عكست انتخابات مجلس الشوري حجم الانهيار الذي أصاب العملية الانتخابية في مصر ، وفشل الحكومة في إجراء انتخابات تتسم بحد أدني من النزاهة والشفافية، خاصة بعد تخلصها من كل منافسيها السياسيين ، وأصبحت الانتخابات تدور بين مرشحي الحزب الوطني الرسميين في مواجهة أيضا مرشحين رسميين للحزب الوطني - وهذا أيضا من نوادر انتخابات الشوري - بجانب من يسمون بالمنشقين عن الحزب فقط أثناء الانتخابات، وأخيرا بعض كبار رجال الأعمال من «حبايب» الدولة والحزب الحاكم أيضا.
وربما تكون انتخابات باهتة من هذا النوع لا تتجاوز نسبة المشاركين فيها ٥% ولا يهتم بها معظم الناخبين ولا المراقبين، ولا يسمع عنها الناس، وتجري في دوائر شاسعة المساحة، تحتاج إلي عربات الدولة الفارهة و سيارات النقل الحكومية لتغطيتها، أو إمكانات وزارة مثل وزارة البترول " لحث" الناخبين علي الذهاب والتصويت للوزير في محافظة السويس ، وأخيرا هي انتخابات تجديد نصفي جرت علي ثلثي مقاعد مجلس الشوري الذي يعين الرئيس ثلثه، وبالتالي لا يوجد من الأصل أي مجال لوجود أي منافس حزبي وسياسي، قادر علي أن يخلخل معادلة الأغلبية المطلقة للحزب الحاكم.
وعلي خلاف انتخابات مجلس الشعب التي تقوم فيها أحزاب المعارضة والإخوان المسلمين، بتقديم مرشحين يغطون كل الدوائر، فإن انتخابات مجلس الشوري شهدت ترشح ١٩ مرشحا للإخوان بجانب ثلاثة مرشحين فقط لحزب التجمع، واتخذ حزب الوفد قراراً شجاعاً بالمقاطعة
وبالتالي لم تعرف انتخابات الشوري من الأصل أي تهديد نظري من مرشحي المعارضة للحزب الحاكم خاصة بعد حصار مرشحي الإخوان واعتقال ما يقرب من ١٠٠٠ من أعضاء الجماعة، وأصبحت الساحة خالية من أي منافسين، وهو الأمر الذي كان يجب أن يؤدي إلي انتخابات تتمتع بحد أدني من النزاهة، لأنها تدور بين مرشحي النظام والحكم.
والحقيقة أن الفشل الأكبر في هذه الانتخابات لا يكمن أساسا في استبعاد الإخوان المسلمين وغياب المعارضة، إنما هذا الفشل الكامل في إدارة معركة «حكومية» تدور بين أجنحة الحكم المختلفة، بحد أدني من النزاهة والكفاءة، بصورة عكست التدهور الهائل الذي أصاب مؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة،
فانهيار الجهاز الإداري للدولة الذي أشرف موظفوه البسطاء علي صناديق الاقتراع بعد تراجع الإشراف القضائي كان واضحا، واللجنة العليا للانتخابات لم تدخل لإيقاف التزوير العام الذي جري بين مرشحين حكوميين لا علاقة لهم بالمعارضة، واستمر دور «الحياد السلبي» لأجهزة الأمن ، واعتبرت أنه طالما غاب مرشحو الإخوان، فلا يوجد أي دافع قانوني أو أخلاقي لمواجهة التزوير والعنف والبلطجة، وهو الأمر الذي كشف حجم الانهيار في مؤسسات النظام قبل أن يكون في توجهاته السياسية.
والحقيقة أن انتخابات بلا معارضة كان يمكن أن تكون بروفة جيدة لإصلاح الحزب الوطني من داخله، فهناك كثير من تجارب التحول الديمقراطي بدأت بوضع قواعد ديمقراطية وشفافة للتنافس بين أجنحة النظام المختلفة، سمحت لها بعد ذلك أن تدمج قوي المعارضة داخل العملية السياسية، فتركيا تطورت عبر هذه التجربة، وكثير من بلدان أمريكا اللاتينية وآسيا تحولت نظمها نحو الديمقراطية عبر خلق قواعد للتنافس الديمقراطي بين أجنحة النظام المختلفة.
والحقيقة أن انتخابات مجلس الشوري كانت فرصة سهلة للحزب الحاكم لأن يضع قواعد ما لاختيار مرشحيه، ثم يضع ضوابط للتنافس بين هؤلاء المرشحين ومنافسيهم من أعضاء الحزب أيضا و «حبايبه»، ثم يحث قضاته وجهازه الإداري والأمني علي منع أي تجاوز يجري في داخل اللجان وخارجها،
ولكن ما حدث كان أمرا مؤسفا وكاشفا لحجم التدهور الذي أصاب هذه المؤسسات، فهناك دوائر شهدت عمليات تسويد كاملة للأصوات وأخري جهزت فيها الصناديق قبل أن تبدأ وثالثة حصل الوزير فيها علي ٢٥٠ ألف صوت لأن منافسه كان من الإخوان، وبعد أن اكتشف أنه ليس بحاجة لكل هذه الأصوات في انتخابات لا تتجاوز نسبة المشاركة فيها ٥% ، خفض العدد إلي ٥٣ ألفاً.
أما دائرة الباجور في المنوفية فبدت نموذجا لهذا الصراع الخفي الذي يجري وراء الكواليس بين أجنحة الحزب المختلفة علي أسس شخصية وغير شفافة، وأدت بأمين تنظيم الحزب الوطني إلي تأييد مرشح الحزب غير الرسمي، في مفارقة نادرة لا يمكن تخيلها في أي نظام سياسي آخر غير النظام المصري. أما في سوهاج فقد شهدت عمليات تزوير وتسويد جماعي للصناديق تحت تهديد السلاح واستخدمت البلطجة هذه المرة من أجل السيطرة علي اللجان، وقام مرشح الحزب الوطني الرسمي وغير الرسمي، بعدم الاعتماد علي الناخبين، إنما علي عضلات رجالهم وقدرتهم علي تسويد أكبر عدد من الأصوات،
أما مرشح الوطني في بندر ومركز سوهاج فقد حصل في هذه الانتخابات علي ٤٨ ألف صوت في مقابل ١١ ألف صوت سبق أن حصل عليها في الانتخابات السابقة التي شهدت إشرافاً قضائياً كاملاً، في دلالة علي حجم التزوير الذي شهدته الانتخابات الأخيرة.
من المؤكد أنه بقدر محدود من الخيال وبقدر معقول من الإرادة، كان يمكن أن تكون هذه الانتخابات خطوة في اتجاه إصلاح الأداء العام وليس بالضرورة إصلاح الخيارات السياسية، وكان يمكن أن يتعلم الشعب المصري بعض الممارسات الديمقراطية ولو في ظل نظام تعددي مقيد، فيشعر بأنه قادر علي أن يختار، ولو بين من رشحهم النظام، وأن هذا الاختيار لن يضيع وسط الصناديق الجاهزة، ورجال تسويد البطاقات الذين عملوا بهمة نحسدهم عليها، كما أنه سيفتح الباب أمام النظام لاكتساب شرعية جديدة وسط الناس تعيد الروح لشرعيته المحتضرة.
وفي كل نظمنا السياسية منذ دستور ١٩٢٣ وحتي الآن، كان هناك دائما قيمة أو رسالة أو دور ما يقدمه النظام لمواطنيه حتي لو كان النظام غير ديمقراطي، فعرف المصريون ذلك مع الوفد وعبد الناصر والسادات، والمدهش أنه كان يمكن أن نتقدم ولو بخطوات محدودة نحو الإصلاح والديمقراطية، خاصة أننا نعيش منذ ما يقرب من ثلاثين عاما في ظل معاهدة سلام مع إسرائيل، ولم نعرف حروبا أو تهديدات خارجية حقيقية طوال ما يزيد علي ربع قرن، وكنا نتوقع أن يتحسن الأداء العام للدولة ولأجهزتها الإدارية، وتتحسن الأوضاع الاقتصادية والسياسية،
ولكن ما حدث هو العكس فبقينا في أماكننا بما يعني - بعمر الزمن - أننا تراجعنا، وفشلت الحكومة في أن تدير انتخابات لن تقدم ولن تأخر لمجلس الشوري، وعجزت عن أن تعطينا ولو مرة الفرصة في أن نختار ولو من بين مرشحيها، في انتخابات حرة، ولكنها كالعادة لم تفعل..... ولن تفعل
وربما تكون انتخابات باهتة من هذا النوع لا تتجاوز نسبة المشاركين فيها ٥% ولا يهتم بها معظم الناخبين ولا المراقبين، ولا يسمع عنها الناس، وتجري في دوائر شاسعة المساحة، تحتاج إلي عربات الدولة الفارهة و سيارات النقل الحكومية لتغطيتها، أو إمكانات وزارة مثل وزارة البترول " لحث" الناخبين علي الذهاب والتصويت للوزير في محافظة السويس ، وأخيرا هي انتخابات تجديد نصفي جرت علي ثلثي مقاعد مجلس الشوري الذي يعين الرئيس ثلثه، وبالتالي لا يوجد من الأصل أي مجال لوجود أي منافس حزبي وسياسي، قادر علي أن يخلخل معادلة الأغلبية المطلقة للحزب الحاكم.
وعلي خلاف انتخابات مجلس الشعب التي تقوم فيها أحزاب المعارضة والإخوان المسلمين، بتقديم مرشحين يغطون كل الدوائر، فإن انتخابات مجلس الشوري شهدت ترشح ١٩ مرشحا للإخوان بجانب ثلاثة مرشحين فقط لحزب التجمع، واتخذ حزب الوفد قراراً شجاعاً بالمقاطعة
وبالتالي لم تعرف انتخابات الشوري من الأصل أي تهديد نظري من مرشحي المعارضة للحزب الحاكم خاصة بعد حصار مرشحي الإخوان واعتقال ما يقرب من ١٠٠٠ من أعضاء الجماعة، وأصبحت الساحة خالية من أي منافسين، وهو الأمر الذي كان يجب أن يؤدي إلي انتخابات تتمتع بحد أدني من النزاهة، لأنها تدور بين مرشحي النظام والحكم.
والحقيقة أن الفشل الأكبر في هذه الانتخابات لا يكمن أساسا في استبعاد الإخوان المسلمين وغياب المعارضة، إنما هذا الفشل الكامل في إدارة معركة «حكومية» تدور بين أجنحة الحكم المختلفة، بحد أدني من النزاهة والكفاءة، بصورة عكست التدهور الهائل الذي أصاب مؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة،
فانهيار الجهاز الإداري للدولة الذي أشرف موظفوه البسطاء علي صناديق الاقتراع بعد تراجع الإشراف القضائي كان واضحا، واللجنة العليا للانتخابات لم تدخل لإيقاف التزوير العام الذي جري بين مرشحين حكوميين لا علاقة لهم بالمعارضة، واستمر دور «الحياد السلبي» لأجهزة الأمن ، واعتبرت أنه طالما غاب مرشحو الإخوان، فلا يوجد أي دافع قانوني أو أخلاقي لمواجهة التزوير والعنف والبلطجة، وهو الأمر الذي كشف حجم الانهيار في مؤسسات النظام قبل أن يكون في توجهاته السياسية.
والحقيقة أن انتخابات بلا معارضة كان يمكن أن تكون بروفة جيدة لإصلاح الحزب الوطني من داخله، فهناك كثير من تجارب التحول الديمقراطي بدأت بوضع قواعد ديمقراطية وشفافة للتنافس بين أجنحة النظام المختلفة، سمحت لها بعد ذلك أن تدمج قوي المعارضة داخل العملية السياسية، فتركيا تطورت عبر هذه التجربة، وكثير من بلدان أمريكا اللاتينية وآسيا تحولت نظمها نحو الديمقراطية عبر خلق قواعد للتنافس الديمقراطي بين أجنحة النظام المختلفة.
والحقيقة أن انتخابات مجلس الشوري كانت فرصة سهلة للحزب الحاكم لأن يضع قواعد ما لاختيار مرشحيه، ثم يضع ضوابط للتنافس بين هؤلاء المرشحين ومنافسيهم من أعضاء الحزب أيضا و «حبايبه»، ثم يحث قضاته وجهازه الإداري والأمني علي منع أي تجاوز يجري في داخل اللجان وخارجها،
ولكن ما حدث كان أمرا مؤسفا وكاشفا لحجم التدهور الذي أصاب هذه المؤسسات، فهناك دوائر شهدت عمليات تسويد كاملة للأصوات وأخري جهزت فيها الصناديق قبل أن تبدأ وثالثة حصل الوزير فيها علي ٢٥٠ ألف صوت لأن منافسه كان من الإخوان، وبعد أن اكتشف أنه ليس بحاجة لكل هذه الأصوات في انتخابات لا تتجاوز نسبة المشاركة فيها ٥% ، خفض العدد إلي ٥٣ ألفاً.
أما دائرة الباجور في المنوفية فبدت نموذجا لهذا الصراع الخفي الذي يجري وراء الكواليس بين أجنحة الحزب المختلفة علي أسس شخصية وغير شفافة، وأدت بأمين تنظيم الحزب الوطني إلي تأييد مرشح الحزب غير الرسمي، في مفارقة نادرة لا يمكن تخيلها في أي نظام سياسي آخر غير النظام المصري. أما في سوهاج فقد شهدت عمليات تزوير وتسويد جماعي للصناديق تحت تهديد السلاح واستخدمت البلطجة هذه المرة من أجل السيطرة علي اللجان، وقام مرشح الحزب الوطني الرسمي وغير الرسمي، بعدم الاعتماد علي الناخبين، إنما علي عضلات رجالهم وقدرتهم علي تسويد أكبر عدد من الأصوات،
أما مرشح الوطني في بندر ومركز سوهاج فقد حصل في هذه الانتخابات علي ٤٨ ألف صوت في مقابل ١١ ألف صوت سبق أن حصل عليها في الانتخابات السابقة التي شهدت إشرافاً قضائياً كاملاً، في دلالة علي حجم التزوير الذي شهدته الانتخابات الأخيرة.
من المؤكد أنه بقدر محدود من الخيال وبقدر معقول من الإرادة، كان يمكن أن تكون هذه الانتخابات خطوة في اتجاه إصلاح الأداء العام وليس بالضرورة إصلاح الخيارات السياسية، وكان يمكن أن يتعلم الشعب المصري بعض الممارسات الديمقراطية ولو في ظل نظام تعددي مقيد، فيشعر بأنه قادر علي أن يختار، ولو بين من رشحهم النظام، وأن هذا الاختيار لن يضيع وسط الصناديق الجاهزة، ورجال تسويد البطاقات الذين عملوا بهمة نحسدهم عليها، كما أنه سيفتح الباب أمام النظام لاكتساب شرعية جديدة وسط الناس تعيد الروح لشرعيته المحتضرة.
وفي كل نظمنا السياسية منذ دستور ١٩٢٣ وحتي الآن، كان هناك دائما قيمة أو رسالة أو دور ما يقدمه النظام لمواطنيه حتي لو كان النظام غير ديمقراطي، فعرف المصريون ذلك مع الوفد وعبد الناصر والسادات، والمدهش أنه كان يمكن أن نتقدم ولو بخطوات محدودة نحو الإصلاح والديمقراطية، خاصة أننا نعيش منذ ما يقرب من ثلاثين عاما في ظل معاهدة سلام مع إسرائيل، ولم نعرف حروبا أو تهديدات خارجية حقيقية طوال ما يزيد علي ربع قرن، وكنا نتوقع أن يتحسن الأداء العام للدولة ولأجهزتها الإدارية، وتتحسن الأوضاع الاقتصادية والسياسية،
ولكن ما حدث هو العكس فبقينا في أماكننا بما يعني - بعمر الزمن - أننا تراجعنا، وفشلت الحكومة في أن تدير انتخابات لن تقدم ولن تأخر لمجلس الشوري، وعجزت عن أن تعطينا ولو مرة الفرصة في أن نختار ولو من بين مرشحيها، في انتخابات حرة، ولكنها كالعادة لم تفعل..... ولن تفعل
د.عمرو الشوبكى ٢١/٦/٢٠٠٧
المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment