هذا نداء صادق ومفتوح أوجهه للقيادة السياسية فى مصر، قاصداً سلامة مصر وصالح مواطنيها، وراجياً أن نتفادى الدرسين المريرين الناتجين عن معالجات قاصرة فى الملف القبطى وملف الإصلاح السياسى والاجتماعى والاقتصادى. إذن العلاقة واضحة بين الدرسين القبطى والتونسى، لقد فصل بينهما يومان ففى يوم الأربعاء الماضى قطع الأقباط طريق صلاح سالم وهشموا سيارات وأصابوا عدداً بجراح، احتجاجاً على حادث قطار سمالوط، وفى مساء الجمعة بلغ الدرس التونسى ذروته بالهروب المخزى للديكتاتور الفاسد المفتون بعجرفة السلطان.
الدرس الأول ينبهنا إلى تقصيرنا فى توفير حالة الإحساس بالعدالة والأمن لدى الأقباط، شركاء الوطن، بالمحاكمات البطيئة للإرهابيين المسلمين فى نجع حمادى وهو البطء الذى أوحى للمجرم فى قطار سمالوط بأن دماء الأقباط وأرواحهم مستباحة، الجزء الثانى من درس الملف القبطى يلقى بالمسؤولية على القيادة الحاكمة، ذلك أن العفو عن مثيرى الشغب الذين هشموا السيارات وأصابوا السيدات والرجال المسلمين فى طريق صلاح سالم وصرفهم بهدوء كما نشرت الأهرام- هو عفو يمثل دعوة للمسلمين لحماية أنفسهم عند العدوان عليهم ويشجع مثيرى الشغب على تكرار عدوانهم، إن تباطؤ العدالة مع القتلة المسلمين والتسامح مع المعتدين الأقباط تحت حجة تقديرنا لغضبهم- أمران يفتحان باب الفوضى والاعتداءات المتبادلة ويمنحان وقودا لمشايخ وقساوسة الخطاب الدينى المتعصب.
إننى أطالب بالتجريم القانونى الحاسم لأقوال التعصب وازدراء الدين أو تحقير المواطن، بسبب دينه، كما أطالب بتطبيق قانون العقوبات بكل شدة على الإرهابيين ومثيرى الشغب وقطاع الطرق سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين وسواء كانوا يعبرون عن غضب أو فرح. لقد احتفيت فى مقال الثلاثاء الماضى بخروج بناتنا وأبنائنا المسلمين ليلة عيد الميلاد المجيد ليشكلوا دروعاً بشرية للكنائس والأقباط، واليوم أطالب بالضرب بيد من حديد على مثيرى الشغب المسيحيين الذين هاجموا سيدات مسلمات- أعرف بعضهن- فى طريق صلاح سالم، وأعرف أنهن قد توجهن للكنائس، لحماية الأقباط وهن يعلمن أن يد الإرهاب الغادرة يمكن أن تنال من سلامتهن. إن التعصب الذى يقف على هامشى المجتمع المصرى المتعايش والمتحاب بجموع المسمين والمسيحيين يجب أقصاؤه بقوة القانون. مازالت كلماتى موجهة إلى قيادات مصر الحاكمة.
فى هذه الرسالة المفتوحة التى أطالب فيها، بوضوح، بتطبيق سياسات عادلة حازمة على الجانبين لا تترك أدنى انطباع لإرهابى أو غاضب بأن يدنا قد تراخت أو أن سياستنا فى هذا الملف وتداعياته أصبحت متسمة بالرخاوة.
إن السياسة الرخوة فى حد ذاتها تشجيع على الفوضى وعلى العدوان وهو أمر أرجو أن تدركه قيادات مصر السياسية.
هذا عن درس الملف القبطى.. فماذا عن درس الديكتاتورية والفساد وانحطاط أخلاق الحكم التونسى؟
إن الهروب المخزى للرئيس الذى ظل مفتوناً بقوة السلطان على مدى ثلاثة وعشرين عاماً- يضع أيدينا على مكامن الخزى. إن قول الرئيس «بن على» إن بطانته السياسية قد غررت به وأخفت عنه حقائق الأمور هو عذر أقبح من الذنب، فالحاكم الذى يعزل نفسه ويسمح لبطانته بمحاصرته وحجب الواقع عنه لا يستحق أصلاً أن يؤتمن على مصير شعب- لقد طبق «زين العابدين بن على» سياسة احتكار السلطة والثروة ومارس الحكم بنمط ديكتاتورى مستبد لحساب قلة، ومكن هذه القلة من رجال الحكم من نهب الموارد الاقتصادية وتكوين الثروات الطائلة فى نموذج للرأسمالية الخبيثة التى تدير البلاد لحساب القلة الحاكمة بفجور وجشع وانحطاط أخلاقى وإنسانى.. ماذا كانت النتيجة لهذا المزيج من الاستبداد والفساد؟ كانت إفقار غالبية الشعب والحط من كرامته دون أى اعتبار لحقوق الإنسان الاجتماعية والاقتصادية والمدنية كان الرئيس وعائلته وحاشيته فى اطمئنان تام، فلقد كانت أدوات القمع جاهزة وكان الشعار المطمئن للرئيس «جندى لكل مواطن»، بدلاً من رغيف ومسكن ووظيفة وكرامة لكل مواطن.
إننى أتمنى أن تكون قيادتنا أكثر حصافة من فخامة الرئيس بن على، وأن تستمع باحترام إلى أصواتنا المطالبة بالعودة إلى الإصلاح السياسى الذى بدأناه فى حماس عام ٢٠٠٢ عندما لبى كبار الأكاديميين والمثقفين الدعوة للمشاركة فى اللجان المتخصصة لأمانة السياسات بالحزب الوطنى لطرح رؤى الإصلاح داخل النظام الحاكم.
نحن فى أشد الحاجة إلى تطبيق أفكار الإصلاح الديمقراطى وأفكار التنمية البشرية والإصلاح الإدارى والعدل الاجتماعى والمساواة بين المواطنين وأفكار إصلاح التعليم ومكافحة الفساد ووقف سياسة تمييز المحاسيب بمنحهم رواتب شهرية تصل إلى مليون ونصف المليون جنيه شهرياً وتعديل جداول أجور الطبقة الوسطى العاملة بالحكومة لتليق بحياة كريمة وتمكين الشباب من العمل والأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى من أداء دورها فى حرية.
دعونا نحم مصر بتطبيق الأفكار التى أدلى بها المفكرون فى لجان أمانة السياسات، ولم يطبق منها سوى القشور، فهذا طوق نجاة مصر
بقلم د. إبراهيم البحراوى - Almasry Alyoum
No comments:
Post a Comment