Sunday, July 08, 2007

في معاني تجربة آلان جونستون

من الصعب أن لا تصيبنا مشاهد الفرح الغامر الذي اعترى مراسل شبكة بي بي سي آلان جونستون لدى إطلاق سراحه في غزة الأسبوع الماضي براحة غريبة.

إنها واحدة من الخواتم السعيدة النادرة لمحن مماثلة عاشها صحافيون كثر ممن عملوا ويعملون في منطقتنا المأزومة.
الفرحة بنجاة جونستون لم تكن خالصة، فهي بالتأكيد امتزجت بحزن حقيقي على مصائر مأساوية واجهت كثيرا من الصحافيين والمدنيين في بلادنا عانوا من الخطف والقتل والتعذيب ولم يتمكنوا من الاحتفاء بحريتهم والعودة إلى محبيهم وأصدقائهم.
سنحتاج إلى وقت طويل قبل أن نعرف (إذا عرفنا) لماذا خُطف جونستون ولماذا أطلق سراحه ومن هي الجهة الخاطفة فعلا ومن تمكن من إطلاق سراحه. لقد تردد أن فتوى أطلقها رجل دين أصولي ساهمت في إطلاق سراح جونستون، ولم تغفل المعلومات المتداولة أدواراً لدول إقليمية منها سورية في عملية الإفراج هذه.
إنها مأساة ملهاة أن يجري التلاعب بمصائر الناس وأرواحهم على هذا النحو.
مساكين هم الصحافيون والمدنيون الذين لم تشفع لهم «فتاوى» ولم تتنبه لآلامهم السياسات القومية الممانعة..
لنعد إلى جونستون..
الرجل الذي أمضى واحدة من أصعب المحن التي قد يمّر بها صحافي، بدا وديع الملامح وهادئ النظرات ولم تخنه عباراته فأتت متسلسلة واضحة يجدر التفكر فيها.
بدا المراسل البريطاني وبعد أربعة أشهر من الأسر والتهديد المتكرر بالقتل أكثر عمقاً وعباراته زاخرة بمعاني التجربة وخالية من أي انفعالات سوى فرحة العودة إلى الحياة..
لم يسعني وأنا استمع إلى كلمات جونستون وللخلاصات التي حاول أن يعبر عنها في مؤتمره الصحافي سوى أن أشعر ببالغ الاحترام والتقدير له. فالرجل لم يقع في فخ الانفعال في المواقف كردة فعل على محنته ، على عكس صحافيين كثر في بلادنا مروا بتجارب هي أقل قساوة من محنة جونستون لكن تجاربهم دفعتهم لأن يكونوا أكثر انفعالاً وتطرفاً من ممارسي العنف ضدهم.
في لبنان مثلاً، أسفرت الأزمة السياسية المستمرة منذ أكثر من سنتين عن مشاكل عدة تعرض لها صحافيون ومراسلون من قبل جماعات غاضبة كانت تترجم غضبها من طائفة أو من جهة سياسية بالتعرض لصحافي ينتمي إلى جهة طائفية أو سياسية مناوئة بالاعتداء والضرب. غالباً ما كانت ردّات فعل الصحافيين أسيرة الانفعال نفسه الذي جرف الجماعات المعتدية.
في تصريحاته ولقاءاته الصحافية بعد الإفراج عنه، بدا جونستون على قدر كبير من النضوج في تعابيره ولم يزلّ لسانه ولا مرة رغم تعبه الظاهر في توجيه أي عبارة انفعالية أو عدائية تجاه أحد، حتى تجاه خاطفيه.
ولعل غياب الانفعال أو انعدامه عن جونستون هو من سمات الاحتراف في مهنة تتطلب جهوداً لإقناع المتلقي بأننا قد نكون أحياناً ضحايا ولكننا أيضاً ناقلو حدثٍ محايدون

ديانا مقلد - الشرق الأوسط 8/7/2007

diana@ asharqalawsat.com

No comments: