Friday, February 25, 2011

على اسم ميدان التحرير

ويشاء العلى القدير أن يكون اسم مكان تحررنا «ميدان التحرير»، فـ«التحرير» هو الاسم الذى أطلقته ثورة يوليو على ميدان الإسماعيلية، وإن لم يأت التحرير كاملا على أيادى تلك الثورة فهو، بإذن الله، آت على يد ثورة يناير. وميدان التحرير كان دائما هدف وغاية المحتجين والمتظاهرين المصريين، وهو مكان تظاهرات الحركة الطلابية فى أوائل السبعينيات، مكان الـ«كعكة الحجرية»، رفرفت فى هوائه وريقات «اصحى يا مصر» يطلقها البنات والأولاد من عربات الترحيلات ــ وها هى مصر، بعد ما يقرب من أربعين عاما، قد لبت النداء، حين أعاده عليها جيل جديد، وصحت.

صحت، ودفع ثمن هذه الصحوة المئات من أبنائها وبناتها، البعض دفع حياته ثمنا، والبعض دفع نور عينيه، والبعض لا ندرى إن كان سيجتاز ما أصاب دماغه، أو صدره. وطبيعى أن نجتهد نحن، من لم ندفع هكذا ثمن، فيما نهديه لهؤلاء الشباب؛ لن يكون بحجم ما أعطونا، لكنه، على أى حال، يجب أن يكون لائقا. ومؤكد أنه من هذا المنطلق جاء الطلب (ورد فى «الشروق» الاثنين) بتغيير اسم ميدان التحرير إلى ميدان الشهداء. وشبابنا استحقوا الميدان، والمدينة، والبلد، وبالتأكيد يجب ان تظل ذكراهم تلازم أصحابهم وزملاءهم، وتلازم مصر والثورة، لكنهم استشهدوا من أجل الحرية والتحرير، فكيف نلغى الاسم الذى يحمل هذا المعنى والذى شاء تاريخنا أن يكون اسم الميدان الذى فازت به ثورتهم بعد معارك ضارية يوم ٢٨، ودافعت عنه ضد هجمات مستمرة من وقتها ــ وبالذات يوم حرب الجمال والخيل والمولوتوف؟ من غير المعقول ان نفرط فى هذا الاسم وهذا التاريخ، بل وعلينا أيضا أن نتحرر من نمط التفكير الذى يقول ان كل حاجة فى بلدنا مستباحة: شارع جميل نبنى فوقه كوبرى، قصر نهده، وزارة مش عاجبانا نلغيها، توقيت مش مريحنا فى رمضان نغيره، ونرجع نغيره تانى بعد رمضان مافيش مانع. يعنى تغيير اسم الميدان المركزى لعاصمة البلاد موضوع كبير جدا، فما بالك وقد اكتسب هذا الألق، وصار العالم كله يردد اسمه، وتظاهرات الحرية والعدالة الاجتماعية عبر البحار والمحيطات ترفع لافتاته؟

المقترح الأكثر رواجا، والمتمشى مع روح هذه الثورة المصرية التى عبرت فى اختياراتها ومطالبها وهتافاتها عن وعيها بتاريخ بلادها، وعن تجذرها فى تراثنا، هو أن يظل الميدان على اسمه المتفائل، المتحقق الآن: «ميدان التحرير»، وأن ينتهى العمل الإنشائى به، ويرتب ويجمل، وتخصص به حديقة، تتصل بحديقة المتحف المصرى، وتسمى «حديقة الشهداء»، فيكون شهداؤنا هكذا جزءا دائما من التحرير. ويرى كثيرون أن تكون حديقة الشهداء مكانا لمعرض دائم متغير، يتيح الفرصة أيضا لشباب الفنانين أن يقدموا أعمالهم، فى مساحة مفتوحة، ومرئية، وفى إطار يناير وحديقة معرض الشهداء، إن تفضى إلى حديقة المتحف المصرى، تصبح مزارا لكل من يأتى إلى القاهرة وإلى المتحف، مصريا كان أو سائحا ــ يمر على شهدائنا، ويترحم عليهم. وهنا يتبلور أحد الأدوار الدائمة لشبابنا هؤلاء: أن يذكروا العالم أن مجد مصر لم ينته بانتهاء عصر أجدادنا منذ ألفى عام بل هو مستمر: إنسانى، مبتكر، معطاء، يقظ. نقول للعالم تعال، زرنا، وتأمل حضارتنا وتماثيلنا، ولكن، لتصل إلى ذلك الماضى المبهر، عليك أن تعى حاضرنا ــ أن تعرفنا نحن: شعب مصر القرن الواحد والعشرين ــ أم هو القرن الواحد والسبعون عندنا؟

بقلم:أهداف سويف - الشروق

No comments: