازناً سياسياً لمجلس الشعب، وعلي الرغم من سيادة حزب بعينه علي المجلسين، فإنهما لايزالان يمثلان منبراً لأشخاص قلائل، فعلي الأقل يمكنك «إصدار ضجيج» وانتقاد الحكومة واتهامها بالفساد.

إذن فأنت لا تعتقد أن المعارضة تؤدي عملاً جيداً في هذه اللحظة؟
- لا، أنا أعتقد أن أفراداً بعينهم يقومون بعمل رائع، ولا أعتقد أنهم في حاجة إلي حزب، قد يحتاجون بالطبع إلي حزب حتي يتمكنوا من ترشيح أنفسهم لأن النظام كما نعرف يسير في اتجاه واحد، مما يلزمك بامتلاك حزب لتتمكن من الترشح، ولكن يوجد أشخاص أصحاب آراء قوية قادرون علي توصيل أصواتهم في مجلس الشعب بطريقة أو بأخري.
ومن الصعب للغاية وجود معارضة متواصلة أو شعبية في هذا الوقت، لأن تظاهراتكم ستهاجم من قبل الشرطة، ومن الواضح أيضاً أن الغالبية العظمي من المصريين غير مهتمين بالأحزاب السياسية أو المعارضة، لذا فأنا لا أعرف حقيقة ما كان يمكنني فعله إذا كنت أحد أعضاء المعارضة.
يجب علي المعارضة أن تتسم بأكبر قدر من الديمقراطية، فحزب مثل حزب الوفد جعل من نفسه مجالاً للسخرية بعد الشجارات التي دارت بين أعضائه، وبالتالي لا يمكنك القول: إن الوفد مؤسسة ديمقراطية، فأعضاؤه لم تسنح لهم فرصة انتخاب قائدهم، وأنا في الحقيقة لا أعتقد أنهم قادرون علي الانتخاب، ما أعنيه هو أنه يوجد دستور لحزب الوفد، ولكن هذا الدستور لا يوضح كيفية اختيار رئيس للحزب.
وأجواء كهذه لا تساعد المعارضة، فأنت تهاجم الحكومة لأنها غير ديمقراطية وأنت نفسك غير ديمقراطي الأمر الذي لن يترك انطباعاً جيداً عند الشعب.
أما مشكلة حركة «كفاية» فهي أنها تشمل طيفاً هائلاً من آراء المعارضة، وبالتالي إذا حاولوا الجلوس معاً للاتفاق علي ما يؤمنون به وما لا يؤمنون به ستجد العديد من الاختلافات في الرأي والاتجاهات.

لهذا صرحت في كتاباتك أنك لا تؤمن بوجود نظام حزبي في مصر؟
- بالطبع، أنا أسميها في كتابي «انتخابات دون اختيارات»، ففكرة وجود انتخابات فكرة مهمة، وفكرة أن تبدو أنك تملك اختيارات فكرة مهمة أيضاً، ووجودهما دائماً من مصلحة الحكومات، فمصر تعتمد بشكل كبير علي الولايات المتحدة، لذا تتظاهر بالديمقراطية، وعلي الرغم من أن «الحرب علي الإرهاب» اضطرت الحكومة للجوء إلي هذا التظاهر، فإن «الحرب علي الإرهاب» سوف تنتهي وسوف نعود إلي السيناريو نفسه.

في أحد كتبك استخدمت تعبير «برلمان ملاك الأراضي» لوصف البرلمان المصري قبيل الثورة، هل يمكنك أن تحدثنا عن هذا وما إذا كان يمكن استخدام هذا التعبير الآن؟
ـ هذا التعبير هو ما أساء لصورة الديمقراطية آخر أيام الملكية، فعندما انتهت الديمقراطية عام ١٩٥٢، لم يحزن سوي عدد قليل من الناس عليها لأنهم كانوا مقتنعين أن ما كان موجوداً لم يكن الديمقراطية، وبالطبع هي لم تكن ديمقراطية، علي الرغم من أنها أثبتت أنها كانت أحسن حالاً مما نحن عليه.

إذن هل تعتقد أننا يمكن أن نستخدم هذا التعبير الآن مع اختلاف أنهم ليسوا «ملاك الأراضي» وإنما ملاك صناعات وأعمال تجارية؟
ـ أعتقد ذلك، ولكني لا أعرف تعبيراً دقيقاً لوصفه، ففي الماضي عندما كان يعيش ٨٠% من السكان في الريف، كان من يتحكم في الأصوات هم ملاك الأراضي، الآن أنت لا تملك النوع نفسه من السلطة، فعلي الأقل توجد منافسة داخل الحزب الوطني الديمقراطي، فتجدهم ينفقون أموالاً طائلة وينافسون بعضهم البعض.
الديمقراطية الآن يتم التحكم فيها بطريقة مختلفة قليلاً عما كان يحدث مع ملاك الأراضي، فمصر لم تعد دولة ريفية، وحتي ما بقي من الريف المصري لا يعتبر ريفاً، فثلث سكان الريف فلاحون، أما الباقي فيعملون في وظائف بيروقراطية أو في الصناعات الصغيرة، المسألة تسير بطريقة مختلفة في الوقت الحالي.

ما رأيك في جماعة «الإخوان المسلمين»؟
ـ أعتقد أنهم الشيء الأكثر روعة كمؤسسة، لقد كان حسن البنا عبقرياً، الإخوان المسلمون نموذج، فأنت تريد نموذجاً محلياً، ولكن في الوقت نفسه تحت مظلة إيديولوجية عامة، وتعتمد بشكل واسع علي المبادرة المحلية وتحاول استقطاب كل مسجد وكل مدرسة في جميع أنحاء مصر بالتدريج، وبالتالي تصبح حركة جماهيرية، وبعد هذا تأتي المشاكل،
لأن الحكومة تريد الحصول علي أصوات كل مؤيديك وأنت لا تقدر علي تكوين حزب سياسي وتخطب بأن الإسلام في خطر، ويكون جزءاً من الاستجابة لهذا النداء هو توفير تعليم جيد وتأمين وظائف وخلق مكان يمكنك فيه عيش الحياة الدينية السليمة دون التأثر بالغرب، ولكن ماذا سيفعل الشباب الذين يرددون أن الإسلام في خطر، ويفكرون فيما يمكن فعله ولا يقدرون علي الانتظار إلي أن تعتنق كل مصر الإسلام.
إنك عندما تقرأ سيد قطب، تراه يقول لك إنه توجد خيارات وبعض هذه الخيارات تحولت إلي ما أطلق عليه «التكفير والهجرة».

وهل الخيارات الأخري معتدلة؟
ـ أعتقد أنك عندما تعظ بأن الإسلام في خطر يجب أن تكون غاية في التنظيم والسيطرة، ومن الصعب للغاية الحصول علي حركة شعبية وخيارات محلية والأئمة يتحدثون عن وجوب فعل شيء ما حيال هذا الخطر، فبعد فترة ستوجه كلامك للشباب علي وجه الخصوص وسيبدأون في التفكير بأن ما يمكنهم فعله هو شراء بعض الأسلحة وإطلاق النار علي بعض الأشخاص، والبعض سيتم القبض عليه ويتم الهجوم علي أقسام الشرطة، إذن فالأمر دائم التأرجح وسيكون هناك أشخاص لا يقدرون علي الانتظار فيسلكون طريقاً مختصرة.

إذن فأنت تعتقد أن التاريخ سيعيد نفسه، وسيعود «الإخوان المسلمون» إلي انتهاج العنف؟
ـ إلي حد ما، والأمر أصبح أسهل، فكل مجندي الجهاد بدأوا عندما بدأ الفكر السياسي للإخوان، فالتاريخ سيعيد نفسه حتي يتم تأهيل الحركة داخل النظام عن طريق حزب، يحصلون فيه علي ما يريدون عبر القوانين والقواعد المعتادة.

وهل «الإخوان المسلمون» قادرون علي هذا؟
ـ لقد تمكن الأردنيون من فعل هذا، فإذا ما دخلت الحكومة وأصبح عندك وزراء تبدأ في رعاية دائرتك وترتاد مجلس الشعب بالطريقة الطبيعية وتحاول الحصول علي خدمات لدائرتك وإقناع الحكومة بتوفيرها.

وهل تعتقد أن الحكومة ستستوعب «الإخوان المسلمين» في أي يوم من الأيام؟
- لا، أنا لا أري هذا، لأنها حكومة أمنية، تزداد أمنية أكثر وأكثر، وهي أيضاً حكومة شرطة مجنونة بالشك تريد التحكم في كل شيء.
* وما رأيك في المدرسة الغربية التي تدعو إلي الاستماع إلي الإخوان وإعطائهم فرصة؟
- سيكون هذا اتجاها أيضاً، فالإخوان المسلمون كثيرون للغاية ويصعب ترويض كل اتجهاتهم. الكل يعلم أنه إذا انتهت مشكلة فلسطين وخرج الأمريكيون من العراق، ولم يعد الأمر يبدو كأنه حربُ علي الإسلام، سيتحسن الوضع. ولكن في الوقت الحالي الذي يبدو فيه الإسلام في خطر، وأن هناك حرباً قائمة ضده يجب أن تجد مجموعة من الناس الذين يقولون «نعم هناك حرب ضد الإسلام وسنقف ضدها».

لقد قلت وبشكل مباشر في الطبعة الثالثة لكتابك «الدولة والسلطة والسياسة في صناعة الشرق الأوسط الحديث» إنك تعتقد وبشدة أن جمال مبارك ابن الرئيس حسني مبارك سيخلف والده وأن الرئيس كان يعمل جدياً في الفترة الأخيرة لضمان هذا.
- هذا هو تفسيري الوحيد لعدم تعيين مبارك نائباً له حتي هذه اللحظة، فأنت لا يمكنك تعيين نائب، لأن النائب الوحيد الذي يمكنه تعيينه هو ابنه، وهو ما لا يمكن أن يفعله، لذا فإذا أراد ابنه خلفاً له، فيجب القيام بهذا بطريقة غير اعتيادية، ويمكن للمرء أن يتخيل الظروف التي يمكن أن يحدث فيها هذا التمرير فعلي سبيل المثال: أن يموت الرئيس فجأة، ويتم إعلان حالة الطوارئ، لا أحد يعرف ماذا يحدث، مجلس الشعب والحزب الوطني الديمقراطي يجتمعان ويتم إبلاغ الشعب المصري بهوية رئيسهم الجديد. في الحقيقة هذا ما كنت سأفعله إذا كنت مبارك.
أعتقد أن الأمر يدعو إلي القلق علي أكثر من صعيد أولهم: هو مدي إمكانيات جمال مبارك وشعوره بأن المصريين بصورة أو بأخري لن يحبوا شيئاً مثل هذا، بالإضافة إلي فكرة أن هذا النظام هو وريث ثورة تخلصت من الملكية، فكيف يمكن إعادة الملكية مرة أخري.

وهل تعتقد أن الشعب المصري سيفعل أي شيء لمواجهة هذا الأمر؟
- إحساسي هو أن المصريين لم يكونوا رأيهم بعد، فالضغوط موجودة وحقيقة وجود قطط سمان تريد خليفة متوقعاً ليعرفوا من يتعلقون به موجودة أيضاً. عندما يحدث شيء مثل ١٩٥٢ تتعطل كل التحالفات ويصبح بناء تحالفات جديدة أمراً مكلفاً وطويلاً للغاية. فأنت لا تريد تشويش نظام التحالفات، بل تريد نقلها معك للشخص الجديد،
ومن ثم يمكن لك أن تعرف بالضبط إلي أين تتوجه، وماذا ستفعل وإلي من ستتحدث، والآن ومع ازدهار الاقتصاد المصري، يوجد الكثير من الأموال في كل مكان، لذا فلا أحد يريد التشويش وبالأخص عندما تكون مستثمراً وتملك خططاً كبيرة لاستثماراتك في الغاز الطبيعي مثلاً، فأنت تريد القدرة علي التنبؤ، وأعتقد أن في الأمور الطبيعية العقلاء يقولون: إن النظام الأمثل لضمان هذا النوع من الاستقرار هو النظام الديمقراطي.

إذن فأنت تعتقد أن الديمقراطية شرط مسبق للاستقرار..؟
- الديمقراطية في المدي القصير يمكن أن تكون مدمرة، فالتحول مما أنت عليه إلي الديمقراطية يعني المرور بمرحلة من الاضطراب فمثلاً لن تعرف أين تضع المؤسسات الدينية لذا فمن الواضح أن أشخاصاً أذكياء للغاية قرروا أن تجربة الديمقراطية في الوقت الحالي خطر للغاية، ويجب الانتظار حتي تستوفي كل الشروط الأولية مثل الاقتصاد وتعليم كل الناس، وفي رأيي هذا النوع من التفكير هو تفكير قصير المدي مثل السياسة.
منذ عصر عبدالناصر وهم يخطبون بإيمانهم بالديمقراطية ولكن الشعب غير مستعد بعد، يجب علينا ملء بطونهم أولاً، فنملأ بطونهم ونستمر في ملء بطونهم ولا شيء يحدث علي الإطلاق، وفي غضون هذا تنهار المؤسسة التعليمية ويصبح الناس أكثر جهلاً وفقراً.
في أغلب الوقت يمكنك القول إن الديمقراطية تأتي لوجود قوي في المجتمع غاية في التنظيم ويمكنهم التأكد من وجود الديمقراطية، وعادة ما يكون هؤلاء الناس هم أعضاء الطبقة المتوسطة القوية. وهذا قد يحدث في مصر في مرحلة ما: وجود طبقة متوسطة قوية ومتعلمة، تحمل مصالح اقتصادية محددة.
ما أحاول قوله هو أن الديمقراطية تأتي إما من خلال منح النظام لها أو مطالبة المجتمع بها. وبالطبع ليس من مصلحة النظام المصري منح الديمقراطية ومع الأسف المجتمع المصري ليس منظماً بالطريقة التي قد تسمح له بفرض ضغوط، وحدوث مثل هذا الأمر لا يبدو قريباً في مصر.
فالنظام كله قائم علي طريقة أننا نريد انتقالاً سلساً للسلطة وهذا يمكن الوصول إليه بطريقتنا إما باختيار ابن الرئيس في مصر أو ابن الملك في الأردن، أو بالطريقة المتبعة في الولايات المتحدة وبريطانيا وأنا أعتقد أنه النظام الذي أثبت نجاحه حتي الآن وهو التوازن من خلال نظام تبادل حزبين علي الحكم لأنه كلما زادت مدة حكم نظام الحزب المركزي زاد فساداً، فيصبح ملاذنا الوحيد لحماية الفقراء هو أن يكون هناك تغيير بين حزبين علي الأقل،
المشكلة هي أن كل الحكومات تملك الكثير من القوة من حيث التحكم في الموارد حتي إنه بعد مرور ٥ أو ١٠ سنوات علي حكمهم سيتم استخدام هذه الموارد علي نحو غير مرض. وفي حالات الحروب وإذا ما تمكنت من خلق حرب - وهو ما يحب «ديك تشيني» فعله - يكون عندك سبب أوجه لزج المواطنين في السجون والتنصت عليهم وإرساء مناقصات علي أصدقائك، وفي مصر بالطبع لا تحتاج حرباً حتي يحدث هذا فهي تملك قانون الطوارئ.

بما أننا تحدثنا عن قانون الطوارئ، فما رأيك في التعديلات الدستورية الأخيرة والتي سيتم فيها استبدال قانون الطوارئ بقانون للإرهاب؟
- هذا أمر يمكن تطبيقه في الوقت الحالي ونطلق عليه في العلوم السياسية «إعادة تنظيم»، بحيث تكون القوانين الجديدة أكثر صرامة، أعتقد أن هذا ما حدث بالتعديلات الدستورية الجديدة، فأنا أتخيل أنها ستكون أسوأ بكثير من المواد السابقة، يوجد غرض واتجاه لحدوث ذلك، لنقول إنك تنتقل من تحكم سلطوي للدولة في عصر عبدالناصر إلي تحكم سلطوي ورأسمالي ليبرالي في عصر مبارك، أنت هناك تحتاج إلي قوانين أكثر صرامة لتمنع العمال من التظاهر وما إلي ذلك، فالنظام السابق كنت تتمكن من السيطرة علي العمال من خلال التأكد من أن كل من في النقابات العمالية يتلقون أوامرهم من رئيس الجمهورية مباشرة.

وماذا عن الفساد؟
- لا أعتقد أن أحداً يفهمه، فمفهوم الفساد كبير وعام، ففي المفهوم الديني الفاسد يعني الآثم وهذا لا يعني بالضرورة أنه يجني الكثير من المال، أما في المفهوم الغربي الفساد هو الخروج عن القانون، لكن الفساد غير واضح في مصر، فإذا ذهبت إلي البنك علي سبيل المثال وطلبت قرضاً من البنك بحوالي خمسة ملايين جنيه بصفة أنك صديق للرئيس وأعطاك البنك المبلغ، فهل يعد هذا فساداً؟
من يعرف، ولكن أحسن وسيلة لوصفه هي «رأسمالية المحاسيب». ولكن الشيء الأكثر إثارة هو محاولة فهم كيفية عمل هذا النظام في تنظيم نفسه، فاسم اللعبة في مصر الاحتكار ويوجد في مصر متسع لحوالي ١٤٠٠ أو ١٥٠٠ احتكار مختلف ويجب علي المحتكرين التنسيق، لأنهم يعلمون أنه إذا بدأ الناس في الشكوي ورفع الأمر إلي مجلس الشعب ستبدأ المشاكل. لذا فتم الاتفاق علي آلية تبقي علي هذا النظام وهي أن الأمور تتم تسويتها بين الوزراء، ويوجد العديد من المحتكرين الأغبياء فعلي سبيل المثال تثبيت أسعار الحديد مع العلم بأهميته القصوي كان غاية في الغباء، لأنه أزعج الكثير من الناس،
وأدي بدوره لضياع فرصة هذا المحتكر (دون ذكر أسماء) ليكون رئيساً للوزراء، فكما نعلم كان هو أول من تقربوا إلي جمال مبارك وربط نفسه به. وفي حقيقة الأمر لا أحد يعرف إذا ما كان الارتباط بجمال مبارك فكرة جيدة، فالبعض بدأ مبكراً والسياسات والانحيازات دائماً ما تتغير ولا أحد يعرف قوانين هذه اللعبة. إن خطوة تثبيت سعر الحديد هذه كانت غاية في الغباء، لأنها أغضبت الكثير من رجال الأعمال الذين كانوا في حاجة إلي هذا الحديد ويعرفون أنه محتكر، لذا فهو عبر خطأ، والقصة الشيقة هي أن نعرف كيف أصلح أموره، لأنه مازال متواجداً.
تحدثت في مقالتك عن العروبة والقومية العربية وبدوت مؤيداً لفكرة العروبة؟!
- أنا أعتقد أنه يوجد شيء اسمه العروبة وأنه من مصلحة الدول العربية بشكل كبير أن يتعاونوا سوياً، فما يحدث في الوقت الحالي مجرد مناقشات ثنائية بين الرؤساء العرب وعجز الدول العربية التام عن تنظيم أنفسم بشكل معقول حتي علي المستوي الاقتصادي. ولكن العروبة لا تزال أملاً مفيداً فمثلاً، عند التفاوض مع الاتحاد الأوروبي ستضطر كل دولة للمناقشة علي حدة علي الرغم من وجود العديد من الأسباب للاتحاد، فإنه كلما بدأت المحاولات جعلتم من أنفسكم مصدراً للسخرية لأنكم لا تتفقون حتي علي الشأن الفلسطيني.

* علي الرغم من إيمانك بأهمية العروبة، فإنك تحدثت عن «تهديدات السلطة» بين الدول العربية وكيف أن مصر اعتادت الهيمنة علي هذه السلطة؟!
- أعتقد أن هذه الأيام قد ولت، الأيام التي يتصور فيها المصريون أنهم قادرون وحدهم علي قيادة العالم العربي لمجرد وجود جامعة الدول العربية في القاهرة وقيادة عمرو موسي لها، أعتقد أننا يمكننا رؤية المسألة الآن كنوع من التحالف ومحور هذا التحالف في الوقت الراهن يبدو المحور الطبيعي لمصر والمملكة العربية السعودية، فإذا أردت إعادة إحياء عملية السلام مع إسرائيل أو التوصل لسياسة خارجية مشتركة تجاه العراق، فإنه يجب البدء من هذا التحالف، يجب علي الدولتين الأكبر من حيث القوة والإمكانيات الدبلوماسية، وبالطبع بالإضافة إلي أموال السعودية الطائلة، أن تتحدا وتحاولا العمل علي سياسة خارجية مشتركة.

* ما الاختلافات التي لمستها بين الحكام المصريين، لقد أبديت اهتماماً كبيراً بعصر محمد علي وكرست كتاباً كاملاً للورد كرومر والاثنان أجانب، لماذا الاهتمام بحكام مصر الأجانب أكثر من المصريين؟
-لم يسألني أحد هذا السؤال من قبل، أعتقد أن المصلحين في مصر لم يكونوا كثراً، فعندنا محمد علي وهو لم يكن مصرياً علي الإطلاق، فهو حتي لم يتحدث العربية ولكنه وظف مصريين و هذا هو الأمر المهم كما ألحق محمد علي المصريين بالجيش وأرسلهم في بعثات إلي إنجلترا وفرنسا، وبعد هذا جاء إسماعيل وكان صاحب رؤية ثم لفترة طويلة لم يكن يوجد أحد فكان لكرومر نظرة مختلفة، ثم جاء الوفد ولكنه لم يستمر طويلاً، وكان أهم سياسي هو صدقي باشا ولكنه لم يكن ديمقراطياً بالإضافة إلي أنه كان في السلطة في الثلاثينيات عندما كانت مصر تعاني من مشاكل اقتصادية ضخمة، ثم لا شيء حتي جاء ناصر ومن بعده السادات والذي كانت أهميته في كونه مضاداً لعبدالناصر وبعد هذا لا أعلم.
إن مصر الآن تعود للخمسينيات، قبيل الثورة مباشرة، فمصر الآن تفوح منها الرائحة نفسها التي كانت تفوح منها في ١٩٥٠، أعني بذلك الفساد والنفاق وعدم قول السياسيين الحقيقة واتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء فيما عدا الانتخابات ففي أغلب الأمر كانت انتخابات ١٩٥٠ أكثر ديمقراطية من الآن.
أما بالنسبة لمبارك فلا ينبغي أن يحكم كل هذا الوقت، فأنا أعتقد أنه كلما زاد حكم مبارك، ازدادت الأمور سوءاً، إن من حظ مصر الجيد أن ناصر مات عام ١٩٧٠، وأن السادات اغتيل عام ١٩٨١، وهذا بالطبع لا يصح قوله علي الإطلاق، ولكن مع الوضع في الاعتبار حقيقة أنه لا يمكن التخلص من الحكام إلا من خلال موتهم صغاراً أو أن يقتلوا، وإلا كيف يمكن أن يأتي التغيير، إن القوة المطلقة تفسد كلياً وكلما طال بقاء النظام في السلطة كلما زادت فساداً، إن مشكلة مبارك هي أنه بصحة جيدة جداً.

إلي أين تتجه مصر؟
-أعتقد أنه يمكنك الشعور ببعض الطاقة المفرزة، أعتقد أن الرأسمالية عندها القدرة لإنتاج الطاقة، أعتقد أن مصر تتحرك من مرحلة الاحتكار إلي مرحلة المنافسة، وهذا يعتبر مساهمة الفريق القائم حالياً، وفي هذه المرحلة يجب علي مصر أن تكون قادرة علي المنافسة وفقاً للمعايير الدولية وليس من الممكن أن تتعامل بنظام السوق المحمية بعد الآن، أعتقد أنه يوجد رجال أعمال مثل ساويرس يفهمون هذا، ولكن غير المعروف هو تأثير التنوع الاقتصادي علي الشعب وما إذا كان سيكون في صالحه.
أتصور أن مصر أصبحت أكثر كفاءة كاقتصاد رأسمالي لوجود المنافسة وعندما يكون عندك اقتصاد رأسمالي، يجب أن تكون عندك سياسيات رأسمالية مناسبة يمكن تمثيل المصالح المختلفة من خلالها، إن مفاوضات هيكل مصر الجديد لم تنته بعد، ولكنها لاتحمل منطق الرأسمالية، هي لا تزال تسير بالمنطق الأمني.

يتحدث البعض عن «ثورة الجياع» ما رأيك في هذا؟
-لا.. هذا لن يحدث أبداً، لأن الجوعي ـ للأسف ـ منهكون، وغير قادرين علي الثورة، كل ما أتوقع حدوثه هو ضجة كبيرة مثل ما حدث عامي ٧٧ و٨٦، حتي ثورة الجياع عام ٧٧ تم احتواؤها في يوم واحد، كل الأسباب متوفرة لحدوث انفجار ولكن لن يحدث شيء يؤدي إلي أي شيء سوي ربما بعض التعديلات البسيطة
ناد ين قناوي ٣/٧/٢٠٠٧
المصرى اليوم

No comments: