Sunday, April 03, 2011

محمود عبد الرحيم يكتب: عودة الروح الثورية وفضيحة الإخوان السياسية

حدثان يدعوان للتفاؤل، أولهما"جمعة انقاذ الثورة" التى مثلت حالة استنفار واحتشاد لاصحاب الثورة الحقيقيين والداعمين لطريق استكمال مسيرتها، وكانت بمثابة عودة الروح الى الزخم الثوري، بعد موقعة حرف بوصلة الثورة المعروفة ب"الاستفتاء" وما ارتبط بها من شعور بالاحباط العابر، جراء صفقات انتهازية الجوهر ودينية المظهر، ومحاولة الالتفاف على مطالب الثورة واحراق ورقة الضغط الشعبي، وتقويض وسائل الاحتجاج السلمي المتعدد المستويات، سواء بمحاولة اصدار تشريعات مقيدة ومتجاوزة للمستقر عليه محليا ودوليا بشأن حرية التظاهر والاعتصام، أو بارسال بلطجية لمواقع الاحتجاج لارهاب المحتجين، أو تشويه النضال الديمقراطي بالزج بمن يطالب بمطالب غير مبررة ومستهجنة كمظاهرات عائلات السجناء الجنائيين المنددة بسجنهم والمطالبة بالافراج عنهم، أو حتى بارسال أنصار السفاح الليبي معمر القذافي للتنديد باستهدافه.

فنزول أصحاب وانصار الثورة الحقيقيين، دون غيرهم، لميادين مصر بهذه الاعداد الواثقة المؤمنة بقضيتها كان رسالة واضحة للمتلاعبين بالثوار، والمتآمرين على الثورة، تؤكد تجدد مسيرة الصمود والتحدي، والوعي بالخطر المتنامي، وفي ذات الوقت ابداء الاستعداد للتضحية من جديد لاستكمال طريق الحرية والعدالة والكرامة الانسانية، وعدم التراخي أو التسليم إزاء عودة خطاب المتخاذلين الداعين لقبول الأمر الواقع الفاسد، وأن اللعبة قد أنتهت وحسمت لصالح تيار وقوي مصلحية بعينها، نراها، تحالفت لتحويل الثورة إلى حركة اصلاحية محدودة الأثر، لا تلبي الحد الأدني من الطموحات، أو تتناسب مع حجم التضحيات.

أما الحدث الثاني الذي يكتسب أهمية خاصة، فيتمثل في الانشقاقات المتوالية لكوادر جماعة الاخوان المسلمين، والخطاب المرافق لها، الذي يؤكد ديكتاتورية هذا التنظيم ومعاداته للديمقراطية حتى بين رجاله و انصاره، وعدم الاعتراف بالاختلاف فى الرأى أو تمايز المواقف، و اهدار مبدأي الشفافية و المحاسبية، لصالح الانفراد بالقرارات من قبل ما يمكن أن تسمى ب"السلطة العلوية" أو هيئة الاركان المعصومة من النقد والمسائلة والمشاركة، في مقابل السمع والطاعة العمياء بلا نقاش أو مشورة من قبل "القاعدة الجماهيرية" أو الجنود الذي لا وزن لهم ولا قيمة لأصواتهم، وفق المقاربة مع الوضعية العسكرية التقليدية، الأمر الذي طال الكوادر التى تبحث عن قدر من الاستقلالية أو الانسجام مع الشعارات المرفوعة، أو الشعور بالمسئولية الوطنية، مثلما حدث مع القيادي الأخواني السكندري هيثم أبو خليل الذي يستحق من ملايين المصريين التحية والتقدير، على موقفه الأخلاقي الجدير بالاحترام ، وتغليبه للمبادئ على المصلحة، وتأكيد انحيازه للثورة والشعب، لا جماعة تقول ما لا تفعل، وتتاجر بالشعارات الدينية، في وقت تمارس فيه السياسة بالمنهج الميكافيلي الانتهازي في أسوأ معانيه، و أفعالها تثبت كل يوم أن لديها الاستعداد للتضحية بالقيم والمبادئ، مقابل المصالح الخاصة الضيقة.

وربما تقديري الخاص لهيثم أبو خليل أن إعلانه عن فضيحة الصفقة السرية للاخوان مع نظام مبارك، عبر رئيس المخابرات السابق عمر سليمان التى تستهدف ضرب الثورة، جاء في توقيته المناسب، ويكتسب أهمية خاصة في كونه شهادة من داخل هذا التنيظم، ما يعد بمثابة ضربة قاصمة للرموز المختالة المتبجحة من الاخوان التى تدعي فضلا ليس لها على الثورة التى خانتها، وهي، بلاشك، فضيحة سياسية بكل معنى الكلمة، خاصة بعد أن "شهد شاهد من أهلها".

والقنبلة ذات العيار الثقيل التى فجرها أبو خليل جاءت لتؤكد ما ذهبت إليه في مقال أخير لى واجهت فيه الاخوان بهذه السقطة الاخلاقية التى يسعون لإخفائها بقنابل الدخان التى يلقيها رئيس أركان جماعة الاخوان عصام العريان وجنوده على المطالبين بتحول ديمقراطي حقيقي في اطار دولة مدنية عصرية لا تنظر للوراء ولا تبتذل الدين في السياسة، ما استوجب هجوما عنيفا علىّ، مثل نوعا من الارهاب الفكري بتجاوزه حد اللياقة إلى الابتذال والشتائم والاتهامات الجوفاء المعتادة لمن يعارضهم الرأي والتجاوز الاخلاقي، وهي جريمة أخرى من جرائم من يدعون عفة اللسان والمجادلة بما هي احسن، فضلا عن تهديدات مبطنة، وصلتني حتى على بريدي الشخصي، ومن خلال زملاء من الجماعة.

وربما ما حصل مع ابو صالح ومعي شخصيا من ارهاب فكري دليل عملي علي قناعات وسلوكيات قيادات جماعة الاخوان الاقصائية القمعية، ويرسم لسيناريو مستقبلي لنهج الاخوان اذا ما اتيح لهم السيطرة على السلطة، أو كانوا شركاء فيها، من حيث تكميم الافواه وقمع الحريات، والاغتيال المعنوى، ان لم يكن المادي للمعارضين لرؤاهم المشوهة والمشوشة والرجعية ذات الطابع الانتهازي.

وربما كان الدكتور ابراهيم الزعفراني أقل جرأة وراديكالية من ابو صالح، غير أن بيان أسباب استقالته هو الآخر، يؤكد ديكتاتورية قيادة الجماعة، وغياب الديمقراطية حتى بين ابنائها.

والسؤال هنا.. هل من يقمع ويهمش ويلاحق المعارضين من انصاره، قادر على التعامل بديمقراطية وشفافية ونزاهة وتسامح مع المختلف معه سياسيا وفكريا ودينيا؟!

أم أنه سيسعى إلى اقصائه واستهدافه بكل السبل حتى غير المشروعة؟، وهل بهذه المعطيات تختلف جماعة الاخوان وقيادتها عن حزب الوطني الساقط، ونظام الرئيس المخلوع مبارك وعصابته، أم انهما وجهان لعملة واحدة، لذا كان التحالف بينهما يسيرا، طالما ثمة مصلحة مشتركة، ولو ذهبت مصر والمصريين والثورة للجحيم.؟

بالمناسبة، مثلما يمتلك الحزب الوطني لجنة اعلامية الكترونية ذات طابع تشويشي وتشويهي للمعارضين مازالت تعمل حتى الآن وتدعو لتكريم مبارك واعادته، لدى الاخوان نفس الآلية ذات النهج العدواني الارهابي القمعي، لذا لا نعجب من استهداف اي كاتب أو سياسي على الانترنت أو عبر التعليقات الهجومية الموجهة بالصحف والمواقع.

أخيرا، هذه رسالة نوجهها للرأى العام، خاصة قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة، ليتذكر من هم الاخوان، و ليعي أن الله لم يوكل احدا ليتحدث باسمه، وأن الجماعة وقيادتها ليسوا وكلاء عن الاسلام، وليسوا ملائكة منزلين أو رسولا مبشرين فوق النقد والحساب، وأن اقنعة الصلاح والتقوي التى يرتدونها كلما تتساقط نرى صورتهم الحقيقية غير الملونة والمجملة، فقد آن أوان الفرز والحسم، وتغليب المصلحة العامة على الخاصة، والتفريق بين اصحاب الشعارات والادعاء والمتاجرة بالدين وبين أصحاب الأفعال والمواقف المشرفة والتضحيات الحقيقية.

وعلي ابناء الجماعة خاصة الشرفاء منهم والوطنيون المخلصون ان يقوموا بمراجعة شجاعة، تحسم موقفهم الملتبس، فإذا ارادوا ان يكونوا فصيلا سياسيا، عليهم أن يلتزموا بوضوح بقواعد اللعبة السياسية الديمقراطية المدنية، أما اذا ارادوا ان يكونوا جماعة دعوة، فعليهم ان يعتزلوا السياسة نهائيا، لكن الجمع بين السياسة والدين مفسدة للاثنين وتضليل وخداع للجماهير وانتهازية مستهجنة ودجل فات أوانه.

محمود عبد الرحيم - الدستور الأصلى

No comments: