Wednesday, May 04, 2011

عقدة ميدان التحرير


كان من الممكن أن يكون ميدان التحرير مساء أمس الأول لوحة مصرية تنطق بالروعة والجمال، لولا أن «البلطجية فى بلادى» مدللون ويمرحون وهم فى مأمن من العقاب.

كانت الساعة قد تجاوزت السابعة مساء بقليل، وكان المسرح جاهزا لاحتفالية جميلة بعيد العمال.. وزير العمل ألقى كلمة مقتضبة حيا فيها الثورة وشدد على التمسك بالحريات النقابية، فيما كان الفنان الرائع على الحجار يشحذ حنجرته للغناء، بصحبة فنانة دنماركية جاءت من بلادها لتغنى للثورة المصرية.

وفجأة، اقتحمت مجموعة من مفتولى العضلات المسرح واختطفت الميكروفون ووجهت عبارات بذيئة ومنحطة لوثت آذان الحضور، ليخيم الرعب والكآبة على الميدان، وتنسحب سيارات النقل التليفزيونى المباشر، وتمتد الأيادى السوداء إلى أجهزة الصوت والإضاءة على الطريقة التقليدية فى إفساد الأفراح «كرسى فى الكلوب».

قبل ذلك بدقائق كان الميدان الذى عاد لاستقبال الآلاف من المصريين قد تحول إلى كرنفال مدهش.. رائحة احتراق العلم الإسرائيلى تضفى على المكان نوعا من البهجة والخشوع، وصوت شادية «يا أحلى البلاد يا بلادى» يغسل الآذان من بقايا أصوات شريرة ملأت الآفاق على مدار أيام طويلة مضت، وفى الخلفية مجموعات تغنى للثورات العربية فى سوريا وليبيا واليمن والبحرين.

كانت كل المقدمات تنطق بأننا ذاهبون إلى أمسية مصرية منعشة، إلا أن السادة البلطجية احتلوا المسرح فى ظل حالة صمت تصل إلى حد الرضا من قبل الأجهزة المسئولة عن تأمين المكان، وأطفأوا الأنوار وأفسدوا العرس دون أن يقول لهم أحد «بم»، وبعد أن انفض السامر قرر منتفخو العضلات أن يترجلوا من فوق المسرح منتشين ممتلئين زهوا بإتمام عملية «تقفيل الفرح» مطلقين صيحات الانتصار على الشعب الذى جاء يحتفل بعماله وثورته.

على بعد أمتار كان الفنان على الحجار يجلس حزينا فى ركن بأحد المقاهى، بعد أن تلقى نبأ هزيمة الفن والموسيقى والفرح بالثورة أمام تلك الكائنات الغريبة التى ظهرت فجأة وملأت المكان ظلاما وظلما للثورة وشهدائها الذين جرى استخدام أسمائهم بوقاحة لتبرير الهجوم على مسرح الاحتفال، بالترويج لأن الذين أفسدوا الفرح فعلوا ذلك من منطلق رفضهم لإقامة مهرجان غنائى احتراما لأحزان عائلات الشهداء.

إلى هذا الحد يذهب البعض بعيدا جدا فى التدليس والكذب واستحلال دماء الشهداء لتبرير جريمة وقعت ضد ميدان التحرير، والذى يبدو أنه صار يمثل عقدة للبعض، حتى أصبحوا لا يطيقون رؤيته وهو يزدان بجموع المصريين الذين يطالبون باستكمال ثورتهم.

إن مصر لن تتغير طالما ظلت السيادة الغنائية فيها مخطوفة لصالح أولئك المتهربين من التجنيد، بينما الحناجر النبيلة مثل حنجرة على الحجار ممنوعة من الغناء للثورة والشعب فى قلب الميدان.

أيتها البلطجة: كم من الجرائم ترتكب باسمك، وأنت منها براء!

بقلم:وائل قنديل - الشروق

No comments: