Thursday, April 28, 2011

اختبار الإخوان


نجحت الثورة وظهر على السطح كثير منالجماعات التى اضطهدها النظام السابق، ومنها الإخوان المسلمين. صحيح أنها كانت موجودة طوال العهد السابق ولم يسفر اضطهادها إلا عن تعطيل عملية الانتقال الديمقراطى وإبقاء الجماعة على أفكارها القديمة نفسها دون أى تغيرات عميقة.

والمؤكد أن العودة الصارخة لكثير من التيارات الإسلامية، ومنها الجماعات السلفية المختلفة التى لم تكن لها علاقة بالسياسة، وبعضها وُظف فى معارك الأمن ضد الإخوان فدعمها وترك لها مساحة من التحرك طالما لا تتحدث فى السياسة إلا فيما يتعلق بطاعة أولى الأمر، فى حين حافظ آخرون على «النقاء العقيدى» ولم يُوظفوا فى معارك النظام السابق، وإن ظلوا أيضا بعيدين عن العمل السياسى.

ولذا جاءت تدخلاتهم طوال الفترة السابقة تنم عن عدم معرفة ليس فقط بأبسط القواعد السياسية، إنما أيضا بالعناوين المطروحة للنقاش العام، فنعم على الاستفتاء تحولت إلى «واجب شرعى» حول موضوع لا علاقة له بالدين، والعيد الديمقراطى بالتصويت بشكل محترم وراق على الاستفتاء تحول إلى غزوة الصناديق، وهكذا.

أما الجماعة الإسلامية فعادت مرة أخرى إلى الساحة السياسية بعد فترة اعتقال وحصار طويلين، وفترة الاعتقال الطويلة التى قضاها قادتها خلف القضبان.

ورغم المراجعة الفكرية العميقة التى قدمتها الجماعة وأعلنت فيها بصدق التخلى عن العنف، فإن التحدى الكبير أمامها يكمن فى امتلاك خبرة مدنية تتيح لها أو تسهل عليها مهمة الانتقال للعمل السياسى والحزبى، فتراثهم السابق لم يخرج كثيرا إلا عن كونها جماعة عنف تخلت عنه وقدمت مراجعة فكرية شجاعة لوقفه، وبعد ذلك لا شىء، نتيجة تعرضها لضغوط صارمة طوال العهد السابق لم تسمح لها بالمشاركة بأى شكل فى النشاط العام.

وبالنسبة لجماعة الإخوان فقد امتلكت خبرة مدنية بدأت منذ السبعينيات وامتدت لأكثر من 40 عاما مارست خلالها نشاطا طلابيا ونقابيا وبرلمانيا، وهى خبرة مهمة لم تعرفها الجماعة على نفس المستوى قبل ثورة يوليو، «فالإخوان المؤسسون» لم يكن لهم نائب فى البرلمان ولم يكن لهم تمثيل نقابى يذكر، وكانت الجماعة منتشرة وسط الطلاب ومؤثرة بالمعنى الاجتماعى والدينى كواحدة من كبرى الجماعات المنظمة فى ذلك الوقت دون أن يعكس ذلك تمثيل سياسى يذكر.

والحقيقة أن التحدى الذى واجهه الإخوان طوال الثلاثين عاما الماضية تَمَثل فى احتفاظهم بالبناء القديم الذى أسسه الإمام الراحل حسن البنا منذ عام 1928 (وسميناه التأسيس الأول للجماعة) ويقوم على المزج بين الدعوى السياسى، وقيام الجماعة بجميع المهام الاجتماعية والرياضية والدعوية والسياسية فى الوقت نفسه، وهو الأمر الذى جعلها تتعامل مع السياسة باعتبارها مجرد قسم من أقسام الجماعة.

وجاء قرار الإخوان بتشكيل حزب سياسى ليمثل خطوة فى اتجاه الفصل بين الدعوى والسياسى، والبدء فيما سبق أن سميناه «التأسيس الثانى للجماعة»، وإن ظل الحديث عن أن الحزب سيبقى أشبه بقسم من أقسام الجماعة بما يعنى إحكام السيطرة التنظيمية عليه واعتباره مجرد ذراع سياسية للجماعة.

ومع ذلك سيؤدى تأسيس حزب سياسى للجماعة إلى دخولها فى تحول تاريخى يتعلق بعضويتها، فلأول مرة سيدخل حزب الجماعة فى عضوية على البرنامج السياسى وليس البرنامج الدعوى، كما كان يجرى مع الجماعة، بما يعنى أننا سنكون أمام أعضاء من عموم المصريين قادرين على التأثير فى مسار الحزب وتحديد شكل علاقته بالجماعة.

إن التحدى الأول الذى سيواجهه حزب الإخوان سيتمثل فى كيفية أن يصبح جزءاً من قيم الجماعة لا مشروعها التنظيمى، أو بالأحرى جزءاً من القيم والمبادئ الإسلامية (التى من حق الجماعة أن تعتبرها أنها أحد تجلياتها وليس التجلى الوحيد)، كما جرى مع كثير من الأحزاب فى أمريكا وتركيا وباقى الدول الديمقراطية حين كانت تتأثر هذه الأحزاب بخطاب قوى وجماعات دينية أو سياسية أو اقتصادية، أما أن يصبح الحزب ذراعاً لجماعة فهو لم يحدث فى أى تجربة ناجحة، وفى حال تكراره فى مصر سيمثل امتداداً لتجارب الفشل فى السودان وأفغانستان لا تجارب النجاح فى تركيا وماليزيا.

أما التحدى الثانى فهو الفرصة التاريخية التى قد تكون الأخيرة لبناء تيار إسلامى مدنى وديمقراطى فى مصر لديه مرجعيته الإسلامية، ويخضع فى الوقت نفسه لكل القواعد المدنية والديمقراطية التى تحكم العملية السياسية، بعد عقود طويلة من الفشل والتعثر تتحمل مسؤوليتهما النظم المتعاقبة والتيارات الإسلامية.

والحقيقة أن أمام الإخوان المسلمين فرصة لم تتح للتيارات الأيديولوجية والعقائدية الأخرى مثل التيار القومى واليسارى من زاوية عودته فى ظل موجة ديمقراطية غير مسبوقة على المنطقة العربية، فقد قاد التيار القومى العالم العربى فى الخمسينيات والستينيات فى ظل غياب للديمقراطية كأولوية سياسية لدى النخبة والجماهير التى كان التحرر من الاستعمار مشروعها الأول، على عكس المرحلة الحالية التى أصبحت فيها الديمقراطية والكرامة والعدالة مطالب الشعوب العربية، ومنها الشعب المصرى، وأصبحت هناك فرصة تاريخية لإحداث دمج آمن للتيارات الإسلامية، وعلى رأسها الإخوان، فى هذه المبادئ، بشرط الالتزام بقواعد الديمقراطية واستحقاقات الدولة المدنية ومعرفة الأولويات الحقيقية التى يطالب بها الشعب المصرى وما إذا كانت «امتلاك الأرض» أم امتلاك القوت والكرامة والحرية والاستقلال الوطنى.

نعم يمكن لأى حزب ذى مرجعية إسلامية أن ينجح فى المساهمة فى نهضة هذا البلد، بشرط أن يحترم القواعد الديمقراطية والمدنية الحاكمة، وأن يعرف أن مرجعيته الدينية لا تعطيه، تلقائيا، وضعاً أفضل من الآخرين، إنما الرؤى والأدوات السياسية والممارسة المدنية هى التى تعطيه هذا الوضع، وأن الإخوان، كباقى القوى، فى مفترق طريق إما أن يساهموا فى نهضة هذا البلد أو يقعوا فى عراك أيديولوجى وفكرى يعيدهم إلى مربع ما قبل الثورة، وينسوا أن مبارك ترك بلدا مأزوما اقتصاديا وسياسيا منهارة فيه الخدمات والصحة والتعليم، وأن القادر على مواجهة هذه التحديات، بالفعل لا بالشعارات، هو الذى سيفوز بثقة الشعب المصرى

بقلم: د. عمرو الشوبكى

مصراوى

No comments: