الكذاب ملعون فى الدنيا والآخرة حسب الأديان السماوية.. الكذب أكبر جريمة يمكن أن يرتكبها مسؤول، عند الذين عرفوا طريق التقدم.. العقلاء قادرون على الفصل بين الحقيقة والزيف.. المنافقون يعتقدون أن بلادتهم وعجزهم وانعدام موهبتهم، هى أعلى المؤهلات التى يمكن أن تحملهم على طائرة التخلف فوق سماء الحرية والكرامة!!
مصر التى امتلكت إرادتها، وقالت كلمتها للعالم فى لحظة نادرة.. تعيش بعقل واع وعواطف يهزها الذهول.. فالمشهد درامى تجسده حالة يعرفها الشعب المصرى الشقيق.. فاللص الظريف إذا سرق شيئاً، واكتشف أن المحيطين به خبروا أمره.. يسرع بالهروب صارخاً: «امسك حرامى».. ويجرى فيجرى خلفه وأمامه الكثيرون.. يذوب هو فى الزحام، ويترك الباحثين عن الحرامى!!
هذه الصورة كانت المحور الرئيسى والفكرة التى قام عليها فيلم «الإرهاب والكباب» للمبدع «وحيد حامد».. وعلى نحو آخر وصورة رصينة عالج الفكرة ذاتها فوق خشبة المسرح المبدع «لينين الرملى» فى مسرحيته الشهيرة والرائعة «أهلا يا بكوات».. وبينهما صورة كنا نعتقد أنها «نكتة» رددها الفنان الجميل «سعيد صالح».. فهو القائل: «سلّم نفسك يا بوليس.. الحرامية محاصرين المكان من كل ناحية»!!
يسعفنى الخيال، ويختصر المبدعون الطريق أمامى.. ففى تلك اللحظة انقلبنا كلنا يا عزيزى إلى ثوار.. الثوار الحقيقيون.. المحترمون.. الأشراف.. الأطهار.. يخشون على ثورتهم من النهب والسرقة والتزييف.. أولئك الثوار هم طلائع الثورة من شباب كلنا أعلنا التقدير لهم.. خلفهم مضى شعب يصبح التقدير والاحترام قليلاً عليه إذا أعلناه.. وأمامهم وخلفهم جيش عظيم، ليس مثله أى جيش على أرض المعمورة.. لكن عصابة الفساد لا تعدم حيلة، فهى الوحيدة التى تلقت أرقى أنواع التعليم خلال سنوات طويلة سابقة!!
بعيداً عن الذين ننحنى لهم تقديراً.. يستحق من وجب علينا رجمهم ولفظهم، أن نتناولهم.. فقد قال أستاذى «أحمد بهاء الدين»: «إن الذباب يمكن أن يشغلك عن التفكير فى الحقيقى والجاد والعلم والسعادة».. وظنى أن تلك لحظة تتطلب مواجهة الذباب أولاً.. تحديد «الحرامية» الذين يحاصرون «البوليس».. التخلص من الانتهازى المتهم بالإرهاب.. ونحن أهل لكل ذلك.. وأهلا يا بكوات!!
بكوات الثورة المضادة يحرضوننا على مظاهرات مليونية لا تتوقف.. البكوات من الانتهازيين، يتقدمون صفوف أصحاب الحقوق فى مطالبهم الفئوية.. بكوات العودة إلى الوراء يعتقدون أنهم الأذكى، فيسعون إلى جرنا للخلف بحناجر تدعونا للتقدم نحو الأمام!!..
سقطت البكوية قبل نحو ٦٠ عاما.. وبقى البكوات.. ذاك كان خطأ فادحاً وتاريخياً لثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢.. لكنه لا يمكن أن يكون هو الخطأ ذاته لأنبل وأشرف ثورة فى التاريخ الإنسانى.. أقصد بها ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١.. عندما يخرج علينا الكذاب والمنافق واعظاً ضد الظلم.. كشف أمره الشباب لحظة أن يحاول من تأخذه المرارة إلى الماضى فيسعى إلى التقليل من قيمة التاريخ.. تفاجئه لحظة السخرية من ثوار العصر الحديث بإخراج لسانهم.. إذا أراد المنافقون الزعم أنهم نجوم الثورة.. فالثوار يصرخون فى وجهه.. بوضوح شديد وسط تلك الصورة التى يفهمها «الشعب المصرى العظيم» يجب التأكيد على:
أولاً: أن الثورة التى فجرها شبابنا وحملها شعبنا ثم احتضنها جيشنا.. لا يمكن أن يسرقها جاهل أو تافه أو كذاب أو انتهازى.. فالذى يبنى صرحاً يصعب على اللصوص سرقة حجر منه.. وبناء عليه أعتقد، جازماً، أن العودة للإنتاج والهدوء والاستقرار، تمثل صورة مطابقة للجيش العائد لثكناته بعد تحقيق انتصار عظيم.. فالجيوش لا تستعرض قوتها عقب النصر.. لكنها تعود للبناء.. لذا عرفنا عن عقيدة جيشنا المصرى أنه بيد يبنى، ويد يحمل السلاح.. لم يدع أحدهم أن يدا تبنى ويدا تطلق الرصاص.. فالشباب الذى غادر ميدان التحرير منتصراً، شرع فى التنظيف والبناء والتجميل.. على نهج قواته المسلحة الرائعة.
ثانياً: أن أصحاب منهج «الثورة دايرة والكفاح دوار» عليهم العودة إلى يوم ٥ يونيو من عام ١٩٦٧.. فالثورة إذا أرادت أن تستمر فى الغليان، فهى تأخذ نفسها نحو الانفجار فى وجه من أرادت الانتصار لهم.. الثوار يعلمون أن هدفهم الذهاب إلى قيادة الشعوب نحو الرخاء.. أما الكذابون والمنافقون والانتهازيون، فأهدافهم يعلمها الأذكياء من أبناء «الجالية المصرية فى القاهرة»!!
ثالثاً: كيف يمكن للثورة المستمرة بلا وعى أن تصنع مستقبلا؟.. الإجابة: هذا شىء مستحيل.. لنا فى التاريخ دروس متكررة ومتجددة.. فالثورة حالة عظيمة وفارقة.. أما الذهاب إلى العمل والإنتاج والانضباط والاستقرار، فتلك هى طبيعة الأمور وما تحتاجه الشعوب.. فلا هدوء عند البشر فى حالة الثورة.. لا أمن يمكن أن يتحقق فى ظل حالة الثورة.. لا تنمية تصنعها ثورة.. التنمية تخلقها الثورات وتدفع عجلاتها للأمام.. بمعنى أوضح اقتصادياً – العبدلله لا علاقة له بالاقتصاد – فلا بورصة فى عرض الثورة.. لا استثمارات فى حالة الثورة.. لا أمن ما دامت الثورة قائمة.. حتى السياحة لا يمكن أن تقوم فى حالة هياج الثورة.
إذن نجحت الثورة.. ذهب «حسنى مبارك» وعائلته.. اختفى «صفوت الشريف» وبقيت عصابته.. توارى الدكتور «فتحى سرور» خجلاً.. تبخر الدكتور «زكريا عزمى».. يقبع حالياً «أحمد عز» وباقى المتهمين بالفساد فى الزنزانات – ومعظمهم ينتظرون المصير نفسه – انهار نظام «حبيب العادلى».. وقامت شرعية ٢٥ يناير، يحميها المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. تمنيت أن أكتب عنه وأشرح عظمة وقيمة موقفه.. لكن خوفى من الرشق باتهامات، كما تلك التى نالها «وائل غنيم»، يمنعنى من ذلك..
وتكفينى تلك الكلمات التى تلقيتها على صفحتى على «فيس بوك» من الصديق «محمد بيبو» فهو القائل كما الحكماء: «شفت مساجين بتهرب، لكن عمرى ماشفت مساجين بتسلّم نفسها.. شفت ناس بتسرق، بس عمرى ماشفت حد بيرجّع اللى سرقه.. شفت الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، بس عمرى ماشفت مسلمين بيحموا كنيسة.. ولا عمرى شفت مسيحيين عاملين كردون على مسلمين بيصلوا.. شفت ناس بتموّت بعض قدام عين الحكومة، بس عمرى ماشفت ناس بتحمى بعض فى غياب الحكومة.. يارب نفضل كده على طول وهوّ دا التغيير الحقيقى!
عاشت مصر... تحيا مصر وشعب وشباب وأرض وتراب مصر».
ومن عندى.. تعظيم سلام للكذابين!!
نصر القفاص -المصرى اليوم
No comments:
Post a Comment