جون ويليامز محرر الشؤون العالمية في البي بي سي كتب هذه الكلمة بمناسبة عيد ميلاد مراسل البي بي سي المحتجز في غزة آلان جونستون
زرت غزة للمرة الأولى بعد أقل من شهر من بدئي العمل كمحرر الشؤون العالمية في بي بي سي.
معبر إريتز على الحدود مع إسرائيل هو في الحقيقة معبر زمني. المرء يستطيع أن يقطعه من أقصاه إلى أقصاه في 20 دقيقة لكنها كافية لأن تعيدك عشرين عاما إلى الوراء.
إنه الواجهة الأمامية للصراع العربي الإسرائيلي. على واجهته يتبدى الكثير من آثار الحرب وجراحها.
على إحدى الجهتين توجد أحدث وأرقى تكنولوجيا في دولة إسرائيل، تلك الأجهزة التي تتعلق بالكشف والفحص والتدقيق، والتي تقوم بفحص المسافرين الفلسطينيين وأمتعتهم.
وعلى الجهة الأخرى يقف رجل يسجل تفاصيل جواز سفرك في دفتر عتيق. إريتز وغزة: هنا نقطة صدام عالمين.
كانت هذه هي الساحة التي يعمل فيها آلان جونستون. غزة أكثر مناطق العمل على وجه الأرض خطورة. في أحلى الأوقات تجدها مستعصية، أما بالنسبة لآلان وأسرته وأصدقائه فقد كانت خلال التسعة أشهر الأخيرة الجحيم بعينه.
لقد ظل لمدة 66 يوما محتجزا حيث لا يعلم أحد. اختطف آلان عند حاجز للتفتيش يوم 12 مارس/ آذار.
أماكن الاضطرابات
بعد ذلك استمعت أسرته وأصدقاؤه إلى بيان يعلن للعالم موته، ثم شاهدوا شريط فيديو يعلن الخاطفون فيه مطالبهم. كل يوم تخرج إشاعات وتكهنات ليس فيها سوى ظل من الحقيقة.
آلان واحد من 200 مراسل للبي بي سي الذين يتوجهون للعمل في أكثر الأماكن اضطرابا في العالم، أماكن يفر منها سكانها عادة.
لمدة 75 عاما كان هؤلاء المراسلون شهودا على التاريخ.
ومطلوب أن يتحلوا دائما بالشجاعة والإخلاص والدأب. وهم يتعرضون للمخاطر بسبب إيمانهم بضرورة أن يعرف الناس الحقائق.
لكن انفجار قنبلة، أو التعرض للاختطاف، أو إطلاق النار هي أسوأ الكوابيس التي قد يواجهها المراسل. ومحرر الشؤون الخارجية ليس استثناء من هذا.
لقد عرفت الكثير خلال الأسابيع القليلة الأخيرة عن الرهائن، وعن الخاطفين، أكثر مما عرفته خلال 40 عاما من قراءة القصص البوليسية ومشاهدة الأفلام السينمائية.
خلال هذه المدة الأخيرة قابلت أناسا يرغبون في التراجع مجددا إلى مجاهل النسيان بمجرد أن يتم إطلاق سراح آلان، وكونت صداقات ستمتد طويلا إلى ما بعد هذه المحنة.
قدرة مدهشة
وقد تعلمت أن أعجب بالقدرة المدهشة لأسرة آلان على الصمود، كما شعرت بالتواضع أمام رد فعل جمهور المستمعين في أفريقيا وأمريكا وآسيا، الذين أرسلوا آلاف الرسائل يبدون فيها تأييدهم للرجل الذي ساهمت تقاريره الإخبارية في وضع ما يحدث في غزة أمامهم أولا بأول. ولكن ترى من الذي انضم إلى صفوف المطالبين بالإفراج الفوري عن آلان؟
قبل أسبوعين تظاهرت مجموعة كبيرة من الصحفيين الفلسطينيين قرب الجدار، أو الحاجز الفاصل، أو السلك الشائك، سمه ما تشاء، الذي يفصل بين إسرائيل وقطاع غزة.
وطالبوا بضرورة الإفراج عن آلان، وحثوا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية على القيام بعمل ما لإطلاق سراحه.
وعلى الجانب الآخر من الحدود، على بعد مئات قليلة من الأمتار كانت مجموعة أخرى من الصحفيين الإسرائيليين تتظاهر لنفس السبب.
جوهر العمل
إن جوهر العمل في البي بي سي أنها مؤسسة تهتم أساسا بنقل الأخبار وليس صنعها. إلا أننا سعينا خلال تسعة أسابيع لجعل محنة آلان حية في أذهان الرأي العام: نساهم في جمع التوقيعات وتعليق الملصقات وتنظيم المظاهرات.
لم يقتصر هذا على لندن فقط، فقد تجمع الزملاء بعيدا عن الشرق الأوسط من أجل قضية آلان، في بكين، وبيونيس أيريس، وبروكسل، وبانكوك. في كابول، ونيويوك، وجاكارتا، تم إحياء قضية آلان جونستون من جانب أولئك الذين عرفوه، والذين لم يعرفوه.
آلان جونستون رجل هادئ ومتواضع، لم يكن يسع أبدا إلى التواجد وسط الأضواء. إلا أنه عندما سينتهي كل هذا المأزق السخيف، ووسط كل الضجيج الإعلامي الذي سيتبع ذلك، أراهن أن ما سيبقى من هذه المحنة أنها نجحت في توحيد الكثير من الأشخاص والجماعات والتقريب بينها
. عيد ميلاد سعيد
لقد توحد الجميع من أجله: الفصيلان الفلسطينيان المتناحران حماس وفتح، العرب والإسرائيليون، الشرق والغرب، لقد توحد الجميع في المطالبة بإطلاق سراح آلان.
بعد تسعة أسابيع تعلمت من بين ما تعلمت، أن معظم المختطفين يعرفون حقيقة ما يجري في العالم الخارجي حولهم، فالوقوع في الأسر ليس معناه بالضرورة أنهم أصبحوا منفصلين عن العالم.
لقد علمت أن أحد الرهائن في العراق سمع من خاطفيه أنهم رأوا زوجته لتوهم على شاشة التليفزيون تناشدهم إطلاق سراحه.
وكان القس تيري وايت يستمع لإذاعة بي بي سي العالمية في بيروت. وفي غزة، أتجرأ بأن أحلم أن تكون البي بي سي هي المحطة المفضلة لدى خاطفي آلان.
لأكثر من 50 عاما منذ بدء بث هذا البرنامج كانت الأخبار تبث من مراسلينا. واليوم مع الاعتذار لكم، أريد أن أبعث برسالة إلى واحد منا.
اليوم الـ 66 لاختطاف آلان جونستون يصادف عيد ميلاده. وغالبا لن تكون هناك شموع ولا كعكات.
ولكني آمل أن يكون بوسع آلان، أيا كان مكانه، أن يستمع إلى هذا البرنامج، وأن يعرف أن أسرته وأصدقاءه وزملاءه يفتقدونه.
إننا نريده أن يعود آلان إلى بيته. وأمنيتنا في عيد ميلاده الإفراج الفوري عنه.
عيد ميلاد سعيد ياآلان
جون ويليامز محرر الشؤون العالمية في البي بي سي
No comments:
Post a Comment