بات يوم الجمعة من كل أسبوع يوماً مفصلياً فى التاريخ السياسى والاجتماعى المصرى، منذ قيام ثورة ٢٥ يناير وحتى وقتنا هذا، حيث انطلقت فى هذا اليوم المسميات الفارقة من «جمعة الغضب»، إلى «جمعة الإصرار»، إلى «جمعة الرحيل»، إلى «جمعة النصر»، وغيرها، لكن يوم الجمعة الماضى يمكن أن يأتى فى هذا السياق باسم «مشوق» جديد، وليكن «جمعة سرقة الثورة».
أمس الأول «الجمعة»، هيمنت الهتافات على الشارع كعادتها منذ اندلاع الثورة، لكنها اتخذت منحى مختلفاً اختلافاً جذرياً، حيث أمكن للقاهريين سماع هتافات من نوع: «إسلامية.. إسلامية»، و«أخواتنا أو الطوفان»، و«نحرى دون نقابى»، و«فى سبيل الله قمنا نبتغى رفع اللواء، فليعد للدين مجده أو تراق بيننا الدماء».
كان الهتاف الرئيس فى «جمعة سرقة الثورة» تلويحاً بإراقة الدماء بين المصريين فى سبيل «إعادة المجد إلى الدين»، ولا أعرف كيف يمكن أن يقتنع أى من أهالى شهداء الثورة بأن التضحية التى قدمها أبناؤهم لم تستطع أن تقود البلاد سوى إلى هذه النقطة، التى ينشب فيها الاقتتال الأهلى، على خلفية التصورات الذهنية للجماعات الدينية عن نفسها وعن شركائها الآخرين فى الوطن.
فى «جمعة سرقة الثورة» كانت قوات من الشرطة والجيش تطوق مسجد النور فى العباسية بوسط القاهرة، لكن هذا لم يمنع أعضاء فى جمعية «الهداية الإسلامية» السلفية من السيطرة على منبر المسجد، للجمعة الثانية على التوالى.
سيطرت الجمعية ذات الاتجاه السلفى على المنبر، ووضعت خطيباً تابعاً لها، فيما اكتفى الخطيب المعين من قبل وزارة الأوقاف بالصلاة فى أحد الصفوف «تفادياً للعراك».
فى أعقاب الصلاة، انطلقت الهتافات من المصلين، الذين أتوا من محافظات عدة بأعداد كبيرة، تهدر: «إسلامية.. إسلامية»، وطالب المصلون بإقالة نائب رئيس الوزراء الدكتور يحيى الجمل، لأنه «علمانى».
على مقربة من مسجد النور كان آلاف السلفيين يصلون صلاة العصر أمام الكاتدرائية المرقسية فى منطقة العباسية، فى محاولة للضغط على الكنيسة القبطية والبابا شنودة لـ«إطلاق المسلمات الأسيرات»، حيث رُفع فى هذه التظاهرة، التى اتخذت شكل الصلاة، الشعار: «أخواتنا أو الطوفان».
وفى الوقت ذاته، كانت هناك مسيرة ضمت مئات المتظاهرين، اتخذت طريقها من مسجد «الفتح» إلى مسجد «النور»، للمطالبة بإطلاق السيدة «كاميليا»، التى يُعتقد أن الكنيسة القبطية تحتجزها فى مكان غير معلوم لأنها تحولت إلى الإسلام.
لم يكن هذا كل شىء بالطبع، فقد تجمع آلاف السلفيين، ومئات المنتقبات أمام دار الإفتاء ومشيخة الأزهر، مطالبين بإقالة المفتى الدكتور على جمعة، لأنه أرسل فتوى إلى المحكمة الإدارية العليا، رأى فيها أن «النقاب عادة وليس عبادة»، وهو ما يترتب عليه إتاحة الفرصة للسلطات الإدارية للتحقق من شخصية المنتقبات لاعتبارات الأمن ونزاهة الامتحانات.
لم يقتصر الأمر على القاهرة فقط، لكنه امتد أيضاً إلى محافظات أخرى، حيث أطلق أهالى قنا على تلك الجمعة اسم «جمعة الكرامة والإرادة الشعبية». كانت «جمعة الكرامة» فى قنا أشبه ما تكون باحتفال مبطن، بعدما استطاعت التظاهرات والاعتصامات وأعمال قطع الطريق التى قام بها المتظاهرون هناك - إجبار الدولة على التراجع جزئياً عن قرارها تعيين محافظ جديد، وتجميد عمل المحافظ عماد ميخائيل لمدة ثلاثة أشهر. أعاد المتظاهرون التأكيد على مطالبهم أمس الأول؛ وأولها بالطبع: «تعيين محافظ مسلم».
لا يبدو أن كل تلك التحركات والتظاهرات ستمر من دون أن تستفز شيئاً ما لدى شريك الوطن الآخر، الذى بات من حقه أن يعتقد أن الثورة أغرت به «كارهيه وأعداءه»، حتى ولو كانوا من بنى وطنه، خصوصاً بعدما أقاموا صلاتهم أمام «الكاتدرائية»، وبعدما اضطرت قوات الأمن والجيش لتطويق مقار كنسية وتشديد الحراسة عليها، فى أعقاب تلقى تهديدات بتفجيرها واقتحامها، لـ«إطلاق الأسيرات، وبحثاً عن الأسلحة المخزنة داخلها».
لذلك لم يكن مستغرباً أن يرد فى أخبار «جمعة سرقة الثورة» إعلان عن تشكيل تنظيم «الإخوان الأقباط»، ودعوة للبدء فى اختيار «مرشد قبطى».
سياسياً، كانت جماعة «الإخوان المسلمين» تعقد اجتماع مجلس الشورى الخاص بها، لتقرر حجم مشاركتها فى الانتخابات البرلمانية، فيما نشرت وسائل الإعلام العديد من التصريحات نقلاً عن رموز من تيارات إسلامية مختلفة.
من بين ما نقلته وسائل الإعلام فى «جمعة سرقة الثورة» تصريحات أدلى بها الداعية الدكتور صفوت حجازى فى محاضرة ألقاها فى جامعة الزقازيق، حيث دعا أمام شباب الجامعة، وفق بعض وسائل الإعلام، إلى: «تكوين أحزاب دينية إسلامية وقبطية»، على أن يكون «صندوق الانتخاب هو الفيصل».
نامت الثورة الحقيقية أمس الأول الجمعة، وغرق أتوبيس فى بنى سويف، ونشبت مشاجرات بين مشجعى الأهلى والمصرى فى بورسعيد، وهيمن خفافيش ومتعصبون على المشهد، محاولين «سرقة الثورة»، وجرنا جميعاً إلى الظلام والفتن
ياسر عبدالعزيز - المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment