حزن الفقراء
قرأت نداء على الفيس بوك يقول الى كل طبيب مصرى عنده ضمير ..مستشفى دير سمعان خراز بالمقطم تحتاج الى اطباء ومستلزمات طبيه ..فاذهب الى هناك.
اعتبرت ان هذا النداء موجها لى مع اننى لست طبيبه.
ربما كنت احتاج الى اى "حجه" للذهاب.
اعتدت على تلبية نداءات "العدرا" والبحث عن سبب شكلى مقنع لمن حولى يبرر سعى اليها.
اتصلت بصديقه استاذه فى القصر العينى ، كانت تتصل بى يوميا طوال الايام الماضيه لتسألنى النصيحه (ممكن نعمل ايه للبلد ؟! انا قلقانه جدا على مصر وعايزه اعمل حاجه)
طلبت منها ان تأتى معى الى هناك وبذلك تكون قدمت للبلد عملين – الاول: علاج من يحتاج من المصابين وتقديم ارشادات للاطباء المتواجدين باعتبارها استاذه ،والثانى: اظهار تضامن المسلمين باعتبارها محجبه .
وافقت بدون تفكير، اجرت اتصالات لالغاء ارتباطاتها ، وانضمت الينا صديقه ثالثه استاذه فى طب الفيوم ، وانطلقنا . كانت كلمتى السر (دكاتره ..مستشفى ) تفتح لنا كل الطرق حتى تلك المغلقه بأمر الجيش .
فى حجرة مكتب ابونا سمعان كان الزحام شديدا ، نفس الزحام على السلم وفى طرقات الدير ، ونفس الزحام امام بوابة الدير وحوله .
هذا الزحام قابلته من قبل مرات عديده على مدى العشرين عاما الاخيره فى الكوارث التى تعرض لها فقراء مصر .
لايختلف زحام الدير الحزين عن زحام صخرة الدويقه ، الا فى اعداد الصلبان المرفوعه وفى الهمس بكلمة (المسلمين او هما)كثيرا رغم ان الفقر والحزن والرعب والغضب لا يفرق بين مسلم ومسيحى ولا بين احنا وهما .
(الغريب ان زحام كنيسة القديسين بالاسكندريه كان شكله مختلفا !! اعتقد بسبب الفارق الطبقى)
المكان نفسه ايضا ليس جديدا على فقد سبق لى زيارة حى الزرائب او الزبالين اكثر من مره ، وهو حى له سمات تميزه عن الاحياء العشوائيه او الفقيره ، شكلا ورائحة ، الهواء هنا له رائحه خاصه هى مزيج بين رائحة الدخان والمخلفات .
هذه الرائحه لا يشمها الا الغرباء .
وقد كنا - رغم ما نحمله من نوايا طيبه ومشاعر محبه -غرباء .
لم نستطع ان نفعل شيئا لاننا وجدنا كل المصابين تم نقلهم الى مستشفيات كبيره لخطورة حالاتهم ، وبقى فى المستشفى جثامين الشهداء ، مما ضاعف الصراخ والبكاء حولنا .
تعلمت فى مثل هذه المواقف ان التصرف الامثل هو الصمت والاستماع والموافقه والمواساه وفقط .
اعتدت ان اسمع جمل (انتوا جايين ليه؟ هتعملوا لنا ايه؟ هتقدروا تجيبوا لنا حقنا؟ بعد ايه؟ انتوا زيهم؟) وتعلمت ان اجيب بجمل لا معنى لها مثل (عندك حق ، معلش ، ربنا يصبرك).
لكن الموقف بالنسبه لصديقتي الدكتوره شهيره والدكتوره عاليه كان موقفا جديدا عليهما تماما.
كل التفاصيل كانت صادمه ، وظهرت اثار الصدمه على وجهيهما.
اندمجت شهيره فى حوارات هامسه كانت تلعب دور المستمعه فى اغلبها.وكان الواضح ان شعرها الاسود القصير اعطى لهم انطباعا بانها محل ثقه.
اما عاليه فقد اصرت على ان تدخل مناقشات صريحه تتولى فيها الدفاع عن الجيش و عن المسلمين ، وتوضح لهم فيما يشبه المحاضره بالفصحى استحالة ان يتعمد الجيش ايذاء اى مواطن مصرى ، وان المسلم الحق يضحى بنفسه ليحمى اخيه المسيحى .
حاولت ان اثنيها عن الاستمرار، همست فى اذنها (خلاص ياعاليه هنتضرب)، ففوجئت بها تؤنبنى قائله (لا يانجلا لازم يعرفوا الحقيقه..الجيش معاهم واحنا معاهم .. وفيه مؤامره عشان يفرقوا بينا .. لازم نتصدى للمؤامره )
اندفعت سيده ترتدى ملابس تشبه ملابس النوم تشق الزحام فى اتجاهنا ، دفعتنى فى كتفى بقوه حتى اتحول للنظر اليها وقالت بصوت صارخ باكى (مش حرام عليكم .. موتوا ابنى .. لو ابنك ده تعملى ايه )
لم انطق كلمه فقط تمكنت بصعوبه من ان ارفع يدى واربت على كتفها وهى تزيح يدى بقوه وتكمل (حرام عليكوا)
فوجئت بالدكتوره عاليه تصرخ باكيه تماما مثل السيده قائله (ما تقوليش كده .. لا ما تقوليش كده .. احنا مش ممكن نقبل كده ابدا )
اندفعت السيده لتقترب منها اكثر وهى تصرخ (ابنى .. ابنى)، مع حركتها تحركت الجموع على شكل موجه ابعدتنى عن عاليه وقربتهما ، فرأيتهما من على بعد خطوات تتعانقان وتبكيان معا
اعتبرت ان هذا النداء موجها لى مع اننى لست طبيبه.
ربما كنت احتاج الى اى "حجه" للذهاب.
اعتدت على تلبية نداءات "العدرا" والبحث عن سبب شكلى مقنع لمن حولى يبرر سعى اليها.
اتصلت بصديقه استاذه فى القصر العينى ، كانت تتصل بى يوميا طوال الايام الماضيه لتسألنى النصيحه (ممكن نعمل ايه للبلد ؟! انا قلقانه جدا على مصر وعايزه اعمل حاجه)
طلبت منها ان تأتى معى الى هناك وبذلك تكون قدمت للبلد عملين – الاول: علاج من يحتاج من المصابين وتقديم ارشادات للاطباء المتواجدين باعتبارها استاذه ،والثانى: اظهار تضامن المسلمين باعتبارها محجبه .
وافقت بدون تفكير، اجرت اتصالات لالغاء ارتباطاتها ، وانضمت الينا صديقه ثالثه استاذه فى طب الفيوم ، وانطلقنا . كانت كلمتى السر (دكاتره ..مستشفى ) تفتح لنا كل الطرق حتى تلك المغلقه بأمر الجيش .
فى حجرة مكتب ابونا سمعان كان الزحام شديدا ، نفس الزحام على السلم وفى طرقات الدير ، ونفس الزحام امام بوابة الدير وحوله .
هذا الزحام قابلته من قبل مرات عديده على مدى العشرين عاما الاخيره فى الكوارث التى تعرض لها فقراء مصر .
لايختلف زحام الدير الحزين عن زحام صخرة الدويقه ، الا فى اعداد الصلبان المرفوعه وفى الهمس بكلمة (المسلمين او هما)كثيرا رغم ان الفقر والحزن والرعب والغضب لا يفرق بين مسلم ومسيحى ولا بين احنا وهما .
(الغريب ان زحام كنيسة القديسين بالاسكندريه كان شكله مختلفا !! اعتقد بسبب الفارق الطبقى)
المكان نفسه ايضا ليس جديدا على فقد سبق لى زيارة حى الزرائب او الزبالين اكثر من مره ، وهو حى له سمات تميزه عن الاحياء العشوائيه او الفقيره ، شكلا ورائحة ، الهواء هنا له رائحه خاصه هى مزيج بين رائحة الدخان والمخلفات .
هذه الرائحه لا يشمها الا الغرباء .
وقد كنا - رغم ما نحمله من نوايا طيبه ومشاعر محبه -غرباء .
لم نستطع ان نفعل شيئا لاننا وجدنا كل المصابين تم نقلهم الى مستشفيات كبيره لخطورة حالاتهم ، وبقى فى المستشفى جثامين الشهداء ، مما ضاعف الصراخ والبكاء حولنا .
تعلمت فى مثل هذه المواقف ان التصرف الامثل هو الصمت والاستماع والموافقه والمواساه وفقط .
اعتدت ان اسمع جمل (انتوا جايين ليه؟ هتعملوا لنا ايه؟ هتقدروا تجيبوا لنا حقنا؟ بعد ايه؟ انتوا زيهم؟) وتعلمت ان اجيب بجمل لا معنى لها مثل (عندك حق ، معلش ، ربنا يصبرك).
لكن الموقف بالنسبه لصديقتي الدكتوره شهيره والدكتوره عاليه كان موقفا جديدا عليهما تماما.
كل التفاصيل كانت صادمه ، وظهرت اثار الصدمه على وجهيهما.
اندمجت شهيره فى حوارات هامسه كانت تلعب دور المستمعه فى اغلبها.وكان الواضح ان شعرها الاسود القصير اعطى لهم انطباعا بانها محل ثقه.
اما عاليه فقد اصرت على ان تدخل مناقشات صريحه تتولى فيها الدفاع عن الجيش و عن المسلمين ، وتوضح لهم فيما يشبه المحاضره بالفصحى استحالة ان يتعمد الجيش ايذاء اى مواطن مصرى ، وان المسلم الحق يضحى بنفسه ليحمى اخيه المسيحى .
حاولت ان اثنيها عن الاستمرار، همست فى اذنها (خلاص ياعاليه هنتضرب)، ففوجئت بها تؤنبنى قائله (لا يانجلا لازم يعرفوا الحقيقه..الجيش معاهم واحنا معاهم .. وفيه مؤامره عشان يفرقوا بينا .. لازم نتصدى للمؤامره )
اندفعت سيده ترتدى ملابس تشبه ملابس النوم تشق الزحام فى اتجاهنا ، دفعتنى فى كتفى بقوه حتى اتحول للنظر اليها وقالت بصوت صارخ باكى (مش حرام عليكم .. موتوا ابنى .. لو ابنك ده تعملى ايه )
لم انطق كلمه فقط تمكنت بصعوبه من ان ارفع يدى واربت على كتفها وهى تزيح يدى بقوه وتكمل (حرام عليكوا)
فوجئت بالدكتوره عاليه تصرخ باكيه تماما مثل السيده قائله (ما تقوليش كده .. لا ما تقوليش كده .. احنا مش ممكن نقبل كده ابدا )
اندفعت السيده لتقترب منها اكثر وهى تصرخ (ابنى .. ابنى)، مع حركتها تحركت الجموع على شكل موجه ابعدتنى عن عاليه وقربتهما ، فرأيتهما من على بعد خطوات تتعانقان وتبكيان معا
نجلاء بدير - الدستور الأصلى
No comments:
Post a Comment