Friday, March 11, 2011

كنيسة صول


لن تتمكن مؤسسات الدولة بمفردها من احتواء أعمال العنف الطائفى التى شهدتها مصر فى اليومين الماضيين، وعلينا جميعا كقوى وطنية ومجتمع مدنى وحركات شبابية وشخصيات وطنية عامة ودعاة دين معتدلين التحرك سريعا للحيلولة دون استمرارها أو اتساع نطاقها والانتصار لحقوق المواطنة المتساوية للمصريين جميعا ولدولة القانون.

كنت فى وفد المصالحة الذى ذهب إلى قرية صول بمدينة أطفيح وتحدث مع أهالى القرية فى محاولة لاحتواء الأزمة التى اشتعلت هناك بين المسلمين والمسحيين وأسفرت عن هدم كنيسة الشهيدين واعتصام مجموعة من الشباب المسلم لمنع إعادة بنائها. وهى الأزمة التى كان لها توابع مخيفة فى القاهرة وأسفرت عن مواجهات عنيفة بين مسلمين ومسيحيين وسقوط 13 قتيلا، بينهم 11 مصريا مسيحيا. حديث وفد المصالحة مع أهالى صول ركز على ضرورة إعادة بناء الكنيسة التى هدمت فى مكانها، ومعاقبة من تورط فى الهدم، وإنهاء الاعتصام لتمكين القوات المسلحة من الوفاء بالوعد الذى قدمته للمصريين المسيحيين بالشروع فورا فى إعادة البناء.

البعض من أهالى صول من المسلمين، وهم أكدوا أنه لم يحدث تهجير للأسر المسيحية من القرية وهو ما أكدته أيضا أسر مسيحية وإن عبرت عن خوفها الشديد من الحالة الراهنة، جادل الوفد فى مسألة إعادة بناء الكنيسة فى مكانها ومعاقبة المتورطين فى الهدم.

الحجج التى سيقت هنا دارت حول قناعة هذا البعض من المسلمين بعدم ملاءمة مكان الكنيسة نظرا للكثافة السكانية العالية للمسلمين فى المنطقة المحيطة وكون الكنيسة بدأت كدار مناسبات، وكذلك استحالة معاقبة الأعداد الكبيرة من المسلمين الذين تورطوا فى الهدم. والحقيقة أن مثل هذه الحجج شديدة الخطورة إن قبلت أو سمح لها أن تحدد طريقة الخروج من أزمة التوتر الطائفى فى صول.

فلا يمكن قبول أن ترتب جريمة الهدم لدار عبادة مكتسبات لمن تورط فى هدمها تتمثل فى نقلها إلى مكان آخر. كذلك لا يمكن قبول حديث البعض عن أن بداية البناء كانت لدار مناسبات ثم تحولت إلى كنيسة، فالثابت أن المسيحيين تعبدوا وصلوا داخل هذا البناء وصار دارا للعبادة لها قدسيتها. أما حجة أن ظروف المكان لا تسمح بوجود كنيسة نظرا لكثافة المسلمين العالية فهى شديدة الخطورة وتعنى أن الحق فى التعبد وحرية ممارسة الشعائر الدينية هما حق وحرية تحتكر الأغلبية (الترجمة المجتمعية العامة لحجة الكثافة السكانية) تحديد كيف يمارسان على أرض الواقع.

وفى هذا تمييز وظلم بين ضد المصريين المسيحيين وإخضاع لهم لأهواء وهواجس (الادعاء بوقوع أعمال سحر وشعوذة) المصريين المسلمين أصحاب الكثافة السكانية الأعلى على امتداد الوطن. مثل هذا التوجه يفتح الأبواب على مصراعيها لفعل شيطان الفتنة الطائفية وينذر، إن لم يرفض، بأخطار جسيمة علينا جميعا.

أؤمن أيضا بضرورة الانتصار لحكم القانون فى ما خص محاسبة المتورطين فى هدم الكنيسة.

فلا يجوز لنا ونحن نعمل على بناء مصر الديمقراطية والعادلة أن نقبل استمرار التسويف الذى صبغ تعامل نظام مبارك مع مرتكبى أحداث العنف الطائفى وعن التأخر البالغ فى محاسبتهم قضائيا.

ولا يمكن لى كمواطن أن أقبل إطلاق الحديث على عواهنه والدفع بأن الآلاف قد شاركوا فى هدم الكنيسة ومن ثم يصبح من غير الواقعى محاسبتهم.

فالمؤكد أن مجموعة صغيرة بدأت الفعلة الإجرامية وأن شخوصهم معلومة لأهل القرية.

محاسبة هؤلاء قضائيا، وبجانب دور المجالس العرفية للترضية والمصالحة وإتاحة الفرصة أمام المسلمين للتبرع لبناء الكنيسة، ستنتصر لمبدأ حكم القانون وتطمئن المصريين المسيحيين بأن دور عبادتهم ليست أهدافا سهلة للأعمال الإجرامية لفئات مضللة وأن قدسية الكنائس لا تختلف بأى حال من الأحوال عن قدسية دور العبادة الأخرى

قلم:عمرو حمزاوي - الشروق

No comments: