مشاهد ومواقف من أيام الثورة .. مصر 2011
افتخر بأني شاركت في المظاهرات منذ بدايتها وربما قبل ان تبدأ منذ سنوات بما كنت أكتب من مقالات أحاول فيها أن أوضح كيف أن النظام ومن حوله قزموا مصر خلال العقود الماضية ليتفاجأ المصريون بعدها بحجم مصر الحقيقي في يوم وليلة بعد أن أصبحت أخبار شرفاء التحرير والقائد إبراهيم ومحطة مصر وغيرها من المناطق هي التي تتصدر صفحات كبريات صحف العالم ومحطات الأخبار العالمية وبعد أن اهتزت اسعار البترول وتأثرت بورصة وول ستريت وغيرها ليعلم الجميع اليوم أن هذه هي مصر وهذا هو حجمها الطبيعي!.
وخلال الأيام الماضية تعرضت للعديد من الأحداث والمواقف التي أثرت في بشدة سأحاول أن أشرك معي القارئ الكريم فيها لعلنا نخرج منها ببعض العبر والدروس.
لجان الحماية الشعبية
بطبيعة الحال ومع اختفاء الشرطة من شوارع مصر بطريقة مريبة للغاية تدعم حقيقة وجود مؤامرة على شعب مصر بكافة أطيافه تشكلت لجان شعبية لحراسة المنازل والممتلكات.
وقد شاركت في إحدى هذه اللجان وتناوبت الحراسة مع أهالي المنطقة التي أسكن فيها. وفي الحقيقة فإن كان لما حدث خلال الأيام الماضية ميزات فأعتقد أن أفضلها هو أني تعرفت بصورة أعمق على شباب في نضارة الزهور وعلى رجال (ولاد بلد) بحق أذكر منهم الحاج محمد والدكتور الصيدلي عماد وهيب والاستاذ جلال وصديقي العزيز جدا اسحاق (أو ايسو كما يحب ان نسميه) .
وخلال الأيام الماضية حاولنا بقدر الإمكان أن نتعامل مع من يمرون من الحي السكني الذي نقطنه بكل أدب وهدوء حتى لا نضيف عبئاً على أعباء الناس وحتى لا نزيد من توتر أعصابهم مما قد يدفعهم إلى التعامل معنا بعنف لا يعلم إلا الله مداه .
ولكن وللأسف الشديد لم يكن هذا هو الحال في مناطق أخرى مررت بها، ذلك أن أغلب من يقف الآن في بعض المناطق وخاصة على كورنيش النيل وتحديداً بالقرب من قسم شرطة مصر القديمة ليسوا على ذلك الوعي حيث أن مظهرهم لا يوحي بأي ارتياح على الإطلاق وأول ما سيتبادر إلى ذهنك أنك في لجنة مكونة من بعض أفراد الأمن أو أنك بصدد الدخول إلى منطقة يحكمها بعض البلطجية وأنك ستقوم بإخراج ما معك من نقود كما أن تعاملهم في غاية الفظاظة والقبح لدرجة أنهم لا يفرقون بين رجل محترم تبدو عليه ملامح التقدم في السن والوقار ويقود سيارته الخاصة وبين آخر يركب سيارة نصف نقل تطل من ملامحه العصبية والحنق .
شعرت خلال هذه الأيام أن هؤلاء يرضون نقصاً شديدا في داخلهم بسبب ما كنا نعانيه جميعا من تعامل فظ وغليظ من رجال الشرطة فباتوا يخرجون هذا الغيظ تجاه الجميع ويبدو أنهم قد استمرأوا لعب دور أمين الشرطة أو الضابط ولا أعلم كيف سيمكن لجهاز الأمن أن يستعيد دوره من هؤلاء !.
اختلاف الرأي وخوف من المستقبل
تعرضت لموقف لازلت أعاني من آثاره النفسية العنيفة إى الآن وترك في نفسي خوفاً شديداً وهلعاً مما سيكون عليه الحال في مصر خلال الأيام القادمة. كان ذلك اني دخلت في حوار مع بعض الأشخاص في ميدان التحرير حول الخطاب الأخير للرئيس والذي لا اعتقد أن هناك مصري لم يتأثر به ولولا ما حدث بعده بدقائق من مذبحة نفدتها جحافل بلطجية رجال الأعمال والحزب الوطني الحاكم لكانت مصر اليوم في شأن آخر ولكن البعض يبدو أنه قد تعمد هدم بعض جسور الثقة التي حاول الرئيس بناءها مع الناس.
وخلال الحوار تطرقنا إلى أن هناك عدد ليس بالقليل تأثر بخطاب الرئيس وقرر عدم الاستمرار في المظاهرات فيما أكد البعض الآخر على ضرورة الاستمرار حتى رحيل النظام. ويبدو أن البعض اعتقد أني أحاول بث روح التفرقة والخذلان بين الناس والادعاء بأنهم قد انقسموا بعد الخطاب (وهو ما حدث بالفعل!) وهو ما يعتقدون أنه لم يحدث وفوجئت بأحد الأشخاص يلتقط صورتي بكاميرا الموبايل ويسألني عن بطاقة الهوية وما أن أخرجتها حتى انتزعها مني بعنف وبعد أن نظر إليها قال أن هذه ليست صورتي (ذلك أن صورتي تبدو فيها ملامحي أصغر بكثير مما أنا عليه الآن) وتصاعدت صيحات آخر بأن البطاقة مزورة وأني عميل للأمن أحاول بث روح الفرقة بين الناس ثم فوجئت بالعشرات يتجمهرون حولي ولولا ستر الله لكنت في عداد القتلى من الضرب لولا أني التزمت الهدوء التام وحاولت بأدب شرح ما كنت أقول ولم أعارضهم إطلاقاً في التوجه إلى إحدى نقاط التفتيش ولما وصلت هناك دار بيني وبين أحد القائمين على اللجان حوار بسيط فوجئت به بعدها يبكي بشدة ويلوم على الناس تعاملهم معي بهذه الصورة ووجدته يقبل رأسي عدة مرات ويعطيني البطاقة ويطلب من الحشود عدم التعامل بروح التشكيك والتخوين في كل من يتحدث برأي مختلف عما يتحدث به الآخرين.
وجدتني أبكي في داخلي بعنف وقد ارتسمت أمامي ملامح مستقبل بغيض يقتل الناس فيه بعضهم بعضاً لمجرد الاختلاف في الرأي أو لمجرد الشك في أن هذا أو ذاك عميل مندس للأمن.. ولا حول ولا قوة إلا بالله !
كل المصريين
كان من المشاهد التي لفتت انتباهي وجود فئات وشرائح مختلفة من المجتمع المصري فقراء وأغنياء رجال ونساء شباب بذقون وبنات يرتدين الخمار وآخرون يمسكون بالجيتار والآلات الموسيقية يغنون لمصر ولا أحد يتعرض للآخر .. اتفق الجميع على ضرورة رحيل النظام الحالي ومحاكمة رموز الفساد التي هوت بمصر في هوة سيحاول شرفاء لفترة اتمنى ألا تطول أن يخرجوا مصر منها.
وفي هذا السياق فإني حقيقة يثير غضبي بشدة تلك التعبيرات المتهافتة من نوعية اختطاف الثورة والعناصر المندسة وركوب الموجة، فهذا والله مما يوحي بأن من قام بالثورة هم مجموعة من الأطفال يسهل قيادهم وسوقهم كالأنعام وهي اللهجة نفسها التي ما برح النظام الحاكم في تسويقها للمصريين حتى اقتنع الكبار بيننا بأننا لم نخلق كمصريين لمداولة السياسة وأن لها أناسها وأن علينا فقط الطاعة والاهتمام بتوفير لقمة العيش والزواج والإنجاب ثم الموت، وكان ذلك أكبر الأصنام التي حطمتها ثورة شباب مصر الشرفاء
وكان مما أثار إعجابي وفخري بهذا الوطن وأبنائه صورة مسيحيي مصر وهم يحمون بظهورهم إخوانهم المسلمين خلال أداءهم صلاة العصر وكذا قيام المسيحيين بأداء صلواتهم في هدوء وأمن بين اخوانهم في الوطن من المسلمين .. لا هذا يخشى على نفسه من ذاك ولا الآخر يخشى على ظهره من أخيه .. كما لم تسجل حادثة اعتداء واحدة لا على مسجد ولا على كنسية
أيضا مما يثير الإعجاب في النفس عدم تسجيل حالة تحرش واحدة بين الجموع المليونية التي شاركت في التظاهرات خلال الأسبوع الماضي كما لم تسجل حالة اعتداء أو تشاجر بين المتظاهرين اللهم إلا تلك الحالات التي كان يلقى فيها القبض على بعض البلطجية التابعين للحزب الوطني
الحكومة الجديدة ونائب الرئيس
خلال حديثي مع العديد من الشباب في ميدان شهداء التحرير لاحظت وجود اتفاق عام على شخصي الفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء الجديد واللواء عمر سليمان نائب الرئيس ومدير المخابرات العامة المصرية السابق .. وهذا من الأمور النادرة في مصر أن تجد اسماً أو عدة أسماء يتفق عليها أغلب المصريين وسط أجواء الفساد التي عشناها طوال عقود مضت طغت فيها اسماء المحتكرين ورجال الأعمال مؤجري البلطجية على أسماء هؤلاء الشرفاء.
لكني أيضاً لاحظت أسفاً وحزناً شديداً على وجود الرجلين في هذه المرحلة، فقد اتفق كل من تحدثت معهم تقريباً على أن اسمي الرجلين كان لابد وأن يطرحا في فترة ما بعد مبارك للاستفادة من نزاهتهما ووطنيتهما وحبهما لمصر وتاريخهما النضالي الطويل لكن مما يؤسف له وجودهما في الحكم خلال هذه الفترة غير المستقرة من تاريخ مصر بما يعني إمكانية فقدان جهودهما فيما بعد .
الإعلام المصري
كان الموقف في قنوات أنس الفقي والحزب الوطني (ولا اقول التليفزيون المصري لأن هؤلاء يحتلون مبنى هو ملك للمصريين جميعا ويبثون منه دعايات مضادة لثورة شباب مصر الطاهر) موقفاً مخزياً ويندى له الجبين ويوضح مدى ضحالة فكر القائمين عليه والذين يبدو أنهم يعيشون في عالم آخر أو أنهم في غيبوبة عميقة لم يفيقوا منها إلا على واقع مرير حين يحاكمهم الشعب على ما أفسدوه من ملايين العقول طيلة العقود الماضية .
ولا أعلم حقيقة من يخاطب هؤلاء اليوم، فالملايين من المصريين توقفوا عن متابعة قنوات تليفزيون الحزب الوطني إما لانعدام كفاءة بعض العاملين به أو لضحالة البرامج التي تذاع به أو لاستخفافها بالعقول ومنافاتها للواقع الذي يرونه على فضائيات أخرى بالصوت والصورة .
وبعد ..
اعتقد أن هناك انقساما في الوقت الحالي بين أغلب من شارك في التظاهرات في الأيام القليلة الماضية، فالطرف الأول لا يزال مصراً على تنحية الرئيس مبارك من منصبه تماما بل ويذهب البعض إلى رأي متطرف وهو ضرورة مغادرته للبلاد (وهو ما لا أعتقد أنه يمكن أن يرضى به رجل عسكري سابق ولا ترضاه كرامتنا كمصريين رغم كل ما حدث) أما الطرف الآخر فيرى ضرورة الحصول على ضمانات لما أعلن من قبل عن تعديل الدستور والالتزام بأحكام المحكمة لإلغاء عضوية المشاركين بالتزوير في (سيد قراره) وغيرها من الوعود البراقة التي يجب وجود ما يضمن تنفيذها وفي هذه الحالة يمكن للرئيس مبارك أن يستمر حتى فترة نهاية ولايته.
وأود أن ترك المجال للقارئ العزيز ليسجل بعضاً مما تعرض له أو شاهده ولمسه بنفسه خلال تلك الأيام المجيدة من تاريخ مصر والتي ستكتب بأحرف من ذهب في تاريخنا بلادنا الحبيبة.
عماد سيد- مصراوى
No comments:
Post a Comment