Monday, June 04, 2007

حرب حزيران وتغير النظرة الى الاخر

بالنسبة لسكان الضفة الغربية كانت صورة الاسرائيلي او حسب التعبيرالمتداول قبل سنة 67 "اليهودي" مشوشة في وعيهم. هذا ما أذكره شخصيا وهو ما أكدته لي الكتابة سونيا النمر التي تحدثت اليها في رام الله.
سونيا تذكر ان الصورة لم تكن محددة المعالم وان كان الناس يلصقون بها صفات معينة من مثل الجبن والنذالة وما الى ذلك. وتتذكر سونيا وأنا أيضا لعبة كنا نلعبها أطفالا وهي "عرب -يهود" نختلف خلالها على من سيكون في صف اليهود، فلا أحد يريد ذلك، وفي النهاية نضطر الى اجراء قرعة.
بعد احتلال اسرائيل للضفة الغربية واحتكاك سكان الضفة بالاسرائيليين جنودا ومدنيين جاؤوا لرؤية "الغنيمة الجديدة" والاستفادة من رخص أسعار السلع وجد الطرفان أنفسم وجها لوجه مع الاخروانهار الوهم: بالنسبة للفلسطينيين كانت المفاجأة أن هؤلاء اليهود "يشبهوننا" لا بل يتحدثون لغتنا، فقد كان الكثير من الجنود من أصول عربية :عراقية ومصرية ويمنية، وكانوا يتحدثون العربية بلهجاتها المختلفة.
لم تمض شهور الا وبدأت العلاقات الاقتصادية تنسج بنشاط بين سكان الضفة تجارا وعمالا ومستهلكين وبين الجانب الاخر من الخط الأخضر.
حدثني سائق سيارة أجرة يهودي في مدينة القدس اسمه ابراهام انه كان يعرف العديد من العائلات الفلسطينية في رام الله، وانه كان يزورها في منازلها وأحيانا يقضي الليلة عندها باطمئنان وثقة.
تحسر ابراهام على تلك الايام التي يقول ان "اجواء التفجيرات سممتها والدماء التي سالت من الطرفين ملأتها بالتوتر". "الحاجة الاقتصادية تتجاوز الدماء"
أثناء عبوري الحدود بين الأردن والضفة الغربية كان علي العثور على سيارة أجرة تنقلني الى رام الله، ولم يكن الأمر سهلا، فالسيارات الاسرائيلية التي عثرت عليها لا تدخل رام الله.
أحس أحد السائقين واسمه ايلي بمأزقي فلم يفهم.
-أنا أوصلك الى رام الله، قال بثقة ثم أوضح لي الترتيب: أنا لا أستطيع دخول رام الله كما تعرف ولكن لي زميل من اريحا اسمه حامد، سأتصل به ليلقانا عند مدخل أريحا وسيوصلك الى رام الله.
سألته مستغربا: وهل لا زالت هنك علاقات عمل وزمالة وتعاون بينك وبين الفلسطينيين في الضفة ؟
-ولم لا ؟ قال ايلي واضاف ان في هذا منفعة متبادلة. هذا ما أكده لي السائق حامد أيضا وقال انه يفعل نفس الشيء مع ايلي، أي يمرر له ركابا لايصالهم الى أماكن اسرائيلية
نفس الشيء كان قد أكده لي صديقي حسن الذي كان يملك محلا للأدوات المنزلية في جنين. قال لي حسن ان التجار الاسرائيليين كانوا يوصلون له البضاعة الى الحاجز، وهو يستلمها منهم هناك ولا يضطر حتى لدفع الثمن مقدما، بل ينتظرون لحين يبيع البضاعة. هناك ثقة متبادلة.
واحة السلام: تجربة لبناء الثقة
في منتصف المسافة تقريبا بين القدس وتل أبيب تقوم "واحة السلام" وهي قرية تحتضن تجربة لبناء الثقة بين اليهود الاسرائيليين والفلسطينيين.
الأراضي التي أقيمت عليها الواحة استؤجرت من دير اللطرون في بداية السبعينات وأخذ مؤسسو الواحة على عاتقهم الجمع بين عائلات يهودية وعربية يؤمن أفرادها بالتعايش المشترك.
ريتا بولص مسؤولة العلاقات العامة في الواحة قالت لي انهم يختارون العائلات العربية واليهودية التي تحصل على حق الاقامة في الواحة بعناية بالغة، فمن المهم أن تكون تؤمن بمبادئ التعايش وقبول الاخر.
سألت عبدالسلام النجار وهم من المؤسسين الأوائل للمشروع ان كان يحس بأن هذه الواحة هي كيان مصطنع، لأنها تجمع بين أفراد من الشعبين يتم انتقاؤهم بعناية، فقال ان هذا ضروري، لأنهم لا يستطيعون قبول أفراد ذوي قناعات سياسية متطرفة قوميا من أي من الجهتين
أما نافا السيدة اليهودية التي حضرت الى الواحة من حيفا، التي هي مدينة مختلطة أصلا فقالت ان بناء الجسور في المدن المشتركة بين اليهود والعرب صعب وان الواحة هي تجربة فريدة بسبب كون الناس المقيمين فيها أصلا منفتحين على الاخروهو شيء لا يتوفر في المدن الأخرى التي يقيم فيها أناس بأفكار وعقليات محتلفة.
أحد مبادئ التعاييش في الواحة هو تعلم لغة الاخر، ولكن عبد السلام قال لي أن هناك حضورا أقوى للغة العبرية وهو ما أكدته ريتا أيضا. مع ذلك فالطفلة اليهودية مايا تحدثت الي بلغة عربية سليمة وبدون أي ارتباك وقال لي مدير المدرسة ان هناك طلابا أكبر سنا من اليهود يتحدثون العربية بطلاقة.
في أثناء تجوالي في الواحة رأيت أطفالا يلعبون كرة القدم بصداقة وود، يصرخون أحيانا بالعربية وأخرى بالعبرية، ولكن لا أثر للكراهية في أصواتهم وضحكاتهم الطفولية تحكي لغة لا علاقة لها بتعقيدات عالم الكبار
أنور حامد بي بي سي ، الضفة الغربية

No comments: