زمان كان فيه حاجة فى مصر اسمها كسوف وخجل وواحد وجهه يحمر لما يعمل «عملة سوداء». الآن لا أحد يخجل ولا أحد يشعر بأنه قد قام بعمل شائن.
وربما كانت السرقة تعتبر فى وقت من الأوقات جريمة مخلة بالشرف، والآن أصبح تعريف السرقة هو أن تقوم بنشل محفظة واحد فى الأتوبيس، أو تقفز فوق سور بيت لتسرق الغسيل. أما الذى يسرق مال الشعب ويغرف منه ليل نهار فلا أحد يتكلم عنه لأنه كما يقولون «مال سايب».
يتكلمون الآن عن جهاز جديد للدولة لتوزيع الأراضى، وذلك بعد أن انتهت كل أراضى مصر الصالحة للبيع تقريباً. لو جاءت هيئة محايدة وعاينت ما فعله بعض وزراء الإسكان لاكتشفت أن ما يقوله الناس صحيح وما خفى كان أعظم، وقد حكمت المحاكم بأن هذا البيع غير قانونى وجائر، ولكننا قادرون على تغيير القوانين لمساندة السرقة والظلم، وقادرون على أن نلغى المحاكم كلها إذا لزم الأمر، والغريب فى الأمر أن اغتصاب الأرض قد تم برضاء وكيل صاحب الأرض، وهى الحكومة، وكيل الشعب المصرى، والكل راضٍ وسعيد ولا أحد يشعر بأى نوع من الخجل والكسوف، ويقف هذا الوزير وهذا المغتصب ليتكلما عن الأمانة والشرف بصفاقة شديدة ويشتمون حرامى الغسيل لأنه لوث سمعة مصر وشرفها!
هل يخجل الوزير عندما يخصص له فيلا فاخرة على البحر أو فى التجمع الخامس يبيعها سيادته ويربح فيها الملايين بعد تسلمها مباشرة؟ ألا يعرف سيادته أن مصر كلها تعلم ذلك؟ ألا يخجل ولو قليلاً؟ بالعكس إنه زبون مستديم على العمرة أو الحج السريع ويظهر فى صورة رائعة بملابس الإحرام.
ألا يخجل السادة الوزراء وهم يسيرون بسيارة الدولة محاطة بسيارات سريعة يثيرون الفوضى فى الشارع ويتسببون فى حوادث للبسطاء ويعطلون المرور فى مدينة مزدحمة؟
ألا يخجل السيد المحافظ وهو يزور قرية فى محافظته ويشاهد عشرات اللافتات التى ترحب بالسيد اللواء الوزير المحافظ الدكتور فلان؟ هل يشعر بسعادة طاغية وهو يرى هذا الزيف الواضح الذى لا معنى له؟ لماذا لا يأمر السيد المحافظ بمنع هذه المهازل ويوقف صرف أموال الفقراء فى كلام فارغ؟ ألا يخجل حضرة النائب أو النائبة فى مجلس الشعب الجديد الذى يعلم هو وأولاده وأصدقاؤه وأقاربه والدائرة كلها أنه لا يمكن أن يحصل على مائة صوت فى هذه الدائرة بمجهوده، فيحصل على ثلاثين ألف صوت، كل صوت مزور ينطح الصوت الآخر؟!
إن حضرة النائب يقف بكل شجاعة ويعلن أن الانتخابات نزيهة وأن شعبيته فى الدائرة كاسحة بدون أى كسوف. ألا يخجل نائب المعارضة المزيفة من نفسه، وهو يقول إنه نجح فى الإعادة وهو يعلم أن كل ذلك من صنع الأمن؟! وعلى الجانب الآخر يقف نائب الحزب الوطنى الذى سقط فى الانتخابات الأخيرة بعد أن نجح فى المرة السابقة بالتزوير ليعلن عن فوضى التزوير، بدون أى كسوف ولو بسيطاً وينسى التزوير الذى حدث لصالحه فى المرة السابقة! والغريب أن هذه العينة من السادة النواب يتكلمون بشجاعة غريبة وكأن الشعب المصرى كله من الأطفال السذج.
الرجل المعروف باسم ترزى القوانين يتكلم عن الديمقراطية بحماس مذهل، وعن النزاهة فى الانتخابات وعن التغييرات العظيمة فى الدستور وفوائدها الجبارة، وكأن الشعب المصرى عبارة عن مجموعة من البلهاء يمكن أن يصدقوه. المصريون ليسوا بلهاء وهم يعلمون مدى الزيف والكذب فى كل حديث السلطة، لكن هذا الشعب لم يجرؤ بعد على أن ينهض ويقول لا، وقد آن الأوان أن يقول المصرى «لا لكل زيف أو كذب أو ظلم»، ويجب أن تعود حمرة الخجل لوجوه المصريين.
قوم يا مصرى... مصر دايماً بتناديك
بقلم د. محمد أبوالغار- Almasry Alyoum
No comments:
Post a Comment