Sunday, March 13, 2011

المستشار الدكتور جميل صبحى برسوم يكتب: هل نساهم فى إجهاض الثورة؟

تم الإعلان عن تحديد يوم ١٩ مارس القادم لإجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية، رغم الاعتراضات العديدة عليها، مما قد يعرضها إلى عدم الموافقة عليها فى الاستفتاء، فماذا سيكون الحل بعد ذلك؟

هل سيتم تعديلها مرة أخرى ثم تعرض على الاستفتاء للمرة الثانية؟!

وإذا كان من يدلى بصوته راضيا عن بعض هذه التعديلات دون البعض الآخر فلا خيار أمامه سوى رفضها جميعا، والنتيجة هى توسيع قاعدة الرافضين، خاصة أنها لم تعرض على الرأى العام لمناقشتها.

لقد تم وقف العمل بالدستور وتعطيله، فكيف يتم الاستفتاء على تعديلات دستور معطل دون الإعلان عن إعادة العمل به؟ وإذا تم هذا الإعلان فإن معنى ذلك سريان باقى مواده التى لا تساير مبادئ الثورة، ومنها السلطات المطلقة لرئيس الدولة الذى سيتم انتخابه وفقا لهذا الدستور المعيب!

إن التعديلات عليها مآخذ كثيرة، منها على سبيل المثال شروط الترشح للرئاسة، والتى من الواضح أن المقصود منها استبعاد أشخاص معينين- لنعود بذلك إلى أسلوب النظام السابق!!- وذلك باشتراط ألا تكون للمرشح جنسية مزدوجة، وألا يكون متزوجا من أجنبية. هذا الشرطان يتعارضان مع الدستور ومع القانون، فالدستور المصرى -وأى دستور فى العالم- ينص على المساواة بين الأفراد فى الحقوق والواجبات دون تمييز، والقانون المصرى يسمح بالجنسية المزدوجة دون أى قيود، فالذى يكتسب جنسية أخرى بجانب جنسيته المصرية لا يخالف القانون، فإذا أردنا أن نحرمه من الترشح يجب أولاً أن يتم النص فى الدستور أو القانون على حرمان من يكتسب جنسية أخرى من الترشح للرئاسة أو للمجالس النيابية أو حرمانه من تولى مناصب معينة، ومادام لم يتم هذا النص، وما دام مازال متمتعا بجنسيته المصرية، فهو مواطن مصرى له جميع حقوق المواطنة، ولا يصح بأى حال الانتقاص منها، وإلا يكون هناك تمييز بين مصرى وآخر ينهى عنه الدستور.

وكذلك فإن شرط عدم الزواج من أجنبية فيه أيضا تمييز بين مصرى وآخر ينهى عنه الدستور، ولم يمنعه القانون، فضلاً عن أنه يعد تدخلاً فى حياته الخاصة وفى حريته فى اختيار شريكة حياته، وهذه أبسط قواعد العدالة الاجتماعية والحريات الشخصية.

هذا فضلاً عن أن كثيراً من المصريين اضطروا خلال عشرات السنين السابقة إلى الهجرة بسبب ما كان يسود البلاد من فساد وعدم تكافؤ الفرص والمحسوبية والوساطة، واضطروا بالتالى إلى اكتساب جنسية الدولة التى هاجروا إليها، أو إلى الزواج من أجنبية، بقصد استقرار أحوالهم وأخذ فرصتهم فى هذه الدولة، وبالفعل نبغ منهم كثيرون، وأصبح منهم علماء كبار وخبراء دوليون، وحصلوا على تقدير العالم كله، وعلى جوائز وأوسمة عالمية، فكيف نحرم بلدنا من هذه الكفاءات؟!

إن هؤلاء، بعد أن زالت أسباب هجرتهم، وبعد بزوغ نسائم الحرية والديمقراطية والعدالة فى بلدهم، يأملون فى العودة إلى وطنهم الحبيب، للمساهمة بعلمهم وخبرتهم وأموالهم فى النهوض ببلدهم سياسيا واقتصاديا واجتماعياً، ويجب أن نشجعهم على ذلك لأننا فى أشد الحاجة إليهم فى هذا الوقت بالذات، ولا نضع أمامهم القيود والعراقيل بحجة حصولهم على جنسية أخرى أو زواجهم من أجنبية. إن هذا التعديل الذى لا يتفق مع الدستور أو القانون يصيبهم بالإحباط، ويدفعهم إلى عدم الانتماء لوطنهم الأصلى الذى يحنون دائماً إلى العودة إليه، وبدلاً من أن نشجعهم، نقول لهم إنكم غرباء عنا وليس لكم من الحقوق ما لمواطنيكم من المصريين، ونتساءل: ما الذى نخشاه منهم.. هل نخشى أن تصيبنا منهم عدوى العلم ومبادئ الديمقراطية والمساواة والعدالة التى اكتسبوها من الخارج؟ يبدو أننا اعتدنا على التخلف ولا نريد بديلاً عنه!

وهناك تعديل آخر ثار عليه الجدل أيضا، وهو إسناد الفصل فى صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب -دون مجلس الشورى!- إلى المحكمة الدستورية العليا بدلاً من محكمة النقض، ولا ندرى ما هى الحكمة من هذا التعديل، هل هى عدم الثقة فى محكمة النقض؟! إن هذه الأخيرة مارست هذا العمل طوال عشرات السنين الماضية وأصدرت فيه قرارات صائبة لم يكن يعيبها سوى أنها غير ملزمة، فما هو مبرر سحب هذا الاختصاص منها؟

وهل من اللائق أن نضيف عبئا جديداً على عاتق المحكمة الدستورية ليتفرغ له بعض أعضائها، قليلى العدد أصلاً، وننتقص من قدرتها على الفصل فى الطعون الدستورية الذى هو اختصاصها الأصلى والذى أنشئت من أجله بنص الدستور؟ ثم إن قيامها بالفصل فى صحة عضوية البرلمان يتعارض مع اختصاصها بالفصل فى الطعون الدستورية، إذ من الوارد جدا أن يتم الطعن أمامها بعدم دستورية بعض أو كل نصوص قوانين الانتخاب أو قوانين المجالس النيابية فيما يتصل بشروط الترشيح والمرشحين ونسبة العمال والفلاحين وكوتة المرأة... إلخ.

فكيف يستقيم لها الفصل فى هذه الطعون، وفى نفس الوقت يكون لها اختصاص الفصل فى صحة عضوية أعضاء البرلمان؟! فضلا عن أنه من المحتمل جداً الطعن أمامها بعدم دستورية هذه التعديلات التى نحن بصددها، لأنها بالفعل غير دستورية كما أوضحنا.

وإذا كان المقصود أصلا هو إقصاء محكمة النقض عن الفصل فى طعون صحة العضوية معد فإن الأجدى أن تفويض الاختصاص فيها إلى مجلس الدولة وليس إلى المحكمة الدستورية، رغم أن مجلس الدولة هو الآخر لديه أعداد رهيبة من الطعون الإدارية يستغرق الفصل فيها وقتاً طويلاً.

هذا عن بعض التعديلات الدستورية التى يثور فيها الجدل، والتى يصر المجلس الأعلى للقوات المسلحة على عرضها للاستفتاء رغم الاعتراضات الكثيرة عليها والتى قد تؤدى إلى رفضها فى الاستفتاء، وعلى فرض تمت الموافقة عليها فماذا بعدها؟ هناك فرضان: إما أن يستجيب المجلس الأعلى للمطالب الشعبية بإرجاء انتخابات البرلمان إلى ما بعد انتخابات الرئاسة وبعد إصدار دستور جديد يحدد شكل البرلمان، وإما أن يصر المجلس على إجراء الانتخابات البرلمانية بعد الاستفتاء مباشرة، ولكل من هذين الفرضين خطورته:

أولاً: كيف تجرى الانتخابات الرئاسية فى ظل الدستور المعطل وفى هذه التعديلات المعيبة؟ ولا ندرى كيف التمسك بدستور سقط بقيام الثورة وتم تعطيله بالفعل؟ إن هذا الدستور المعطل يعطى رئيس الدولة سلطات واسعة عانينا منها الكثير، وبموجبه يتم حلف اليمين للرئيس الجديد أمام مجلس الشعب وهو غير موجود، فكيف تجرى الانتخابات الرئاسية فى ظل هذا الدستور الذى أجمع الشعب على عدم صلاحيته جملة وتفضيلا، وضرورة وضع دستور جديد يحقق أهداف الثورة.

ثانيا: كيف تتم انتخابات لمجلسى الشعب والشورى فى هذا الوقت العصيب ووفقاً للدستور المعطل وبنفس الشكل القديم؟! وكأننا نسعى إلى استمرار النظام السابق بكل عيوبه ومفاسده!! كيف يأتى مجلس شعب نصفه من العمال والفلاحين، مع تقديرنا الكامل لمواطنينا الشرفاء من العمال والفلاحين، ولكن المجلس له دور تشريعى ورقابى يتطلب أن يكون الأعضاء على مستوى معين من الخبرة بالعمل السياسى ومناقشة التشريعات ومحاسبة الحكومة، بل إننا نطالب بأن يكون المرشح حاصلاً على مؤهل عال.

ثالثا: كيف ننتخب مجلس شورى أجمع الشعب على ضرورة إلغائه لعدم جدواه، لا من الناحية التشريعية ولا من الناحية الرقابية؟! وكيف ولماذا يتم تعيين ثلث أعضائه؟ فضلاً عن أنه من المؤكد أن يتم إلغاؤه فى الدستور الجديد، وبالتالى سيتم حله بعد شهور قليلة، هو ومجلس الشعب أيضاً.

رابعاً: إذا أضفنا إلى كل ذلك أن الظروف الحالية غير مهيأة على الإطلاق لإجراء أى انتخابات لما يعلمه الجميع من انفلات للأمن ومحاولة النظام السابق إحداث فوضى فى البلاد، فإنه من الحكمة العدول تماماً عن فكرة إجراء انتخابات برلمانية فى الوقت الحالى، والقول بغير ذلك إنما يقودنا إلى الشعور بأننا نحاول إجهاض الثورة والعودة إلى الوراء والتمسك باستمرار النظام السابق، خاصة أن هناك علامات استفهام كبيرة حول غياب الأمن الآن رغم مرور حوالى شهر ونصف على انسحاب الشرطة، وحول عدم حل الحزب الوطنى الآن رغم أن الثابت لدى الجميع أنه هو الذى أفسد الحياة السياسية والاقتصادية ومازالت أذنابه تسعى جاهدة لإفشال الثورة بأى وسيلة، وسوف نتيح لهم الفرصة كاملة لتحقيق هدفهم بإجراء هذه الانتخابات.

خامساً: ما هى الصعوبة فى عودة الأمن؟ إذا كان بعض رجال الشرطة يمتنعون عن النزول إلى الشارع، فيمكن تعويض هذا النقص مؤقتاً بالاستعانة ببعض رجال الشرطة العسكرية إلى جانب شرطة وزارة الداخلية، أو الاستعانة بشباب ثورة ٢٥ يناير، أو العودة إلى فكرة اللجان الشعبية من أبناء كل حى والتى أثبتت نجاحها خلال الثورة، على أن يتم ذلك بتنظيم من وزارة الداخلية ووزارة الدفاع، بحيث لو اشتركت كل هذه العناصر فى حفظ الأمن، وبالتنسيق فيما بينها، لأمكن السيطرة على الشارع خلال الفترة التى يستغرقها إعادة تنظيم جهاز الشرطة وعودته بكامل أفراده وإمكانياته إلى مباشرة عمله الضرورى والمهم لحفظ الأمن فى البلاد.

سادسا: ما هو الحل إذن للخروج من هذا الوضع الصعب الذى نحن فيه؟

يجب أولاً أن نطرح جانبا فكرة وجود دستور، فقد انتهى بقيام الثورة، وبالتالى لا مناص من البدء فوراً، وقبل كل شىء، فى وضع دستور جديد ينبثق من مبادئ الثورة، وبواسطته تتم إعادة بناء مؤسسات الدولة وفقاً لما ينص عليه، وعلى ذلك وبمنتهى البساطة، وبدون أى تعقيدات أو رواسب من الماضى يصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بياناً دستورياً بتشكيل لجنة تأسيسية لوضع الدستور الجديد تتكون من عدد كاف من الشخصيات التى تمثل التيار الليبرالى الحر المحايد، بعيداً عن الأحزاب القائمة وعن التيارات الدينية، وتتضمن عناصر قانونية وقضائية وسياسيين ومفكرين.. إلخ.

وتمنح اللجنة فترة كافية لصياغة الدستور، ثم ينشر على الرأى العام لإبداء الرأى فيه ومناقشته قبل عرضه على الاستفتاء..

وسوف تستعين اللجنة بما ورد فى دساتير ٢٣، ٥٤، ٧١، وتأخذ منها ما يتناسب مع العهد الجديد، مع ما تراه من تعديلات وإضافات، وسوف يساعد ذلك على تسهيل مهمتها، والإسراع من الانتهاء منها فى أقرب وقت، وبهذا الحل البسيط والسريع ننتهى من الجدل حول تعديلات معيبة على دستور ملغى، وحول ما إذا كنا نجرى الانتخابات البرلمانية قبل الرئاسية أم العكس.. إلخ، ونحصل فى وقت قصير على دستور جديد نقى يحقق المبادئ التى قامت الثورة من أجلها.

رئيس محكمة الاستئناف وعضو مجلس القضاء الأعلى سابقا

المصرى اليوم

No comments: