كأنه بعث من جديد يحمل ملامحهم ويسير على خطاهم وينفث سمومهم ويضع الأختام على الأستار ويحيك المؤامرات ويشترى الذمم، ويقطع الماء عن الشريف، ويجزل العطاء للخسيس، يحيط نفسه بالمتصنعين الخاضعين بالقول، يصادق الأقلام الرخيصة، يكذب دائما ويتجمل غالبا، إنه الكاهن القديم الذى يدارى الخبايا ويهرب العطايا ويقرب البغايا.
عدة الشغل أو النصب سمها ما تشاء (قبعة وفرشاة وورنيش وقفة وعلم لدنى)، سيدته سوزان وسيده مبارك عندما كانا فى القصر، إنه فرعون التضليل وحامل لواء النصب، تلونه اختيار، وتقزمه فى حضرة الكبار انكسار، عاد بعد الإقصاء إلى سيرته الأولى بدعوة غير مبررة لمؤتمر صحفى لينفض عن نفسه غبار النسيان ويعود إلى الساحة مجددا بادئا قصيدته الجديدة بكفر عن تفسير خرافى لثورة ٢٥ يناير.
يعشق أضواء الكاميرات وأصوات العدسات وأسئلة الإمعات، وهب ريع عدة نصبه لمسالك النفاق وحكايا الاتفاق وبذخ الإنفاق لتجميل الصورة وتلميع الوجه الكالح وترميم الكذب الطافح وتأكيد مساخر الزمان الفارغ، مع الاستعانة بالتدفقات من حر مال المصريين ، وعلى نيل القاهرة حيث المطاعم والفنادق ترسم لوحات سيريالية ومقالات ألمعية وكتابات سردية عن عبقريته الفذة، ويحلى الكلام مع الأسماك التى تطغى رائحتها على كلمات النفاق وقهقهات الانعتاق من مزايا الأخلاق ومندوحة الاتساق مع ربيع الضمير وصالح الأوطان، إنها حكاية أخرى من حكايات عصر مبارك، لم تغادرنا رغما عن أنفنا بسبب سوء نظر واستسهال خطر وغياب لعقل يبدو أنه «قُبر».
يحكى الكاهن ذو القبعة عن سيدته سوزان قائلا «إنها سيدة فريدة تدرك تماما ما يمكن أن تقدمه، يجب أن تجد منا جميعا كل مساندة وتأييد»، ولا تختلف المداهنة كثيرا مع سيده الراقد فى شرم الشيخ وإن كانت مع سوزان تحمل نكهة أخرى كانت جزءا من دواعى الاستمرار والبقاء.
واذا كان العقل رأس التدبير، فتدبير الكاهن للحضور كثير بطعم الخزعبلات والاكتشافات المكتشفة وتسليط الإضاءات وترديد الترهات، وبينها قصص وروايات تصلح تمائم لدجالين أو مشعوذين أو سحرة مخرفين، دون سند أو دليل، الكاهن فقط لديه السند فى حجابه الحاجز، لايجوز الاطلاع عليه لأنه من المحرمات كقدس أقداس معبد آمون.
يصطنع سمات العارفين وقدرات العالمين ونماذج المؤملين الطامحين، ويحمل بداخله قلب شرير ولسان عربيد ونوايا شيطان رجيم، واسألوه عما كنا نملك ثم ذهب إلى يد اللصوص، وليجيبنا عن جولاته الأوروبية ومنحه الدولارية للشلة السنية من أقلام وأبواق التضليل العلية.
راغب فى الغنى والسعة من بيت مال المصريين، ومن الثابت أن حب الغنى يورث الندالة، والندالة تورث الطمع، والطمع يورث الخيانة والخيانة تورث السرقة، والسرقة تهتك المروءة، وهكذا كان مسعاه منذ تقلد المنصب، وإذا كانت للسلطة الحالية خطايا فإن بقاءه فى الإدارة أعظم خطيئة، وإذا كان لزاما علينا أن نقصى الفساد فإنه من كبار سدنته.
الكاهن دخل فى نفسه أن الأحوال ستدفعه إلى بئر التجاهل لتغيب عنه فكرة التطهير، لأن فى المنصب ثلاث فوائد حماية ووقاية وتأجيل حساب، ولا أملك فى الختام سوى قولين أحدهما بالفصحى للأخطل والآخر بالعامية لقارئ من معلقى «المصرى اليوم»، فيقول الأخطل فيمن مثله:
«ياشر من حملت ساق على قدم.. ما مثل قولك فى الأقوام يحتمل»
ويقول القارئ عنه وعن آخرين: اصحى يا مصر واوعى تنامى.. لسه فيكى كام حرامى
كلمة أخيرة:
لا تأخذكم الشفقة إلى بر التسامح مع مبارك، واشربوا عصيرا من أخبار وصور ضحايا العبارة، وقتلى التعذيب، والمنتهكة حرماتهم، والمنتحرون فقرا، والمسروقة أرضهم، والمستباحة أموالهم، والمحرومون من لقمة العيش.. إلخ، لتهدأ أنفسكم ويعود إليكم رشدكم.
علاء الغطريفى - المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment