كلمة حق أقولها وقلبى حزين
كنت واحدا من الذين أشادوا كثيرا بالمجلس العسكرى وحكومة شرف. واليوم لا مفر من أن أعترف بالخطأ.
لقد أسرتنا من الأعماق الكلمة السحرية: «لم ولن نطلق النار»، وسحرتنا التحية العسكرية لأرواح الشهداء. وصدقنا أن قيادة الجيش رفضت إطاعة أمر إطلاق النار! وأنهم قالوا لمبارك إما أن تتنحى أو ستُجبر على ذلك.
كلها أشياء صدقناها بعظيم الفخر. صدقناها لأننا نحب أن نصدقها. ولأننا لو كنا مكانهم لفعلنا مثلهم. ولأن مسار الأحداث فى بداية الأمر كان يُوحى بذلك. صحيح أنه كانت هناك وقائع متناقضة مع هذه الرؤية الرومانسية. خذ عندك مثلا: لماذا لم يتدخلوا لحماية المتظاهرين أثناء إطلاق النار؟
ولماذا تركوا بلطجية معركة الجمل يمرون؟ ولماذا تركوهم يذهبون؟ وهل من المعقول أن يلزموا الحياد، وهناك مُعتدٍ مسلح، ومعتدى عليه أعزل! لكننا شطبنا أدوات التعجب وعلامات الاستفهام، وتبارينا كلنا فى الغزل العفيف.
تخلى مبارك عن الحكم للمجلس الأعلى، واستبشرنا خيرا بما هو آت. لكن - لدهشتنا البالغة - ظلت الأمور كما هى لأكثر من شهرين. لم نفهم كيف يمكن أن يظل القطّ وسرايا رئيسى تحرير! لم نفهم كيف يكون بطل البنبون أحمد شفيق، رئيسا للوزراء!
لم نفهم كيف يمارس زكريا عزمى مهامه فى ديوان رئاسة الجمهورية بعد أن استبدل بمبارك المشير؟ لم نفهم كيف يظل مبارك آمنا فى شرم الشيخ يرسل إلينا برسائل التهديد؟! لم نفهم لماذا لم يعد الأمن إلى الشارع المصرى، ولماذا يتركون العنان للبلطجية ليقوموا بالسلب والترويع؟ ولماذا لا تبدو فى الأفق بارقة أمل فى التغيير؟
كلها أشياء كانت تزعجنا، ولكننا كنا نتجاهلها، خوفا من مواجهة الحقيقة! وفى كل مرة كانت التغييرات الإيجابية لا تحدث إلا بعد مظاهرات مليونية وأحداث جسام.
وفجأة، كشفت الحقيقة لثامها وأطلّت علينا بوجهها الصريح. فى البدء وعدونا بأنهم سيسلمون السلطة خلال ستة شهور. واليوم يتحدثون عن عام 2013! حتى قانون الغدر مازالوا يفكرون فيه! وفجأة، أدلى المشير بشهادته أنه لم يصدر أصلا أمرٌ بإطلاق نار! بالطبع نحن نكبر شجاعته ونثمن شهادته أمام الله والتاريخ، لكن الكلام عن حماية الثورة صار يحتاج الآن إلى تدقيق.
الأمر ببساطة أن المجلس الأعلى كان فى وضع ملتبس، فلا هو يشعر بالارتياح تجاه الثورة بحكم عقيدته المحافظة والمرحلة العمرية لأعضائه، وفى نفس الوقت تحكمه مخاوفه وكبرياؤه العسكرية من نفاذ مشروع التوريث! فلما انفجرت الثورة كان لسان حاله يقول: «بركة يا جامع اللى جت منك!».
لكن العقيدة المحافظة انتصرت فى النهاية. لذلك كان دائما ينفر من الشرعية الثورية، ويريد أن يحتكم إلى الدستور الذى سقط بسقوط النظام بعد أن سحب الشعب توكيله، كونه صاحب الحق الوحيد.
أضف إلى ذلك أنهم لما تسلموا السلطة فوجئوا بكمّ الفساد فى النخبة السياسية التى راحت تتصارع على الكعكة الوهمية ما بين علمانى وإسلامى، وكلهم ينهشون لحم الوطن الجريح. لم نشجعهم على احترامنا، فاحتقرونا وصاروا يستكثرون علينا تسليم السلطة، ولسان حالهم يقول: «إن لم نكن نحن، فمن؟ وإن لم يكن الآن، فمتى؟».
والآن نحن بحاجة إلى إعادة التذكرة بالبديهيات:
1- الجيش مؤسسة وطنية لها عظيم الاحترام.
2- طالما يمارس المجلس الأعلى السياسة فإنه يجوز عليه النقد والمراجعة.
3- انتهى وقت التسليم الأعمى والتوقيع على بياض، وبقى حساب المصالح والخسائر الذى يقول إن أى مواجهة مع المجلس الأعلى مقامرة بكيان البلد، والحل يكمن فى لمّ الشمل وتأجيل المطالب الفئوية والمراقبة اللصيقة لما ستؤول إليه الأمور
بقلم :د. أيمن الجندى
No comments:
Post a Comment