من أجـل الوطـن والديـن معاً
فى كل مرة كانت تقع فيها أحداث تفاقم من الاحتقان الدينى فى المجتمع المصرى كان المسئولون يسارعون أولا إلى نفى صفة الفتنة الطائفية عنها، ثم يبادرون ثانيا بلقاءات للمصالحة يحضرها بالإضافة إليهم رجال دين من الطرفين، ولا يدرى المرء ماهية جدوى هذه اللقاءات إن لم يكن الأمر متعلقا حقا بفتنة طائفية. وعلى أى حال كنا نشاهد فى هذه اللقاءات أيادى متشابكة وعناقا حارا بين ممثلى المسلمين والأقباط، وتصريحات وردية عن تجاوز الأزمة، غير أن شيئا عدا هذا لم يكن يحدث إلى أن يحين أوان الأحداث الطائفية التالية فيتكرر السلوك ذاته وكأن المجتمع قد أصيب بجلطة فكرية وسياسية، علما بأن معدل تكرار هذه الأحداث قد زاد على نحو ملحوظ فى السنوات الأخيرة.
من هنا آن أوان الحديث عن الحلول الجذرية، وهو حديث يدخلنا من ناحية فى مناطق شائكة للغاية، ويتطلب من ناحية أخرى لنجاعته وقتا طويلا الأمر الذى يعزز ضرورة البدء فى التحرك بأسرع ما يمكننا. ولا شك أنه من الصعوبة بمكان التوصل بسرعة إلى وفاق وطنى حول ماهية الحلول، ولكن طرح القضية ينبغى أن يكون نقطة البداية.
ثمة أمور كثيرة سكتنا عليها طويلا، واعتبرناها من حقائق الحياة، ومن أهمها سقف الوظائف العامة المسموح به للأقباط. سوف يقال كالعادة إن بين الأقباط وزيرين ومحافظ إلى غير ذلك من «الرموز»، لكن المسألة لا تطرح هكذا بالتأكيد، وإذا كنا لم نتمكن حتى الآن من تحقيق المواطنة الكاملة فى حياتنا السياسية ككل فلنحققها فى مجال الوظائف العامة، بمعنى أن تشغل استنادا إلى الكفاءة وحدها وليس لأى اعتبارات دينية، وهكذا يمكن أن تأتى وزارة مثلا دون وزراء أقباط على الإطلاق أو يشكل الأقباط نصفها أو أقل أو أكثر، وأقول هنا لكل مسلم يعارض هذا الرأى إن عزة الإسلام الحقيقية فى اجتهاد أبنائه وتفوقهم وليس فى شغلهم الوظائف العامة على غير أساس من الكفاءة.
سيقولون إن تولى الأقباط مناصب عامة عديدة قد تشمل رئاسة الوزارة وعضويتها ومحافظين ورؤساء جامعات وغير ذلك سوف يجعلهم يمثلون قوة حقيقية تتحزب لأبناء دينها بحيث ينتهى الأمر بسيطرتهم على الدولة، ناهيك عن ارتباطاتهم الخارجية المشبوهة، فما أسخف القول!. فهو مبنى ابتداء على التسليم بأن المسلمين أقل كفاءة من الأقباط، وهذا غير صحيح، وبالتالى فإن التطبيق الجاد للفكرة سوف يؤدى تلقائيا إلى ميزان للعدالة الحقة بين مكونى المجتمع، بحيث يشغل كل من المسلمين والأقباط ما يقارب نسبتهم فيه.
ما أسخف القول كذلك لأنه حدث عندما أعملت الكفاءة فى أهم المؤسسات المصرية وهى المؤسسة العسكرية كان الفريق فؤاد عزيز غالى قائدا مظفرا للجيش الثانى فى درة الإنجاز العسكرى المصرى فى حرب أكتوبر1973، وعلى صعيد آخر كان المرحوم يونان لبيب رزق بطلا من أبطال كتيبة العقول المصرية التى أعادت طابا لمصر، ولم يسمع أحد منا يوما عن تهمة وجهت لقاض قبطى بتحيز قائم على الدين فى أحكامه.
من ناحية أخرى وعلى مستوى القطاع غير الحكومى فإن آلافا وربما عشرات الآلاف من أقباط مصر أطباء وصيادلة ناجحون بفضل عدالة نظام التعليم المصرى، ولم يسمع أحد يوما أن مسلما قد حرم من خدمة طبية أو دواء ضرورى بسبب هذا الوضع، كما أن الحركات الاحتجاجية للصيادلة والأطباء كانت تتم دوما على أساس مهنى وليس دينيا. ومع ذلك كله فإن حديث «الضمانات» ضرورى فى هذا السياق كى يطمئن الجميع، فجنبا إلى جنب مع المساواة فى فرص شغل الوظائف العامة أو غيرها ينبغى أن تكون هناك رقابة جادة على شاغليها منعا لأى استغلال منحرف لها سواء فى مجال التحيز الدينى أو غيره، كذلك فإن عملية المساواة هذه يمكن أن تتم عبر خطوات تدريجية يمكننا دائما السيطرة على أى نتائج غير حميدة لها.
يأتى بعد ذلك دور رجال الدين، وقد آن أوان التوقف عن الإبحار فى مجال إبداء الآراء الانتقادية التى تمس صميم عقيدة كل طرف من جانب رجال الدين فى الطرف الآخر بالقول أو بالكتابة.
هذا باختصار عمل غير مسئول يمارسه البعض للأسف انطلاقا من بطولات زائفة. كذلك ينبغى لوم كل قيادة دينية ومحاسبتها إذا لم تجهر بالصوت العالى بإدانة ما يقع من أخطاء من الجانبين، فكثير من رجال الدين المسلمين لا يتحدثون عن الرأى الصحيح للإسلام فى حرق الكنائس التى أكد الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر أن الدفاع عنها واجب إسلامى، وكثير من رجال الدين المسيحيين لم يبادروا بإدانة الأقباط الذين قاموا بمهاجمة مقر محافظة الجيزة فى أحداث كنيسة العمرانية الأخيرة، وفرق كبير بين أن تكون مظلوما وبين أن تنتهك القانون وإلا أعطينا ذريعة للممارسات المضادة.
أما خطباء المساجد ووعاظ الكنائس فحدث عنهم ولا حرج، لأنه من المؤكد أن نسبة منهم على الأقل لا تحفل بتعزيز الوحدة الوطنية، ومن حسن الحظ فى هذه الآونة أن على رأس أهم مؤسستين إسلاميتين لهما صلة بموضوعنا وهما الجامع الأزهر ووزارة الأوقاف رجلان يسكن الإسلام الصحيح عقليهما وقلبيهما، كما أن ثقتى كبيرة فى حكمة البابا شنودة فى هذا الصدد.
أما وسائل الإعلام فتحتاج وقفة خاصة لأنها تبقى الأكثر انتشارا وتأثيرا، وبعضها دون شك يلذ له كثيرا أن ينفخ فى الفتنة الطائفية بدعوى الاهتمام بها أو الغيرة على الدين، وهكذا تنتشر الروايات المثيرة والمغلوطة والتى من شأنها أن تؤجج مشاعر الفرقة والاحتقان، ناهيك عن دور الفضائيات التليفزيونية الخاصة إسلامية كانت أو قبطية فى توسيع الهوة بين أبناء المجتمع. ومن أسف أن بعض المثقفين يجد طريقه إلى وسائل الإعلام هذه فتكتسب بهم قيمة وقدرة أكبر على التأثير، والحق أن سيف القانون يجب أن يكون قاطعا فى هذا الصدد حتى ولو اقتضى الأمر بعض الإصلاحات التشريعية.
يتصل بما سبق حديث واجب عن النظام التعليمى بحيث يجب أن تكون المساواة بين الديانتين واضحة فى المناهج التعليمية ولا أزيد!، ويجب ضمان أن يكون المدرسون حريصين على الوحدة الوطنية. وكلنا يعرف الممارسات التى تخرج عن هذا السياق، وكان لبعض وزراء التعليم السابقين فضل إيقافها أو على الأقل شرف المحاولة.
من ناحية أخرى فإن التعليم الدينى على الجانبين يجب أن ينقى من أى شىء يسىء للوحدة الوطنية إن وجد، ويقودنا هذا كله إلى تغيير ثقافى واجب لا أمل بدونه فى إحراز أى تقدم فى هذه القضية المصيرية. ولقد هبت على مسلمى مصر وأقباطها رياح فكرية من خارجها ساعدت على خلق أساس فكرى للفرقة والاحتقان لا علاقة له بجوهر الديانتين، وبسبب هذه الرياح المدمرة حدث الكثير من حالات الفتنة، وفى ظل استمرارها لا أمل يرجى فى أى شىء بما فى ذلك الإنجازات التشريعية المطلوبة كالقانون الموحد لبناء دور العبادة، لأن تشريعا لا تتقبله ثقافة المجتمع لا يمكن أن يكون فاعلا.
الأفكار كثيرة يضيق بها المكان، ومسيرة الحلول الجذرية لا ريب طويلة وشاقة وشائكة، وبعض النفوس أو كثير منها مشحون، لكن الجميع يجب أن يؤمن بأنه لا عزة للدين إذا عاش أبناؤه فى وطن ممزق، ولهذا فإن وحدة الوطن وسلامته تستحق منا أن نبادر الآن وليس غدا بكل ما يمكننا من خطوات من أجل حماية الوطن وإلا فإن التاريخ لن يغفر لنا ما فعلناه بهذا الوطن الحبيب ذى التاريخ العظيم.
من هنا آن أوان الحديث عن الحلول الجذرية، وهو حديث يدخلنا من ناحية فى مناطق شائكة للغاية، ويتطلب من ناحية أخرى لنجاعته وقتا طويلا الأمر الذى يعزز ضرورة البدء فى التحرك بأسرع ما يمكننا. ولا شك أنه من الصعوبة بمكان التوصل بسرعة إلى وفاق وطنى حول ماهية الحلول، ولكن طرح القضية ينبغى أن يكون نقطة البداية.
ثمة أمور كثيرة سكتنا عليها طويلا، واعتبرناها من حقائق الحياة، ومن أهمها سقف الوظائف العامة المسموح به للأقباط. سوف يقال كالعادة إن بين الأقباط وزيرين ومحافظ إلى غير ذلك من «الرموز»، لكن المسألة لا تطرح هكذا بالتأكيد، وإذا كنا لم نتمكن حتى الآن من تحقيق المواطنة الكاملة فى حياتنا السياسية ككل فلنحققها فى مجال الوظائف العامة، بمعنى أن تشغل استنادا إلى الكفاءة وحدها وليس لأى اعتبارات دينية، وهكذا يمكن أن تأتى وزارة مثلا دون وزراء أقباط على الإطلاق أو يشكل الأقباط نصفها أو أقل أو أكثر، وأقول هنا لكل مسلم يعارض هذا الرأى إن عزة الإسلام الحقيقية فى اجتهاد أبنائه وتفوقهم وليس فى شغلهم الوظائف العامة على غير أساس من الكفاءة.
سيقولون إن تولى الأقباط مناصب عامة عديدة قد تشمل رئاسة الوزارة وعضويتها ومحافظين ورؤساء جامعات وغير ذلك سوف يجعلهم يمثلون قوة حقيقية تتحزب لأبناء دينها بحيث ينتهى الأمر بسيطرتهم على الدولة، ناهيك عن ارتباطاتهم الخارجية المشبوهة، فما أسخف القول!. فهو مبنى ابتداء على التسليم بأن المسلمين أقل كفاءة من الأقباط، وهذا غير صحيح، وبالتالى فإن التطبيق الجاد للفكرة سوف يؤدى تلقائيا إلى ميزان للعدالة الحقة بين مكونى المجتمع، بحيث يشغل كل من المسلمين والأقباط ما يقارب نسبتهم فيه.
ما أسخف القول كذلك لأنه حدث عندما أعملت الكفاءة فى أهم المؤسسات المصرية وهى المؤسسة العسكرية كان الفريق فؤاد عزيز غالى قائدا مظفرا للجيش الثانى فى درة الإنجاز العسكرى المصرى فى حرب أكتوبر1973، وعلى صعيد آخر كان المرحوم يونان لبيب رزق بطلا من أبطال كتيبة العقول المصرية التى أعادت طابا لمصر، ولم يسمع أحد منا يوما عن تهمة وجهت لقاض قبطى بتحيز قائم على الدين فى أحكامه.
من ناحية أخرى وعلى مستوى القطاع غير الحكومى فإن آلافا وربما عشرات الآلاف من أقباط مصر أطباء وصيادلة ناجحون بفضل عدالة نظام التعليم المصرى، ولم يسمع أحد يوما أن مسلما قد حرم من خدمة طبية أو دواء ضرورى بسبب هذا الوضع، كما أن الحركات الاحتجاجية للصيادلة والأطباء كانت تتم دوما على أساس مهنى وليس دينيا. ومع ذلك كله فإن حديث «الضمانات» ضرورى فى هذا السياق كى يطمئن الجميع، فجنبا إلى جنب مع المساواة فى فرص شغل الوظائف العامة أو غيرها ينبغى أن تكون هناك رقابة جادة على شاغليها منعا لأى استغلال منحرف لها سواء فى مجال التحيز الدينى أو غيره، كذلك فإن عملية المساواة هذه يمكن أن تتم عبر خطوات تدريجية يمكننا دائما السيطرة على أى نتائج غير حميدة لها.
يأتى بعد ذلك دور رجال الدين، وقد آن أوان التوقف عن الإبحار فى مجال إبداء الآراء الانتقادية التى تمس صميم عقيدة كل طرف من جانب رجال الدين فى الطرف الآخر بالقول أو بالكتابة.
هذا باختصار عمل غير مسئول يمارسه البعض للأسف انطلاقا من بطولات زائفة. كذلك ينبغى لوم كل قيادة دينية ومحاسبتها إذا لم تجهر بالصوت العالى بإدانة ما يقع من أخطاء من الجانبين، فكثير من رجال الدين المسلمين لا يتحدثون عن الرأى الصحيح للإسلام فى حرق الكنائس التى أكد الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر أن الدفاع عنها واجب إسلامى، وكثير من رجال الدين المسيحيين لم يبادروا بإدانة الأقباط الذين قاموا بمهاجمة مقر محافظة الجيزة فى أحداث كنيسة العمرانية الأخيرة، وفرق كبير بين أن تكون مظلوما وبين أن تنتهك القانون وإلا أعطينا ذريعة للممارسات المضادة.
أما خطباء المساجد ووعاظ الكنائس فحدث عنهم ولا حرج، لأنه من المؤكد أن نسبة منهم على الأقل لا تحفل بتعزيز الوحدة الوطنية، ومن حسن الحظ فى هذه الآونة أن على رأس أهم مؤسستين إسلاميتين لهما صلة بموضوعنا وهما الجامع الأزهر ووزارة الأوقاف رجلان يسكن الإسلام الصحيح عقليهما وقلبيهما، كما أن ثقتى كبيرة فى حكمة البابا شنودة فى هذا الصدد.
أما وسائل الإعلام فتحتاج وقفة خاصة لأنها تبقى الأكثر انتشارا وتأثيرا، وبعضها دون شك يلذ له كثيرا أن ينفخ فى الفتنة الطائفية بدعوى الاهتمام بها أو الغيرة على الدين، وهكذا تنتشر الروايات المثيرة والمغلوطة والتى من شأنها أن تؤجج مشاعر الفرقة والاحتقان، ناهيك عن دور الفضائيات التليفزيونية الخاصة إسلامية كانت أو قبطية فى توسيع الهوة بين أبناء المجتمع. ومن أسف أن بعض المثقفين يجد طريقه إلى وسائل الإعلام هذه فتكتسب بهم قيمة وقدرة أكبر على التأثير، والحق أن سيف القانون يجب أن يكون قاطعا فى هذا الصدد حتى ولو اقتضى الأمر بعض الإصلاحات التشريعية.
يتصل بما سبق حديث واجب عن النظام التعليمى بحيث يجب أن تكون المساواة بين الديانتين واضحة فى المناهج التعليمية ولا أزيد!، ويجب ضمان أن يكون المدرسون حريصين على الوحدة الوطنية. وكلنا يعرف الممارسات التى تخرج عن هذا السياق، وكان لبعض وزراء التعليم السابقين فضل إيقافها أو على الأقل شرف المحاولة.
من ناحية أخرى فإن التعليم الدينى على الجانبين يجب أن ينقى من أى شىء يسىء للوحدة الوطنية إن وجد، ويقودنا هذا كله إلى تغيير ثقافى واجب لا أمل بدونه فى إحراز أى تقدم فى هذه القضية المصيرية. ولقد هبت على مسلمى مصر وأقباطها رياح فكرية من خارجها ساعدت على خلق أساس فكرى للفرقة والاحتقان لا علاقة له بجوهر الديانتين، وبسبب هذه الرياح المدمرة حدث الكثير من حالات الفتنة، وفى ظل استمرارها لا أمل يرجى فى أى شىء بما فى ذلك الإنجازات التشريعية المطلوبة كالقانون الموحد لبناء دور العبادة، لأن تشريعا لا تتقبله ثقافة المجتمع لا يمكن أن يكون فاعلا.
الأفكار كثيرة يضيق بها المكان، ومسيرة الحلول الجذرية لا ريب طويلة وشاقة وشائكة، وبعض النفوس أو كثير منها مشحون، لكن الجميع يجب أن يؤمن بأنه لا عزة للدين إذا عاش أبناؤه فى وطن ممزق، ولهذا فإن وحدة الوطن وسلامته تستحق منا أن نبادر الآن وليس غدا بكل ما يمكننا من خطوات من أجل حماية الوطن وإلا فإن التاريخ لن يغفر لنا ما فعلناه بهذا الوطن الحبيب ذى التاريخ العظيم.
بقلم:أحمد يوسف أحمد- الشروق
No comments:
Post a Comment