إلغاء الاستفتاء وخطة بديلة للمرحلة الانتقالية
حظيت التعديلات الدستورية المزمع إجراء استفتاء حولها يوم السبت المقبل بحالة واسعة من الجدال بين أوساط النخبة وفى وسائل الإعلام منذ إعلان تفاصيلها، وبدا واضحا أن هناك ملاحظات جادة وكثيرة وجوهرية على معظمها، توافق عليها مختلف القوى والتيارات السياسية والفكرية المصرية. وبالرغم من هذه الملاحظات ووصول بعضها إلى درجة المآخذ الخطيرة على بعض المواد المقترحة، إلا أن شيئا منها لم يؤخذ فى الاعتبار سواء من قبل اللجنة التى أجرت التعديلات ولا من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى كلف اللجنة بها ولا من الحكومة الجديدة التى ستشرف على إجراء الاستفتاء، وظلت كما هى مطروحة على المصريين لإبداء رأيهم فيها يوم السبت المقبل.
والحقيقة أن الإصرار على بدء عملية إقامة النظام السياسى المصرى الجديد بعد الثورة العظيمة بالتعديلات الدستورية بحيث يتبعها إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بمجلسيها خلال المتبقى من الشهور الستة التى يقوم فيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة البلاد، سيكون له مخاطر هائلة على مستقبل الثورة نفسها بما قد يصل إلى إجهاضها كاملة والعودة إلى نسخة معدلة من نظام حسنى مبارك المخلوع. وتأتى هذه المخاطر من زاويتين رئيسيتين، الأولى تتعلق بالتفاصيل الفنية والزمنية للاستفتاء وما يعقبه من انتخابات رئاسية وبرلمانية، والثانية ترتبط بالأوضاع السياسية والأمنية السائدة فى البلاد حتى اللحظة والمرجح استمرارها لشهور طويلة قادمة.
وأول التفاصيل الفنية والزمنية هو أن تعديل جداول الانتخاب فى مصر لتكون بالرقم القومى سيؤدى إلى إضافة نحو ستة ملايين ناخب جديد سيوزعون على نحو ستة آلاف لجنة فرعية بما يرفع عدد هذه اللجان إلى أكثر من 45 ألف لجنة فرعية ويزيد مقار جديدة لهذه اللجان بأكثر من ألفى مقر جديد على مستوى الجمهورية، وهو الأمر الذى لم تعلن تفاصيله بعد قبل أربعة أيام فقط من موعد الاستفتاء بما يعنى تعذر تعرف عدد هائل من الناخبين على أماكن لجانهم مما سيؤدى عدم قيام أغلبيتهم بالإدلاء بأصواتهم.
هذا الغياب المتوقع للناخبين الجدد وهم أبناء الثورة الحريصين على استكمالها سيفتح الباب لفلول الحزب الوطنى ذات الخبرة فى تزوير الانتخابات والاستفتاءات والمهيمنة عبر سنوات طويلة على معظم صناديق التصويت فى مناطق النفوذ العائلى والقبلى والمحلى لكى تتدخل فى نتيجة الاستفتاء بالصورة التى تريد، وستعتبرها بمثابة التجربة الأخيرة للتزوير قبل الانتخابات البرلمانية لتأكيد سيطرتها على هذه الصناديق. كذلك فإن خلو الدستور المصرى المجمد وقرار المجلس الأعلى بالدعوة للاستفتاء على التعديلات الدستورية من أى إجراء بديل فى حالة رفض التعديلات سوف يؤدى إلى حالة اضطراب شديد فى البلاد وعدم معرفة الخطوة البديلة فى هذا الوضع وهل يتحتم إجراء تعديلات جديدة على نفس المواد أم لا والمدى الزمنى الذى يجب أن تعاد فيه وغيرها من تساؤلات ستكون حصيلتها إضافة أزمة دستورية خطيرة إلى الأزمات الحالية التى تمر بها البلاد.
أيضا فإن افتراض إعلان نتيجة الموافقة على التعديلات المقترحة يوم 21 مارس الحالى سيعنى أنه لم يتبق على انتهاء الفترة الانتقالية المحددة بستة أشهر سوى أربعة أشهر وثمانية أيام، من المفترض أن تجرى خلالها انتخابات الرئاسة وكل من مجلسى الشعب والشورى. والحقيقة أن أى حساب زمنى وتفصيلى لهذه الانتخابات سيجعلنا نتجاوز الفترة الانتقالية بزمن طويل. فوفقا لعدد اللجان الفرعية الجديد السابق ذكره والعدد المتاح من أعضاء الهيئات القضائية والبالغ نحو 16 ألفا واشتراط إشراف قاض على كل صندوق فرعى، فإنه سيلزم إجراء هذه الانتخابات الثلاثة على أربعة مراحل. وفى حالة كل من مجلسى الشعب والشورى فإن إجراء الانتخابات وحدها سيستغرق شهرين كاملين يضاف إليهما شهر ونصف الشهر على الأقل لإجراءات الترشيح والدعاية، بما يجعل من فترة انتخابات المجلسين دون فاصل زمنى بينها نحو سبعة أشهر. وإذا ما أضفنا شهرا ونصف الشهر فقط لإجراءات ودعاية وعملية انتخابات الرئاسة فيكون المجموع هو تسعة أشهر، بينما المتبقى من الفترة الانتقالية يوم إعلان نتيجة الاستفتاء لا يزيد على أربعة أشهر بما يعنى تجاوزها بخمسة أشهر كاملة.
هذه التفاصيل الفنية والزمنية تؤكد أن البدء بالتعديلات الدستورية للمضى فى بناء النظام الجديد للثورة لن يكون ممكنا من الناحية الواقعية فضلا على أنه بافتراض استكمال هذه الخطوات كما هى وبالتجاوز الزمنى المشار إليه، فسيكون واجبا بعد كل هذا والانتهاء خلال الشهور الستة التالية للفترة الانتقالية من تغيير الدستور حسب نص المادة 189 المقترح، أن يجرى استفتاء جديد عليه تتلوه انتخابات جديدة لمجلسى البرلمان واحتمال انتخابات رئاسية جديدة فى ظل الدستور الجديد، بما يعنى تسعة أشهر أخرى من الانتخابات تصل بالشعب المصرى إلى أن يظل نحو عام ونصف العام وهو لا يقوم بأى شىء سوى إجراء الانتخابات. وهنا تظهر أولى المخاطر السياسية والدستورية من هذه العجلة فى البدء بالتعديلات الدستورية، حيث سيؤدى التجاوز الزمنى بخمسة أشهر للفترة الانتقالية إلى جعل فترة إقرار الدستور الجديد شهرا واحدا فقط، لأن المادة 189 المقترحة تضع حدا أقصى لذلك لا يتجاوز ستة أشهر بعد انتهاء الشهور الستة للمرحلة الانتقالية، فهل يمكن واقعيا صياغة دستور جديد فى حوار مجتمعى واسع خلال شهر واحد؟ أو أن يكون البديل هو مخالفة المواد المعدلة فى الدستور بعد إقرارها بشهور قليلة؟
من ناحية ثانية، فإن التعجل بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فور الانتهاء من التعديلات الدستورية وفى ظل الغياب الأمنى الكبير فى البلاد سيؤدى دون شك إلى تمتع الأطراف والقوى القديمة ذات الخبرة الانتخابية وفى مقدمتها فلول الحزب الوطنى بميزات لا تملكها القوى السياسية الأخرى، وعلى رأسها القوى الجديدة للثورة، الأمر الذى سيجعل من نتيجة الانتخابات البرلمانية وبقدر ما الرئاسية لصالح هذه القوى القديمة وسيحرم قوى الثورة من التمثيل البرلمانى الذى تستحق وسيجعلها مجرد هامش صغير بجانب فلول الوطنى ومعها جماعة الإخوان المسلمين. ولا شك أن حصول هذا السيناريو يعنى مباشرة إجهاض الثورة لصالح قوى النظام القديم الممثلة فى فلول الحزب الوطنى التى ستجمع نفسها من جديد فى تكتل برلمانى قد يكون الأكبر بجانب كتلة الإخوان، الأمر الذى يعنى أن الثورة ستسلم البلاد مرة أخرى إلى نسخة معدلة من النظام السابق وعبر انتخابات «ديمقراطية» لن يكون هناك مجال لرفض نتائجها سوى بالتظاهر والثورة مرة أخرى مما سيدخل البلاد إلى نفق طويل مظلم من الفوضى والانفلات الأمنى.
فى مواجهة هذه المخاطر والتعقيدات الهائلة لخطة البدء ببناء النظام الثورى الجديد انطلاقا من التعديلات الدستورية يوجب التخلى عنها واقتراح خطة أخرى بديلة تحقق هذا الهدف الرئيسى وتحفظ فى نفس الوقت للبلاد قدرا من الاستقرار والأمن بما يمكنها من تجاوز أزماتها السياسية والاقتصادية. وتتكون الخطة البديلة المقترحة من إجراءات وخطوات محددة يتم اتخاذها خلال فترة عام واحد، ينتهى فى الأول من أبريل عام 2012، يتولى خلالها المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة البلاد بالتعاون مع الحكومة الحالية التى تم تشكيلها قبل أسبوع برئاسة الدكتور عصام شرف. وتتمثل هذه الإجراءات فى ثلاثة أمور محددة هى: أولا إصدار إعلان دستورى متفق عليه بين المجلس الأعلى وقوى الثورة، وإصدار مجموعة أساسية من القوانين المنظمة للحياة السياسية، وتشكيل مجلس استشارى من قوى الثورة للتعاون مع المجلس العسكرى والحكومة.
فأما عن الإعلان الدستورى فيجب أن يشمل أربعة بنود مفصلة، أولها صلاحيات المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وثانيها صلاحيات مجلس الوزراء، وثالثها صلاحيات وحدود دور المجلس الاستشارى، ورابعها طريقة تشكيل الجمعية التأسيسية المنوط بها وضع الدستور الجديد للبلاد. ويوفر هذا الإعلان الدستورى أساسا موضوعيا ثابتا لإعادة الاستقرار للبلاد عبر الصلاحيات الواضحة والمحددة للقوى الرئيسية التى ستشارك فى إدارة البلاد خلال الفترة الانتقالية المقترحة بما يمكنها من تجاوز أزماتها الأمنية والاقتصادية بصفة خاصة.
أما على الصعيد السياسى فإن الإصدار الفورى لقوانين الأحزاب والنقابات العمالية والمهنية والصحافة والإعلام والجمعيات الأهلية بما يعطيها جميعا أكبر مساحة من الحرية، فهو كفيل بخلق زخم سياسى منظم هائل فى البلاد خلال الفترة الانتقالية يشكل قاعدة موضوعية للتحاور حول الدستور الجديد والاستعداد الجدى للمنافسة فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة. أما تشكيل مجلس استشارى موسع من قوى الثورة، بين 9 و15 عضوا، فسوف يتيح تمثيلا مريحا لها جميعا ويوفر أداة للرقابة الثورية على أعمال المجلس الأعلى والحكومة ويقدم لهما فى نفس الوقت خبرات سياسية وفنية سيكونان بحاجة إليها.
وفى خلال العام المقرر للفترة الانتقالية والذى سيشهد تفاعلات سياسية واسعة على قاعدة استقرار أمنى واقتصادى نسبى يتم تشكيل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور بأوسع قدر من التوافق بين قوى الثورة، وهو ما يعنى فور انتهاء هذا العام التوصل لصياغة متوازنة للدستور الجديد يتم الاستفتاء عليها فى بداية أبريل 2012. وفور الانتهاء من ذلك تبدأ وفقا لمواد الدستور الجديد مراحل إقامة مؤسسات النظام الجديد عبر انتخابات حرة لمجلسى البرلمان ومنصب رئيس الجمهورية، وهو ما سيوفر استقرارا سياسيا حقيقيا فى نفس الفترة تقريبا التى يراد اليوم تنفيذ خطة البدء بالتعديلات الدستورية والتى ستؤدى إلى فوضى واضطراب لا نظير لهما
والحقيقة أن الإصرار على بدء عملية إقامة النظام السياسى المصرى الجديد بعد الثورة العظيمة بالتعديلات الدستورية بحيث يتبعها إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بمجلسيها خلال المتبقى من الشهور الستة التى يقوم فيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة البلاد، سيكون له مخاطر هائلة على مستقبل الثورة نفسها بما قد يصل إلى إجهاضها كاملة والعودة إلى نسخة معدلة من نظام حسنى مبارك المخلوع. وتأتى هذه المخاطر من زاويتين رئيسيتين، الأولى تتعلق بالتفاصيل الفنية والزمنية للاستفتاء وما يعقبه من انتخابات رئاسية وبرلمانية، والثانية ترتبط بالأوضاع السياسية والأمنية السائدة فى البلاد حتى اللحظة والمرجح استمرارها لشهور طويلة قادمة.
وأول التفاصيل الفنية والزمنية هو أن تعديل جداول الانتخاب فى مصر لتكون بالرقم القومى سيؤدى إلى إضافة نحو ستة ملايين ناخب جديد سيوزعون على نحو ستة آلاف لجنة فرعية بما يرفع عدد هذه اللجان إلى أكثر من 45 ألف لجنة فرعية ويزيد مقار جديدة لهذه اللجان بأكثر من ألفى مقر جديد على مستوى الجمهورية، وهو الأمر الذى لم تعلن تفاصيله بعد قبل أربعة أيام فقط من موعد الاستفتاء بما يعنى تعذر تعرف عدد هائل من الناخبين على أماكن لجانهم مما سيؤدى عدم قيام أغلبيتهم بالإدلاء بأصواتهم.
هذا الغياب المتوقع للناخبين الجدد وهم أبناء الثورة الحريصين على استكمالها سيفتح الباب لفلول الحزب الوطنى ذات الخبرة فى تزوير الانتخابات والاستفتاءات والمهيمنة عبر سنوات طويلة على معظم صناديق التصويت فى مناطق النفوذ العائلى والقبلى والمحلى لكى تتدخل فى نتيجة الاستفتاء بالصورة التى تريد، وستعتبرها بمثابة التجربة الأخيرة للتزوير قبل الانتخابات البرلمانية لتأكيد سيطرتها على هذه الصناديق. كذلك فإن خلو الدستور المصرى المجمد وقرار المجلس الأعلى بالدعوة للاستفتاء على التعديلات الدستورية من أى إجراء بديل فى حالة رفض التعديلات سوف يؤدى إلى حالة اضطراب شديد فى البلاد وعدم معرفة الخطوة البديلة فى هذا الوضع وهل يتحتم إجراء تعديلات جديدة على نفس المواد أم لا والمدى الزمنى الذى يجب أن تعاد فيه وغيرها من تساؤلات ستكون حصيلتها إضافة أزمة دستورية خطيرة إلى الأزمات الحالية التى تمر بها البلاد.
أيضا فإن افتراض إعلان نتيجة الموافقة على التعديلات المقترحة يوم 21 مارس الحالى سيعنى أنه لم يتبق على انتهاء الفترة الانتقالية المحددة بستة أشهر سوى أربعة أشهر وثمانية أيام، من المفترض أن تجرى خلالها انتخابات الرئاسة وكل من مجلسى الشعب والشورى. والحقيقة أن أى حساب زمنى وتفصيلى لهذه الانتخابات سيجعلنا نتجاوز الفترة الانتقالية بزمن طويل. فوفقا لعدد اللجان الفرعية الجديد السابق ذكره والعدد المتاح من أعضاء الهيئات القضائية والبالغ نحو 16 ألفا واشتراط إشراف قاض على كل صندوق فرعى، فإنه سيلزم إجراء هذه الانتخابات الثلاثة على أربعة مراحل. وفى حالة كل من مجلسى الشعب والشورى فإن إجراء الانتخابات وحدها سيستغرق شهرين كاملين يضاف إليهما شهر ونصف الشهر على الأقل لإجراءات الترشيح والدعاية، بما يجعل من فترة انتخابات المجلسين دون فاصل زمنى بينها نحو سبعة أشهر. وإذا ما أضفنا شهرا ونصف الشهر فقط لإجراءات ودعاية وعملية انتخابات الرئاسة فيكون المجموع هو تسعة أشهر، بينما المتبقى من الفترة الانتقالية يوم إعلان نتيجة الاستفتاء لا يزيد على أربعة أشهر بما يعنى تجاوزها بخمسة أشهر كاملة.
هذه التفاصيل الفنية والزمنية تؤكد أن البدء بالتعديلات الدستورية للمضى فى بناء النظام الجديد للثورة لن يكون ممكنا من الناحية الواقعية فضلا على أنه بافتراض استكمال هذه الخطوات كما هى وبالتجاوز الزمنى المشار إليه، فسيكون واجبا بعد كل هذا والانتهاء خلال الشهور الستة التالية للفترة الانتقالية من تغيير الدستور حسب نص المادة 189 المقترح، أن يجرى استفتاء جديد عليه تتلوه انتخابات جديدة لمجلسى البرلمان واحتمال انتخابات رئاسية جديدة فى ظل الدستور الجديد، بما يعنى تسعة أشهر أخرى من الانتخابات تصل بالشعب المصرى إلى أن يظل نحو عام ونصف العام وهو لا يقوم بأى شىء سوى إجراء الانتخابات. وهنا تظهر أولى المخاطر السياسية والدستورية من هذه العجلة فى البدء بالتعديلات الدستورية، حيث سيؤدى التجاوز الزمنى بخمسة أشهر للفترة الانتقالية إلى جعل فترة إقرار الدستور الجديد شهرا واحدا فقط، لأن المادة 189 المقترحة تضع حدا أقصى لذلك لا يتجاوز ستة أشهر بعد انتهاء الشهور الستة للمرحلة الانتقالية، فهل يمكن واقعيا صياغة دستور جديد فى حوار مجتمعى واسع خلال شهر واحد؟ أو أن يكون البديل هو مخالفة المواد المعدلة فى الدستور بعد إقرارها بشهور قليلة؟
من ناحية ثانية، فإن التعجل بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فور الانتهاء من التعديلات الدستورية وفى ظل الغياب الأمنى الكبير فى البلاد سيؤدى دون شك إلى تمتع الأطراف والقوى القديمة ذات الخبرة الانتخابية وفى مقدمتها فلول الحزب الوطنى بميزات لا تملكها القوى السياسية الأخرى، وعلى رأسها القوى الجديدة للثورة، الأمر الذى سيجعل من نتيجة الانتخابات البرلمانية وبقدر ما الرئاسية لصالح هذه القوى القديمة وسيحرم قوى الثورة من التمثيل البرلمانى الذى تستحق وسيجعلها مجرد هامش صغير بجانب فلول الوطنى ومعها جماعة الإخوان المسلمين. ولا شك أن حصول هذا السيناريو يعنى مباشرة إجهاض الثورة لصالح قوى النظام القديم الممثلة فى فلول الحزب الوطنى التى ستجمع نفسها من جديد فى تكتل برلمانى قد يكون الأكبر بجانب كتلة الإخوان، الأمر الذى يعنى أن الثورة ستسلم البلاد مرة أخرى إلى نسخة معدلة من النظام السابق وعبر انتخابات «ديمقراطية» لن يكون هناك مجال لرفض نتائجها سوى بالتظاهر والثورة مرة أخرى مما سيدخل البلاد إلى نفق طويل مظلم من الفوضى والانفلات الأمنى.
فى مواجهة هذه المخاطر والتعقيدات الهائلة لخطة البدء ببناء النظام الثورى الجديد انطلاقا من التعديلات الدستورية يوجب التخلى عنها واقتراح خطة أخرى بديلة تحقق هذا الهدف الرئيسى وتحفظ فى نفس الوقت للبلاد قدرا من الاستقرار والأمن بما يمكنها من تجاوز أزماتها السياسية والاقتصادية. وتتكون الخطة البديلة المقترحة من إجراءات وخطوات محددة يتم اتخاذها خلال فترة عام واحد، ينتهى فى الأول من أبريل عام 2012، يتولى خلالها المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة البلاد بالتعاون مع الحكومة الحالية التى تم تشكيلها قبل أسبوع برئاسة الدكتور عصام شرف. وتتمثل هذه الإجراءات فى ثلاثة أمور محددة هى: أولا إصدار إعلان دستورى متفق عليه بين المجلس الأعلى وقوى الثورة، وإصدار مجموعة أساسية من القوانين المنظمة للحياة السياسية، وتشكيل مجلس استشارى من قوى الثورة للتعاون مع المجلس العسكرى والحكومة.
فأما عن الإعلان الدستورى فيجب أن يشمل أربعة بنود مفصلة، أولها صلاحيات المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وثانيها صلاحيات مجلس الوزراء، وثالثها صلاحيات وحدود دور المجلس الاستشارى، ورابعها طريقة تشكيل الجمعية التأسيسية المنوط بها وضع الدستور الجديد للبلاد. ويوفر هذا الإعلان الدستورى أساسا موضوعيا ثابتا لإعادة الاستقرار للبلاد عبر الصلاحيات الواضحة والمحددة للقوى الرئيسية التى ستشارك فى إدارة البلاد خلال الفترة الانتقالية المقترحة بما يمكنها من تجاوز أزماتها الأمنية والاقتصادية بصفة خاصة.
أما على الصعيد السياسى فإن الإصدار الفورى لقوانين الأحزاب والنقابات العمالية والمهنية والصحافة والإعلام والجمعيات الأهلية بما يعطيها جميعا أكبر مساحة من الحرية، فهو كفيل بخلق زخم سياسى منظم هائل فى البلاد خلال الفترة الانتقالية يشكل قاعدة موضوعية للتحاور حول الدستور الجديد والاستعداد الجدى للمنافسة فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة. أما تشكيل مجلس استشارى موسع من قوى الثورة، بين 9 و15 عضوا، فسوف يتيح تمثيلا مريحا لها جميعا ويوفر أداة للرقابة الثورية على أعمال المجلس الأعلى والحكومة ويقدم لهما فى نفس الوقت خبرات سياسية وفنية سيكونان بحاجة إليها.
وفى خلال العام المقرر للفترة الانتقالية والذى سيشهد تفاعلات سياسية واسعة على قاعدة استقرار أمنى واقتصادى نسبى يتم تشكيل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور بأوسع قدر من التوافق بين قوى الثورة، وهو ما يعنى فور انتهاء هذا العام التوصل لصياغة متوازنة للدستور الجديد يتم الاستفتاء عليها فى بداية أبريل 2012. وفور الانتهاء من ذلك تبدأ وفقا لمواد الدستور الجديد مراحل إقامة مؤسسات النظام الجديد عبر انتخابات حرة لمجلسى البرلمان ومنصب رئيس الجمهورية، وهو ما سيوفر استقرارا سياسيا حقيقيا فى نفس الفترة تقريبا التى يراد اليوم تنفيذ خطة البدء بالتعديلات الدستورية والتى ستؤدى إلى فوضى واضطراب لا نظير لهما
No comments:
Post a Comment