الثورات العربية: فى تطابق أخطاء الحكام
يبدو أن الحكام العرب لا يتعلمون من بعضهم البعض، على عكس الشعوب التى تدلل ثوراتها الآن فى سوريا واليمن على قدرتها على الإفادة من التجارب السابقة فى تونس ومصر.
بدءا من بن على مرورا بمبارك واليوم مع الأسد وصالح، يكرر الحكام العرب خطأ التعامل بأدوات وسياسات الاستعلاء السلطوى مع احتجاجات مواطنين يطالبون بتحولات ديمقراطية حقيقية.
تشابهت خطابات بن على ومبارك فى ترتيبها ومضامينها قبل الرحيل، ولم تعبر فى المجمل إلا عن توجه للتحايل على الديمقراطية بإصلاحات شكلية ودوما ما جاءت متأخرة عن سرعة حركة الشارع.
أما الأسد وصالح فيعيدان ذات الأمر ويقدمان اليوم التنازلات الجزئية التى ربما إن كانت قد قُدمت منذ أسابيع لهدأت الاحتجاجات وفتحت الطريق أمام تفاوض بين نظام الحكم والمواطنين.
والحقيقة أن أدوات وسياسات الاستعلاء السلطوى بإصلاحاتها الشكلية وتنازلاتها الجزئية أفقدت الحكام العرب القدرة على القراءة الصحيحة لمجتمعاتهم، بل والقدرة على فهم المسارات الطبيعية لتطور الثورات.
فلا يمكن لعاقل توقع بقاء حاكم فى موقعه أهدر دماء المواطنين وتورطت أجهزته الأمنية فى عنف سافر ضد مواطنين مسالمين.
ففى نهاية الثمانينيات قتل ديكتاتور رومانيا نيكولاى تشاوشيسكو آلاف المتظاهرين ولم يرتب القتل الجماعى هذا إلا تسريع وتيرة الثورة وأضاف إلى عنفوانها لتنتهى بإعدام الديكتاتور.
وفى مصر، وهو ما يعجز الأسد وصالح عن فهمه، دفع قتل نظام مبارك للمتظاهرين المسالمين، الاحتجاجات الشعبية لرفع سقف مطالبها إلى إسقاط النظام وإسقاط الرئيس ومحاكمته.
يدلل ما حدث الجمعة الماضية فى سوريا على استعداد نظام الأسد ارتكاب نفس حماقات مبارك بتعمد قتل المواطنين واستخدام العنف بشكل سافر، وعلى الأرجح لن يخرج مسار تطور الثورة السورية عن نظيرتها المصرية ولن يبقى الأسد فى موقعه بعد كل هذه الدماء.
أما اليمن فتتصاعد بها المواجهات بين نظام صالح وبين المواطنين على نحو يهدد بتفكيك كيان الدولة. يوم الجمعة الماضى أيضا، قٌتل أكثر من عشرين رجل أمن فى محافظات يمنية مختلفة فى أعمال انتقامية من جانب مجموعات من المواطنين وبعد أن ارتكبت القوات الأمنية أكثر من مذبحة بحقهم.
فقدان الحكام العرب القدرة على التعامل مع ثورات المواطنين بغير الاستعلاء السلطوى يعنى أن إمكانات التفاوض الحقيقى بينهم وبين مجتمعاتهم غائبة تماما.
وفى هذه الحالة يجد المواطنون أنفسهم أمام خيار واحد، الاستمرار فى الثورة إلى حين إسقاط النظام وتغيير الحاكم لأن استمرار الحاكم معناه ببساطة شديدة عنف وقمع واسع النطاق وانتهاكات منظمة لحقوق الإنسان وثوار يُدفعون إلى غياهب السجون وتنازلات جزئية أبدا لن تغير من الطبيعة الاستبدادية للسياسة.
يجد المواطنون أنفسهم أمام خيار واحد أيضا لأن حلول الوسط التوافقية بين حاكم وثوار والتى قد تضمن بقاء الحاكم لفترة على مقعده أو خروجه الآمن دون محاكمة نظير تحول ديمقراطى حقيقى تصبح بلا مضمون وبلا مصداقية شعبية ما إن تسيل دماء المواطنين خلال أيام الثورة.
يجد المواطنون أنفسهم أمام خيار واحد ثالثا لأن صراعهم مع الحاكم يتحول إلى ما يشبه العلاقة الثأرية المستندة إلى رغبة جماعية فى القصاص من الديكتاتور. يجد المواطنون أنفسهم أمام خيار واحد رابعا لأن الحكام بأجهزتهم الأمنية والمافيات الإجرامية التابعة لهم، فى لحظات الثورة، يخرجون للرأى العام متجردين من كل تجميل وظفوه سابقا لإخفاء حقيقة قبحهم وجرائمهم المنظمة ضد الإنسانية.
فلم يعد للمواطن السورى واليمنى اليوم، وكما كان حال المواطن التونسى والمصرى من قبل وبعد أن تكشف القبح هذا، إلا الاستمرار فى الثورة إلى أن يتطهر المجتمع بإزاحة الحاكم ومحاسبته.
لا يتعلم الحكام العرب من بعضهم البعض ويبدو أن النموذج الوحيد الحاضر فى أذهانهم وأذهان من حولهم فى لحظات ثورات المواطنين هو نموذج ميدان السلام (تيانمن) فى الصين.
إلا أن ما نجح به الحكم الشيوعى هناك بالقضاء العنيف على المطالبة الشعبية بالديمقراطية تحقق بأدوات لا تتوافر فى الحالات العربية، إن فيما خص توظيف العنف بكفاءة عالية أو لجهة العزل المجتمعى للاحتجاجات وحصرها فى مناطق محدودة.
نموذج ميدان السلام غير قابل للتكرار فى الحالات العربية ويخطئ الحاكم فى محاولة تنفيذه، إلا أن هذا يصب فى التحليل الأخير فى مصلحة إزاحتهم ومن ثم تحقيق التحول الديمقراطى.
وفى المقابل يُظهر المواطنون العرب مدى استطاعتهم الإفادة من تجاربهم المتشابهة وتوظيفها بالاستمرار فى المطالبة بالديمقراطية وتصعيد الحالة الثورية.
التونسيون والمصريون والسوريون واليمنيون وظفوا ويوظفون نفس الاستراتيجيات والأدوات فى مواجهة حكامهم المستبدين وتعلموا بكفاءة تلافى أخطاء سابقة، خاصة ما تعلق بماضى الاستجابة لوعود الحكام الشكلية وتنازلاتهم الجزئية والتى دوما ما أنهت الاحتجاجات الشعبية دون نجاحات يعتد بها.
الإصرار على التغيير وإنجاح الثورة باتا لازمتين متكررتين على امتداد الخريطة العربية تماما كما أصبح يوم الجمعة منذ الثورة المصرية يوما مفصليا فى حياة العواصم العربية.
الفجوة فى القدرة على التعلم والاستفادة المتبادلة بين حكام لا يتعلمون من جهة ومواطنين قادرين من جهة أخرى هى أحد المسببات الرئيسية لاتساع رقعة الثورة عربيا ومساراتها واضحة التطابق.
بدءا من بن على مرورا بمبارك واليوم مع الأسد وصالح، يكرر الحكام العرب خطأ التعامل بأدوات وسياسات الاستعلاء السلطوى مع احتجاجات مواطنين يطالبون بتحولات ديمقراطية حقيقية.
تشابهت خطابات بن على ومبارك فى ترتيبها ومضامينها قبل الرحيل، ولم تعبر فى المجمل إلا عن توجه للتحايل على الديمقراطية بإصلاحات شكلية ودوما ما جاءت متأخرة عن سرعة حركة الشارع.
أما الأسد وصالح فيعيدان ذات الأمر ويقدمان اليوم التنازلات الجزئية التى ربما إن كانت قد قُدمت منذ أسابيع لهدأت الاحتجاجات وفتحت الطريق أمام تفاوض بين نظام الحكم والمواطنين.
والحقيقة أن أدوات وسياسات الاستعلاء السلطوى بإصلاحاتها الشكلية وتنازلاتها الجزئية أفقدت الحكام العرب القدرة على القراءة الصحيحة لمجتمعاتهم، بل والقدرة على فهم المسارات الطبيعية لتطور الثورات.
فلا يمكن لعاقل توقع بقاء حاكم فى موقعه أهدر دماء المواطنين وتورطت أجهزته الأمنية فى عنف سافر ضد مواطنين مسالمين.
ففى نهاية الثمانينيات قتل ديكتاتور رومانيا نيكولاى تشاوشيسكو آلاف المتظاهرين ولم يرتب القتل الجماعى هذا إلا تسريع وتيرة الثورة وأضاف إلى عنفوانها لتنتهى بإعدام الديكتاتور.
وفى مصر، وهو ما يعجز الأسد وصالح عن فهمه، دفع قتل نظام مبارك للمتظاهرين المسالمين، الاحتجاجات الشعبية لرفع سقف مطالبها إلى إسقاط النظام وإسقاط الرئيس ومحاكمته.
يدلل ما حدث الجمعة الماضية فى سوريا على استعداد نظام الأسد ارتكاب نفس حماقات مبارك بتعمد قتل المواطنين واستخدام العنف بشكل سافر، وعلى الأرجح لن يخرج مسار تطور الثورة السورية عن نظيرتها المصرية ولن يبقى الأسد فى موقعه بعد كل هذه الدماء.
أما اليمن فتتصاعد بها المواجهات بين نظام صالح وبين المواطنين على نحو يهدد بتفكيك كيان الدولة. يوم الجمعة الماضى أيضا، قٌتل أكثر من عشرين رجل أمن فى محافظات يمنية مختلفة فى أعمال انتقامية من جانب مجموعات من المواطنين وبعد أن ارتكبت القوات الأمنية أكثر من مذبحة بحقهم.
فقدان الحكام العرب القدرة على التعامل مع ثورات المواطنين بغير الاستعلاء السلطوى يعنى أن إمكانات التفاوض الحقيقى بينهم وبين مجتمعاتهم غائبة تماما.
وفى هذه الحالة يجد المواطنون أنفسهم أمام خيار واحد، الاستمرار فى الثورة إلى حين إسقاط النظام وتغيير الحاكم لأن استمرار الحاكم معناه ببساطة شديدة عنف وقمع واسع النطاق وانتهاكات منظمة لحقوق الإنسان وثوار يُدفعون إلى غياهب السجون وتنازلات جزئية أبدا لن تغير من الطبيعة الاستبدادية للسياسة.
يجد المواطنون أنفسهم أمام خيار واحد أيضا لأن حلول الوسط التوافقية بين حاكم وثوار والتى قد تضمن بقاء الحاكم لفترة على مقعده أو خروجه الآمن دون محاكمة نظير تحول ديمقراطى حقيقى تصبح بلا مضمون وبلا مصداقية شعبية ما إن تسيل دماء المواطنين خلال أيام الثورة.
يجد المواطنون أنفسهم أمام خيار واحد ثالثا لأن صراعهم مع الحاكم يتحول إلى ما يشبه العلاقة الثأرية المستندة إلى رغبة جماعية فى القصاص من الديكتاتور. يجد المواطنون أنفسهم أمام خيار واحد رابعا لأن الحكام بأجهزتهم الأمنية والمافيات الإجرامية التابعة لهم، فى لحظات الثورة، يخرجون للرأى العام متجردين من كل تجميل وظفوه سابقا لإخفاء حقيقة قبحهم وجرائمهم المنظمة ضد الإنسانية.
فلم يعد للمواطن السورى واليمنى اليوم، وكما كان حال المواطن التونسى والمصرى من قبل وبعد أن تكشف القبح هذا، إلا الاستمرار فى الثورة إلى أن يتطهر المجتمع بإزاحة الحاكم ومحاسبته.
لا يتعلم الحكام العرب من بعضهم البعض ويبدو أن النموذج الوحيد الحاضر فى أذهانهم وأذهان من حولهم فى لحظات ثورات المواطنين هو نموذج ميدان السلام (تيانمن) فى الصين.
إلا أن ما نجح به الحكم الشيوعى هناك بالقضاء العنيف على المطالبة الشعبية بالديمقراطية تحقق بأدوات لا تتوافر فى الحالات العربية، إن فيما خص توظيف العنف بكفاءة عالية أو لجهة العزل المجتمعى للاحتجاجات وحصرها فى مناطق محدودة.
نموذج ميدان السلام غير قابل للتكرار فى الحالات العربية ويخطئ الحاكم فى محاولة تنفيذه، إلا أن هذا يصب فى التحليل الأخير فى مصلحة إزاحتهم ومن ثم تحقيق التحول الديمقراطى.
وفى المقابل يُظهر المواطنون العرب مدى استطاعتهم الإفادة من تجاربهم المتشابهة وتوظيفها بالاستمرار فى المطالبة بالديمقراطية وتصعيد الحالة الثورية.
التونسيون والمصريون والسوريون واليمنيون وظفوا ويوظفون نفس الاستراتيجيات والأدوات فى مواجهة حكامهم المستبدين وتعلموا بكفاءة تلافى أخطاء سابقة، خاصة ما تعلق بماضى الاستجابة لوعود الحكام الشكلية وتنازلاتهم الجزئية والتى دوما ما أنهت الاحتجاجات الشعبية دون نجاحات يعتد بها.
الإصرار على التغيير وإنجاح الثورة باتا لازمتين متكررتين على امتداد الخريطة العربية تماما كما أصبح يوم الجمعة منذ الثورة المصرية يوما مفصليا فى حياة العواصم العربية.
الفجوة فى القدرة على التعلم والاستفادة المتبادلة بين حكام لا يتعلمون من جهة ومواطنين قادرين من جهة أخرى هى أحد المسببات الرئيسية لاتساع رقعة الثورة عربيا ومساراتها واضحة التطابق.
بقلم:عمرو حمزاوي - الشروق
No comments:
Post a Comment