Thursday, January 20, 2011

نعشق "فجر تونس الجديد"..يرعبكم ويلهمنا

كانت مواقف المسئولين العرب من ثورة تونس المجيدة التي زلزلت سبات العرب، مثيرة للشفقة وللسخرية أحيانا. فذاك قرر أن يعبر عن تأيده لرغبة الشعب التونسي في التغير وحقه بتقرير مصيره ، وانبرى أحدهم بالتغزل في شجاعة الشعب التونسي، أما "قائد ثورة الفاتح من سبتمبر" فقد هاجم "ثورة الياسمين".


عجيب أمر المتحدثين باسم أوطاننا.. رغم أننا موقنون أنهم ينطقون بما لا يعلمون، إلا إننا نذكر السادة رعاة ما تبقى من هذه الأوطان.. أليس كل زقاق ومدن العرب كسواد "تونس بن على"؟ أليس في شوارعنا كل يوم مناحة جوع وفقر وقمع وفساد؟ أليس لديكم "بوليس" ومخابرات وأمن دولة ومباحث ومتلصصين ومخبرين وإعلام يرقص في أحضانكم؟ ألستم تجيشون مئات الآلاف من المدججين بـ"القمع" لإرهاب شعوبكم تحت مسميات مكافحة الشغب والإرهاب، لأنهم يطالبون بالعيش الكريم؟

هل كان وحده زين الفارين وحرمه المصون من نهب الأرض وما تحت الأرض وقوت الشعب؟؟

هل كان نظام "المخلوع" الوحيد الذي "يحتقر لشعبه ولا يعتقد انه يستحق الحرية"؟، لأنه كان يؤمن بأن هذا الشعب "خانع ذليل ولن يواجه نظامه وساديته".

يا سادة، زين العابدين بن علي وحتى قبل لحظات من خلعه مقتنع بأن شعبه "جبان وخانع"، ولكن هذا الشعب قرر أن ينفجر ليس على طريقة "الفزعة" العربية بل على بطريقته الخاصة: "ثورة حتى الخلاص"، بمعنى يكفي "قَرَفْ".

صحيح أن ثورتهم بدأت شرارتها من شوارع سيدي بوزيد بعد أن أقدم محمد البوعزيزي على حرق نفسه، وامتدت الى كل بقعة من تونس، لكنها بالتأكيد تفجير لـ"كبت قاتل"، وأصبحت الحياة لا تُحتمل في ظل ديكتاتورية لا مثيل لها في القرن الحادي والعشرين، سوى في وطننا العربي الكبير، مع فرقٍِ بحجم "الخوازيق".

الثورة التونسية لم تكن من أجل لقمة العيش وضد البطالة وارتفاع الأسعار وضياع الأجيال فحسب، لأن التونسيين عاشوا هذه الأوضاع أثناء حكم الحبيب بورقيبة ولم يسقطوه، وسبق أن وعد بن علي في أيامه الأخيرة بتوفير الوظائف وتخفيف الأسعار لكن التونسيين أصروا على تحرير أنفسهم من الاستبداد والعبودية والذل، فقرروا العيش بكرامة وأمن وسلام، لأن الإنسان لا يحي بفتات الخبز وحده يا سادة.

التونسيون أرادوها "ثورة" وليس "انتفاضة"، ثورة ضد نظام احتل تونس وعاث فيها فسادا وتنكيلا وتكميما، وليس تجويعا فقط.

التونسيون ثاروا على الديكتاتورية التي لم تتسامح مع الإعلام وحرية التعبير وشددت الرقابة على الانترنت وقلمت المعارضة وحولتها الى "ديكور" في قصور النظام، وعزلت الشعب عن العالم وهمشته على أرضه.

يا سادة أخطر ما أقدم عليه بن علي أنه أهان التونسيين وجرح كرامتهم، واستخف بذكائهم وشبه نفسه بالقائد المتنور التقدمي الذي يعمل من أجل مصالح تونس، فمنع الآذان وأغلق الساجد وحارب الحجاب ورخص للموبقات والخمارات وفتح البلاد لكل غرباء الأرض حتى أصبح الشعب طريدا في وطنه.

ثورة تونس المجيدة لم تخلع الديكتاتور فقط، بل علقته بين السماء والأرض بطائرته "الحرام"، لا صديق ولا حليف يقبل به، باعه الجميع حتى حاشيته وأمنه وجيشه، وقبلته السعودية حبيسا ذليلا ، ممنوعا من الكلام، وكأن تاريخه الأسود ينقلب عليه.

المفارقة العجيبة والتي تدل على عنجهية ذلك الدكتاتور أنه لم يحفظ النشيد الوطني التونسي الذي يُعزف ويُنشد كل صباح، و يقول في بعض أبياته:

فلا عاش في تونس من خانها **ولا عاش من ليس من جندها

نموت و نحيا على عهدها **حياة الكرام و موت العظام

إضافة لبيتين شهيرين للشاعر التونسي أبو القاسم الشابي:

إذا الشعب يوما أراد الحياة **فلا بدّ أن يستجيب القدر

ولا بد لليل أن ينجلي **ولا بد للقيد أن ينكســر

التونسيون ادخروا لهيب هذه الأبيات ليوم الجمعة 14 يناير/كانون الثاني، فطردوا من خان الوطن واستخف بالكرام ورثة البطولات والثورات ضد كل دخيل ومستعمر وخسيس.

أيها السادة، قد لا تحدث الثورة التونسية تغيرا كبيرا فيكم رغم قلقكم وخوفكم، لأن لكم قدرة عجيبة على البقاء، ولنا "صبر جميل ...". لكن درس تونس الذي يجب أن تفهموه جيدا هو أن صمت الشعوب الظاهر قد يكون خادعا.

فأنتم مطالبون بثورة بيضاء على أنفسكم وسياساتكم وأنظمتك التي تحكمون بها قبل أن يصفع رجل أمن شابا عربيا آخر فيتحول جسده لفتيل ثورة شعبية لا تبقي ولا تذر.

التونسيون يا سادة يحبون الأرض والخبز، لكنهم يعشقون الياسمين والحرية أكثر، ونحن كذلك


رائد العابد -

رئيس تحرير شبكة الإعلام العربية محيط

No comments: