تدريجياً ومن دون أن يشعر أحد، اندثرت الغالبية العظمى من الوعود والإشارات الحكومية التي كانت تحقن جرعات محسوبة من «المسكنات» في أوردة المواطنين الذين يعانون من المنغصات اليومية. فمشكلات المواطن المصري العادي مع التعليم والغذاء والمواصلات والصحة والسكن وكل ما يتعلق بحياته ما زالت موجودة، وما زال المسؤولون يبذلون جهوداً بشكل أو بآخر للتعامل معها، ولكن بطريقة ونبرة مختلفتين تماماً عما كان عليه الامر في الماضي القريب.
فحتى الامس، كان الشغل الشاغل لأجهزة الإعلام الكبرى ذات الطابع الرسمي هو تناول مأساة الدروس الخصوصية المتفاقمة منذ سنوات طويلة، تارة بنشر تحقيقات حول تفاقم الظاهرة، وتارة أخرى بنقل تصريحات المسؤولين شبه اليومية والخاصة بجهود تطويق هذه الظاهرة السلبية والقضاء عليها سواء من خلال ندوة تعليمية أو جلسة تنويرية أو مجرد تصريح عادي يلقيه الوزير المختص للدلالة الى أن وزارته متنبهة للخطر الذي تؤكد إحصاءات رسمية أنه يلتهم اكثر من خمسة عشر بليون جنيه سنوياً. لكن الحرب الرسمية الشعواء المعلنة على الدروس الخصوصية التي لا يخلو منها بيت مصري ينتمي أحد أفراده إلى المؤسسسة التعليمية بجميع مراحلها خفتت في الآونة الأخيرة، وصارت مقتصرة على خبر مقتضب هنا أو هناك عن استمرار جهود محاربتها، لا سيما تلك المتصلة بالجهود الالكترونية التي عادة ما تتم بالاتفاق بين الحكومة المصرية وكبرى شركات الكومبيوتر العالمية في مصر.
ولأن معظم المصريين لا يزالون يختزنون العبارة الشهيرة لعميد الأدب العربي الراحل الدكتور طه حسين والتي تشير إلى أن «التعليم كالماء والهواء»، ولم يخطرهم أحد بأنها تحولت في الألفية الثالثة إلى «التعليم والشبكة العنكبوتية كالماء والهواء»، ولأن اقتناء جهاز كومبيوتر متصل بالإنترنت لا يزال يقتصر على خمسة ملايين مستخدم فقط في المحروسة التي يبلغ تعدادها ستة وسبعين مليوناً ونصف المليون نسمة، فإن ميكانيزم الطبيعة الخاص بالقدرة البشرية على التعايش السلمي مع الواقع مهما كان صعباً، مكنهم من تقبل الظاهرة التي أصبحت، بلا مبالغة، جزءاً لا يتجزأ من العملية التعليمية. ويعود الفضل في جانب كبير من هذا التعايش إلى الاستراتيجية الإعلامية التي انسحبت ببطء شديد يكاد يكون غير ملحوظ من معاداة الدروس الخصوصية.
انسحاب آخر استراتيجي يلحظه المصريون ممن لم يحظوا بالقدرة نفسها على النسيان والتعايش السلمي مع المشاكل، هو التوقف التام للتصريحات الحكومية في شأن عودة العمل بالعداد إلى سيارات الأجرة، على الأقل في القاهرة حيث يزيد عدد سيارات الأجرة على 80 ألف سيارة يتبع سائقوها مبدأ تقاضي المبلغ الذي يحددونه حسب أهوائهم، وإذا اعترض الراكب فليس أمامه سوى البحث عن وسيلة انتقال أخرى.
وإذا كان في مقدور المواطن إيجاد بدائل لسيارات الأجرة حتى وإن كانت غير مناسبة لظروفه المادية أو الصحية، فإن إيجاد بدائل للغذاء أمر أكثر صعوبة. فقد ولى زمن شعار «الأمن الغذائي» الذي كان يبث شعوراً بالطمأنينة لدى المواطن المصري الذي يعاني الأمرين من أجل توفير المتطلبات الغذائية لأسرته في ظل الارتفاع المضطرد في الأسعار. اختفاء العبارة التي انتشرت قبل سنوات انتشاراً وصل إلى كل قرية ونجع، لا يعني أن الأمن الغذائي تحقق، ومن ثم لم تعد هناك حاجة إلى ترديد شعاراته، ولكن العكس هو الصحيح، بدليل أن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة شن قبل أسابيع حملة بغرض خفض معدلات الفقر و «انعدام» الأمن الغذائي. حتى الشعارات التي تلت «الأمن الغذائي» من «غول الغلاء» و «محاربة جشع التجار» و «نحطم الأسعار تحطيماً» ما لبثت أن اختفت، وربما شعر أصحاب القرار بأن مثل هذه الشعارات التي تجذب الانتباه، تثير كذلك قدراً أكبر من الغضب الشعبي، لا سيما في ضوء عدم تحقيق الوعود.
وإذا كانت الوعود سمة الحكومات، فإن متابعة تنفيذها والمطالبة بها ليستا سمة كل الشعوب. وإذا كانت الأقدار لم تعط المصريين القدرة على الاستمرار في المطالبة بتحقيق الوعود ومساءلة من لا يحققها، فإنها في الوقت نفسه، أغدقت عليهم ملكة التأقلم مع الأوضاع أحياناً والنسيان حيناً والأمل في غد أفضل دائما
فحتى الامس، كان الشغل الشاغل لأجهزة الإعلام الكبرى ذات الطابع الرسمي هو تناول مأساة الدروس الخصوصية المتفاقمة منذ سنوات طويلة، تارة بنشر تحقيقات حول تفاقم الظاهرة، وتارة أخرى بنقل تصريحات المسؤولين شبه اليومية والخاصة بجهود تطويق هذه الظاهرة السلبية والقضاء عليها سواء من خلال ندوة تعليمية أو جلسة تنويرية أو مجرد تصريح عادي يلقيه الوزير المختص للدلالة الى أن وزارته متنبهة للخطر الذي تؤكد إحصاءات رسمية أنه يلتهم اكثر من خمسة عشر بليون جنيه سنوياً. لكن الحرب الرسمية الشعواء المعلنة على الدروس الخصوصية التي لا يخلو منها بيت مصري ينتمي أحد أفراده إلى المؤسسسة التعليمية بجميع مراحلها خفتت في الآونة الأخيرة، وصارت مقتصرة على خبر مقتضب هنا أو هناك عن استمرار جهود محاربتها، لا سيما تلك المتصلة بالجهود الالكترونية التي عادة ما تتم بالاتفاق بين الحكومة المصرية وكبرى شركات الكومبيوتر العالمية في مصر.
ولأن معظم المصريين لا يزالون يختزنون العبارة الشهيرة لعميد الأدب العربي الراحل الدكتور طه حسين والتي تشير إلى أن «التعليم كالماء والهواء»، ولم يخطرهم أحد بأنها تحولت في الألفية الثالثة إلى «التعليم والشبكة العنكبوتية كالماء والهواء»، ولأن اقتناء جهاز كومبيوتر متصل بالإنترنت لا يزال يقتصر على خمسة ملايين مستخدم فقط في المحروسة التي يبلغ تعدادها ستة وسبعين مليوناً ونصف المليون نسمة، فإن ميكانيزم الطبيعة الخاص بالقدرة البشرية على التعايش السلمي مع الواقع مهما كان صعباً، مكنهم من تقبل الظاهرة التي أصبحت، بلا مبالغة، جزءاً لا يتجزأ من العملية التعليمية. ويعود الفضل في جانب كبير من هذا التعايش إلى الاستراتيجية الإعلامية التي انسحبت ببطء شديد يكاد يكون غير ملحوظ من معاداة الدروس الخصوصية.
انسحاب آخر استراتيجي يلحظه المصريون ممن لم يحظوا بالقدرة نفسها على النسيان والتعايش السلمي مع المشاكل، هو التوقف التام للتصريحات الحكومية في شأن عودة العمل بالعداد إلى سيارات الأجرة، على الأقل في القاهرة حيث يزيد عدد سيارات الأجرة على 80 ألف سيارة يتبع سائقوها مبدأ تقاضي المبلغ الذي يحددونه حسب أهوائهم، وإذا اعترض الراكب فليس أمامه سوى البحث عن وسيلة انتقال أخرى.
وإذا كان في مقدور المواطن إيجاد بدائل لسيارات الأجرة حتى وإن كانت غير مناسبة لظروفه المادية أو الصحية، فإن إيجاد بدائل للغذاء أمر أكثر صعوبة. فقد ولى زمن شعار «الأمن الغذائي» الذي كان يبث شعوراً بالطمأنينة لدى المواطن المصري الذي يعاني الأمرين من أجل توفير المتطلبات الغذائية لأسرته في ظل الارتفاع المضطرد في الأسعار. اختفاء العبارة التي انتشرت قبل سنوات انتشاراً وصل إلى كل قرية ونجع، لا يعني أن الأمن الغذائي تحقق، ومن ثم لم تعد هناك حاجة إلى ترديد شعاراته، ولكن العكس هو الصحيح، بدليل أن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة شن قبل أسابيع حملة بغرض خفض معدلات الفقر و «انعدام» الأمن الغذائي. حتى الشعارات التي تلت «الأمن الغذائي» من «غول الغلاء» و «محاربة جشع التجار» و «نحطم الأسعار تحطيماً» ما لبثت أن اختفت، وربما شعر أصحاب القرار بأن مثل هذه الشعارات التي تجذب الانتباه، تثير كذلك قدراً أكبر من الغضب الشعبي، لا سيما في ضوء عدم تحقيق الوعود.
وإذا كانت الوعود سمة الحكومات، فإن متابعة تنفيذها والمطالبة بها ليستا سمة كل الشعوب. وإذا كانت الأقدار لم تعط المصريين القدرة على الاستمرار في المطالبة بتحقيق الوعود ومساءلة من لا يحققها، فإنها في الوقت نفسه، أغدقت عليهم ملكة التأقلم مع الأوضاع أحياناً والنسيان حيناً والأمل في غد أفضل دائما
القاهرة - أمينة خيري الحياة - 10/05/2007
No comments:
Post a Comment