Monday, March 21, 2011

"صنع الله" رفض دخول الحظيرة

من البديهي في ظل حالة الرغبة في الصعود إلى قمة الهرم أن نجد كاتباً محترماً أو مثقفا كبيرا يكيل المديح للرئيس السابق "حسني مبارك" وبات من الشائع أن عدداً كبيراً من المثقفين يغازلون السلطة عن طريق تدعيم ملف التوريث ودائماً الحجة التي يدركون هم كذبها قبل أي أحد آخر هي أن الانتخابات هي التي تحدد من يعتلي كرسي الرئاسة وعادة يضيفون كنوع من تحلية البضاعة ولماذا نعاقب ابن الرئيس لمجرد أنه ابن الرئيس ونحرمه من تلك الفرصة ونحرم أنفسنا من أن يحكمنا واحد من آل بيت الرئيس الذي هو أدرى بشعابها؟!

كنت أتابع كل ذلك وأشعر أن القسط الوافر من المجتمع يبيع نفسه أمام الحاجة إلى المزيد من المكاسب ورغم ذلك كنت أرى البعض وهو يرفض أن يصبح ترساً في هذه المنظومة الكاذبة.. أمثلة عديدة لم تبرح الذاكرة أسماء بقامة وقيمة "عبد الوهاب المسيري" ،"مجدي مهنا"، "جورج اسحاق" ، "عبد الحليم قنديل" ، "حمدي قنديل" ، "علاء الأسواني" ، "محمد عبد القدوس "إبراهيم عيسى" ، "بلال فضل" وغيرهم بالطبع ولكن هذا ليس توقيت الحصر إلا أننا يجب أن نعترف أن أغلب المثقفين دخلوا الحظيرة والكل كان يعرف أن المطلوب هو مغازلة الرئيس والتمهيد لملف التوريث وبعضهم كان يعرف أن صاحبة القرار الذي لا يرد لها طلباً في الشئون الثقافية هي "سوزان مبارك" وأن مدح زوجة الرئيس هو الطريق السحري للترقي وصار لها مكانة في الصفحات الأولى وليس فقط صفحات المجتمع وهكذا تورط 90% من المثقفين في مدح "سوزان مبارك" والتي كانت دائماً لا ترتوي وتطمع في المزيد.. إلا أن المشهد الذي لم يبرح أبداً ذاكرتي فهو للأديب "صنع الله إبراهيم" عندما وقف على خشبة المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية قبل 7 سنوات ورفض جائزة الرواية وقدها 200 ألف جنيه ويجب أن نلاحظ أن هذا الرقم يعد بالنسبة للأديب ثروة ضخمة!!

كانت الدولة تدرك أن "صنع الله" له آرائه التي ترفض النظام ولكن تواجد "د. جابر عصفور" في تلك السنوات على رأس المجلس الأعلى للثقافة حيث كان هو الأمين العام والخطة المطلوب تنفيذها هي احتواء الجميع داخل مظلة الدولة كانت هذه هي الأجندة التي من أجلها تم تصعيد "د. جابر" ليصبح الرجل الثاني في وزارة الثقافة وحلقة الوصل بين الوزارة والمثقفين خاصة من الكتاب وهكذا تحمل "د. جابر" المسئولية أمام الوزير مؤكداً أن "صنع الله" في طريقه للحظيرة ومعنى قبول "صنع الله" لجائزة الرواية فإن التقديرية وبعدها جائزة "مبارك" سوف تنتظره وساير "صنع الله" جابر وأوهمه أنه وافق على تلك الصفقة وعندما صعد على المسرح ووقف بين وزير الثقافة "فاروق حسني" و "جابر عصفور" طلب الكلمة واعتقدوا أنه سوف يكيل المديح للدولة وربما للوزير كما تعودنا في مثل هذه المواقف ولكن "صنع الله" أعلن أنه يرفض هذه الجائزة التي تأتى من حكومة فاسدة!!

وأسقط في يد الجميع وبدأت الدولة في الانتقام وصار "صنع الله" غير مرحب به ضيفاً في تليفزيون الدولة والقنوات الخاصة أيضاً كانت تتحرج في استضافته.. كان المطلوب هو منع الماء والهواء والضوء عن هذا الأديب الكبير.. كان قطاع المسرح التابع للدولة قد رشح روايته "اللجنة" لتقديمها على خشبة المسرح وأعدها المخرج "مراد منير" وتحمس لها "نور الشريف" ولكن تدخل الوزير وألغى العرض كنوع من الانتقام الموجه إلى "صنع الله"؟!

يجب أن يعترف المثقفون أنهم لم يلعبوا دورهم الحقيقي في محاربة وكشف فساد النظام وأنهم أقصد أغلبهم كانوا متواطئين ولو حتى بالصمت وبعضهم كان يحصل على الثمن.. الآن هناك بالتأكيد من يستحقون التحية من وزير الثقافة الجديد "محمد عبد المنعم الصاوي" والذي حقيقة لم أشعر بارتياح لاختياره وزيراً لما عرف عنه من تزمت أثناء إدارته لساقية الصاوي ولكن أراه أحد الحلول الممكنة في هذه المرحلة الانتقالية من عمر مصر.

كان "د.عصفور" في الفترة المحدودة التي تولى خلالها حقيبة وزارة الثقافة قبل أن يتقدم باستقالته قد أصدر أول قرار له بتوجيه الشكر إلى "فاروق حسنى" عما قدمه للثقافة..

أتمنى أن يكون أول قرار لعماد أبو غازى هو محاسبة "فاروق حسنى" عما أفسده في الحياة الثقافية.. أما القرار الثاني فهو تكريم "صنع الله إبراهيم" هذا الأديب الكبير الذي قال لا قبل أكثر من 7 سنوات عندما كان من يقول لا يدفع الثمن غالياً ودفع "صنع الله" الثمن فهو واحد من الكبار الذين مهدوا للثورة..

أنتظر تكريماً ضخماً يليق بهذا المبدع الكبير الذي لم ألتقي به شخصياً حتى الآن ولكني لا أنسى أبداً هذا الرجل بجسده الضئيل وهو يرفض أن يكون واحداً من عشرات دخلوا طواعية حظيرة "فاروق حسني

- الدستور الأصلى


No comments: