لماذا اعتذر «وائل غنيم» للثكلاوات اللواتى فقدن أبناءهن فى الثورة، وهو يبكى قائلا: «أنا آسف!»؟
مَن الذى عليه أن يعتذر عن إهدار تلك الدماء الزكية؟
ولماذا خرج جرّاح القلب د. طارق حلمى، إلى ميدان التحرير، فاستقرّ هناك ولم يعد؟ لماذا قال هو إن دماء الثوّار مختلفٌ شكلها عن دماء المرضى التى اعتاد عليها؟
أولئك الذين أشعلوا فتيل الثورة، فاحتشدت حولهم جموعٌ كالهدير العاصف، ليسوا من الفقراء، فهم أبناء البرجوازية العُليا المرتاحة ماديّاً، لكنهم شعروا بهموم الفقراء، فثاروا لاسترداد حقوقهم من لصوص استلبوا مصرَ دون حياء. ليسوا من العاطلين، فلديهم أعمالهم المرموقة ورواتبهم السخية، لكنهم غضبوا لشباب مصر المركون على الرفّ.
ليسوا من ساكنى العشش، فلديهم شققٌ وفيلات أنيقة بأحياء مصر الراقية، لكن الذنب عذّبهم لنومهم تحت السقوف، وإخوتهم يلتحفون جريدَ النخيل وألواح الصفيح، ووعيد المطر ووابله. ارتعبوا على مستقبل مصر وأطفال الشوارع يتكاثرون ويتناسلون.
أولئك ليسوا مصابين بالفشل الكلوى الذى ضرب معظم المصريين، فهم يشربون ماءً مفلتراً غير مسرطن ويأكلون خضروات عضوية غير معجونة بالمبيدات، لكنهم يقرأون الإحصاءات الدولية، فيذهلون من عدد المصريين الذين يضربهم السرطان سنويّاً، فغضبوا من مسؤولين غلاظ القلب أنهكوا صحة مصرَ، ومصاصى دماء أهملوا علاج الذين أمرضوهم. أولئك الشباب ليسوا ممن تُهدَر كرامتهم فى الشوارع والأقسام، فهم ينتمون إلى عائلات تحميهم بنفوذها، لكنهم ثاروا من أجل كل مصرى أهين على يد الشرطة.
شبابٌ ذكى من نخبة عقول مصر. أدركوا أن الفقير لا يحلم، لأنه «مفرومٌ» فى مطحنة الخبز. إذا راوده الحلمُ، سارع بطرده كى يتخلص من عبئه، ليوفر طاقته لمطاردة القرش. لذلك قرر أولئك الثوار أن يحلموا نيابةً عن الفقير، والمريض، والمظلوم.
حلموا بمصر بلداً مستنيراً ليبراليّاً ديمقراطيّاً عادلاً حرّاً. يقفُ فيه الفقيرُ أمام الثرى نِدّين فى دولة القانون، لا يتكئ الثانى على سلطانه، ولا يخور الأول من ضعفه.
فى كل شعوب الأرض فئتان: كتلةٌ نحيلةٌ ترى «الحال المايل»، فتغضب وتتمرّد. وكتلة ضخمة، ترى «الحال المايل»، فتغضب أيضاً، لكنها تسكت. تنشد السلامة، وتعتبر الظلمَ قدراً مقدوراً. الفئةُ الأولى هى التى تثور على الظالمين، وتدفع أعمارها فى سبيل الجمال والعدالة، بينما الفئة الثانية تغضب من وقف الحال، وقد تدعو على الثوار لكى يهدّ الله حيلهم، ليعود «الاستقرار».
وحين تُزهر ثمارُ الثورة، يكون الثوارُ قد استُشهد منهم مَن استشهد، واعتُقل مَن اعتُقل، فيما ينعم «المستقرون» بالثمار، فتلهج ألسنهم بالدعاء لأولئك الأشراف الذين أنقذوا البلد!
أوجه كلامى للذين يحنّون لأيام الاستقرار قبل ٢٥ يناير. لا بأس أن تكونوا ضمن الكتلة الضخمة الناشدة السلامة. لا بأس أبداً. فليس مطلوباً أن يثور الجميع.
وليس من ثورة فى التاريخ قوامُها الشعبُ بكامله. مطلوبٌ منكم فقط أن تشاركوا الثوارَ الحلمَ بغد أجمل. صلّوا لكى يصمدوا ويثابروا. مطلوب منكم ألا تصدقوا الإعلامَ الحكومى الكذوب الذى صوّر الثوّارَ عملاءَ مأجورين، فهم أبنائى وأبناء كلّ أم مصرية. لا تصدقوا أنهم سبب الفوضى وغلاء الأسعار، فتلك أفعالُ النظام لكى يشحنكم ضد أبنائكم فى الميدان، فتتحولوا إلى طابور خامس يطعنهم من الظهر.
اذهبوا مرّةً واحدة لزيارة ميدان التحرير، وأعدكم أنكم لن تعودوا كما كنتم. ستدركون أن أولئك الأبناء أحبوكم أكثر مما تحبون أنفسكم، فخرجوا ليأتوا لكم بحقوقكم المنهوبة. تلك التى سكتُّم أنتم عليها سنينَ طوالا، وعقوداً.
فاطمة ناعوت - Almasry Alyoum
No comments:
Post a Comment