عندما انسحبت القوات السورية قسرا من لبنان وتبعت ذلك تهديدات صدرت عن الرئيس الاسد بالذات وعن غيره من المسؤولين السوريين ضد قوى 14 آذار وضد حكومة الرئيس السنيورة بحيث بلغت حد العمل على زعزعة الاستقرار، ومحاولة اسقاط حكم الاكثرية، اخذ مسؤول سابق، وهو سياسي مخضرم، يكرر القول في مجالسه الخاصة: ان على الولايات المتحدة الاميركية ومن معها من دول الغرب والشرق ان يكسبوا النظام السوري ليجعلوه يغيِّر سلوكه حيال لبنان والعراق وفلسطين، او يكسروه والا فان هذه الدول لن تنعم بالاستقرار والهدوء.
وبما انه لم يتم كسب هذا النظام ولا كسره حتى الآن فان الدول الثلاث لم تنعم بالاستقرار ولا بالهدوء، وان زيارات مسؤولين عرباً واجانب لسوريا ولقائهم الرئيس الاسد وسواه من قادة النظام فيها، كانوا يعودون منها بالوعود وبانطباعات جيدة، لكن لم يكن يترجم منها شيء على ارض الواقع، بل كان يحصل العكس. وزيارات مسؤولين عراقيين لسوريا لم تتوصل الى وقف تسلل المسلحين عبر الحدود السورية الى العراق للقيام بأعمال العنف والتفجيرِ، ولم يستطع هؤلاء المسؤولون ان يردوا على سوريا بالمثل رغم التهديدات التي صدرت عنهم، ولم تتوصل زيارات وفود اميركية واوروبية وعربية وشخصيات رسمية لسوريا الى حمل النظام فيها على تغيير سلوكه حيال لبنان كي ينعم بالهدوء والاستقرار رغم انهم كانوا يسمعون من القادة السوريين الكلام المعسول والتطمينات وتكرار القول انهم حرصاء على امن لبنان حرصهم على امن سوريا وانهم يريدون ان يكون اللبنانيون على اتفاق ووفاق وانهم يؤيدون ما يتفقون عليه. الا ان سلوك سوريا يناقض ذلك فاستمر التدخل لمنع حصول اي اتفاق بين اللبنانيين. وعندما فوجئت سوريا باتفاقهم على طاولة الحوار واتخاذهم قرارات بالاجماع حول قضايا اساسية مهمة مثل المحكمة وتبادل التمثيل الديبلوماسي بين البلدين وترسيم الحدود لا سيما لمزارع شبعا وازالة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات جاء الرد السوري على هذه القرارات بعرقلة انشاء المحكمة ذات الطابع الدولي الى حد دفع الوزراء الشيعة الى الاستقالة واغلاق ابواب مجلس النواب ورفض الرئيس لحود توقيع المراسيم التي تصدر عن الحكومة بحجة انها غير شرعية لا بل غير موجودةِ. وعندما اقر مجلس الامن انشاء هذه المحكمة قالت انها لا تعترف بقرار انشائها وان لبنان سوف يتعرض لحرب اهلية وفتنة وكارثة نتيجة ذلك. وردد بعض حلفائها في لبنان هذا الكلام. اما تبادل التمثيل الديبلوماسي فقالت سوريا ان الظرف السياسي غير مناسب اذ كيف يمكن اقامة هذا التمثيل والعلاقات بين البلدين سيئة. وعن ترسيم الحدود طالبت بأن يبدأ من الشمال وليس من مزارع شبعا، لأن هذه المزارع واقعة تحت الاحتلال الاسرائيلي ولا يمكن فنيا ترسيم الحدود في ظل هذا الواقع، وكان الرد على ازالة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات بتحريك التنظيمات الفلسطينية الخاضعة لسوريا والتهديد بمواجهة قوات السلطة اللبنانية اذا ما اقدمت على ازالة سلاحها.وعندما بدأ الكلام على تشكيل حكومة وحدة وطنية طلبت سوريا من حلفائها في لبنان الاصرار على ان يكون لهم فيها "الثلث المعطل" كي يمسكوا بقرارات الحكومة بحيث لا يصدر منها ما لا يوافق عليه هذا الثلث، ولم تنفع مبادرات الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى ومساعيه وزياراته لدمشق لحلحلة عقدة "الثلث" كما لم تنفع المبادرات والمساعي السعودية وحتى الايرانية لأن سوريا تعتبر لبنان حقل صيد لها ترفض مشاركة احد فيه حتى ايران حليفتها... وظل حلفاء سوريا على موقفهم المتشدد بدعم من النظام السوري وذلك برفض المشاركة في اي حكومة ما لم يكن فيها "الثلث المعطل" وعندما اقترح الرئيس السنيورة 17 + 13 بحيث لا تستطيع الاكثرية الوزارية الاستئثار باتخاذ القرارات ولا الاقلية الوزارية تعطيل اتخاذها، طالب بعض حلفاء سوريا باعادة النظر في القرارات السابقة التي صدرت عن الحكومة بعد استقالة الوزراء الشيعة ومنها قرارات مهمة تتعلق بانشاء المحكمة ذات الطابع الدولي والقرار 1701 الذي من اهم بنوده نشر الجيش والقوات الدولية في المنطقة الواقعة جنوب الليطاني بحيث تصبح الحدود مع اسرائيل هادئة على غرار ما هي الجولان منذ توقيع اتفاق فك الاشتباك بين سوريا واسرائيل، اذ ان طلقة رصاص واحدة لم تطلق من الجولان في اتجاه اسرائيل خلافا للوضع الذي ساد على الحدود اللبنانية الجنوبية مع اسرائيل. وقد برر اللواء بهجت سليمان في مقال له ذلك بالقول: "لو كان اطلاق طلقة واحدة او مليون طلقة يحرر الجولان، ولو كان اطلاق النار في اتجاه اسرائيل يحرر الجولان، لما ترددت سوريا لحظة واحدة. ان اصحاب التساؤلات عن ذلك انما هي محاولات خبيثة لزج سوريا في حرب تقليدية مختلة موازين القوى من اجل دفعها الى هزيمة لا تقوم لها قائمة بعدها. اما التساؤل الخبيث الآخر عن عدم وجود مقاومة لتحرير الجولان... فبالتأكيد عندما لا تستعاد الحقوق الوطنية كاملة، سوف يفرض الشعب مقاومته الوطنية".هذا الكلام معناه ان لبنان هو وحده الساحة المفتوحة والصالحة لمواجهة اسرائيل، وان المقاومة تصح في الجنوب اللبناني ولا تصح في الجولان لأن الشعب السوري هو الذي يقرر ذلك عندما لا تستعاد الحقوق الوطنية كاملة... اما متى تستعاد هذه الحقوق، فالله اعلم..
.ان لبنان يواجه مشكلة حدود غير مضبوطة مع سوريا نتيجة تدفق الاسلحة والعناصر المشبوهة عبرها. ففكر في نشر مراقبين على هذه الحدود لوقف ذلك، لكن سوريا رفضت وهددت باقفال حدودها مع لبنان. وهو موقف مستغرب. فهي من جهة تدعي ان لا اسلحة يتم تهريبها الى لبنان عبر حدودها ولا عناصر مشبوهة ومن جهة اخرى ترفض ان يصير التأكد من ذلك من خلال المراقبين. وعندما استمر تدفق الاسلحة على لبنان واندلعت احداث مخيم نهر البارد بعد تفجيرات عين علق، تأكدت الحكومة من اعترافات الموقوفين ان بعض الجهات السورية متورطة في هذه الاحداث وانها وراء ارسال الاسلحة وتسلل عناصر تخريبية الى لبنان، لجأت الحكومة الى الجامعة العربية لعرض هذا الواقع المعزز بالوثائق والاعترافات، وها ان الوفد العربي الذي يزور لبنان يحاول معالجة الازمة السياسية فيه علها تكون الوسيلة الفضلى والناجعة لوقف مسلسل التفجيرات والاغتيالات فيه والتوصل الى ضبط الحدود ان لم يكن باجراءات عملية، فبقرارات سياسية قبل ان تضطر الحكومة للجوء الى مجلس الامن اذا ما فشل مجلس الجامعة العربية في ذلك رغم الوقائع والوثائق والاعترافات التي تملكها الحكومة بحق جهات سورية.الى ذلك، فان اوساط سياسية لا تتوقع نجاح اي مسعى لحل الازمة المتفاقمة في لبنان ما لم يتم التفاهم مع النظام السوري وليس مع وكلائه في لبنان، لأن هذا النظام هو الذي يوعز الى حلفائه بما عليهم ان يفعلوا سواء بالاصرار على ان يكون لهم "الثلث المعطل" في اي حكومة يتم تشكيلها، او ان يتراجعوا عن هذا الطلب، وسواء بالاتفاق المسبق على برنامج هذه الحكومة وما يجب ان يتناول هذا الاتفاق او رفض البحث في هذا الاتفاق الا بعد تشكيل الحكومة كي يبقى فتيل تفجيرها في يد حلفائها.الواقع، ان النظام السوري هو الذي يقرر بواسطة حلفائه اذا كان ينبغي ان يكون الرد على عدم التوصل الى تشكيل حكومة وحدة وطنية، بتشكيل حكومة ثانية كما حصل في فلسطين المحتلة حتى وان خسر الشعب الفلسطيني قضيته نتيجة ذلك، وخسر لبنان كيانه والشعب اللبناني وحدته، او باستخدام ثلث عدد النواب الذي يملكه حلفاؤها لتعطيل نصاب جلسات الانتخابات الرئاسية المقبلة للحؤول دون انتخاب رئيس للجمهورية فيواجه لبنان عندئذ الفراغ الخطير المؤدي الى الفوضى العارمة.لكل هذه الاسباب وغيرها يرى المسؤول السابق والسياسي المخضرم ان يجري اي حوار مع النظام السوري حول الوضع في لبنان وليس مع وكلائه فيه لمعرفة ماذا يريد هذا النظام من لبنان وفي لبنان كي يبنى على الشيء مقتضاه، فاما يتم التوصل الى كسبه وجعله يغير سلوكه، واما يتقرر كسره، وهو غير مسموح به حتى الآن لأسباب شتى فيبقى لبنان عندئذ في وضع غير مستقر حتى بعد التوصل الى انتخاب رئيس مقبل للجمهورية، الا اذا كان هذا الرئيس تختاره سوريا ويكون هذا ما تريده من لبنان وفي لبنان
اميل خوري - النهار 21/6/2007
No comments:
Post a Comment