اكتشف العلماء المورفين، والهيروين، والحشيش، والمطمئنات والمهدئات والمنبهات قبل أن يتضح لهم أن الله قد خلق، رحمة بالعباد، المستقبلات الأفيونية (الأندورفين، والانكفالين)، ومستقبلات الحشيش، بل ومستقبلات الطمأنينة والهدوء (الجابا) ومستقبلات مفرحات النفوس (مضادات الاكتئاب، والسيروتونين) فى مخ الإنسان والحيوان، وكأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يخفف الآلام الجسدية والنفسية ليس للبشر فقط، ولكن أيضا للحيوان.
كذلك توجد فى المخ بعض المسارات العصبية، التى تحمل الموصل العصبى الدوبامينى المسؤول عن النشاط، البهجة، اللهفة واللذة، ومع تصوير المخ وجدنا نشاطاً زائداً فى إفراز ومسارات الدوبامين عند الإتيان بأى سلوك ممتع، فالطعام الجيد، التذوق الجمالى، الجنس، التدخين وكثير من المخدرات والمنبهات تعمل من خلال هذا المسار العصبى الدوبامينى.
وأعتقد أن طمأنينة المؤمن الحق بالجوهر، وليس بالطقوس، تتولد من توازن المطمئنات والمهدئات والأفيون والحشيش الربانى وقد سبق لأرسطو أن قال إن السعادة أو جودة الحياة تكمن فى الالتزام بالفضيلة. وعرّف الفضيلة بأنها الحب، العدل، الوسطية، التسامح، عدم الإيثار الذاتى، وتجاوز الذات للآخرين ويبدو أن كل هذه الصفات تعمل من خلال المسارات العصبية والمستقبلات العصبية السابق ذكرها.
نحن نعلم أن أقوى عواطف فى الإنسان هى الأمومة والأبوة، وهذه العواطف القوية تعمل من خلال الموصل العصبى أوكسيتوسين، الذى يجعل الألفة والعشرة من القوة، التى لا توازيها أى لذة أخرى، ولكن وجدنا فى التاريخ الكثير من الآباء وبعض الأمهات يتخلون عن أبنائهم أو آبائهم فى سبيل القوة، والسلطة والمال، فعندنا فى التاريخ البعيد والقريب الذى ثار على والده أو ابنه أو زوجته فى سبيل القوة والسلطة، ولذا أعتقد - وهذا اجتهاد شخصى - أن القوة والسلطة المطلقة قد تنشط مراكز اللذة فى المخ، بحيث ترتبط القوة والسلطة بزيادة نشاط المستقبلات الأفيونية، والحشيش، والمطمئنات،
بحيث يصبح البقاء فى السلطة هو اللذة الوحيدة فى الحياة وتتفوق على أى سعادة أو لذة أخرى، بمعنى أن السلطة والقوة تصبحان إدماناً بالمعنى الكامل، وتحتلان تفكير الشخص، وتصبحان وسواسا لا يستطيع التخلص منه وإذا ابتعد عن هذه القوة والسلطة يصبح حينئذ عرضة لأعراض الانسحاب كمدمن الهيروين، بل أحيانا ما نسمع عن انتحار الشخص، الذى يصبح عرضة للتخلى إجباريا عن السلطة. وعندما أقول السلطة والقوة فإنها ليست سياسية فقط، ولكن فى كل مجالات الحياة، من رئيس قسم بالجامعة، إلى رئيس الخفراء، إلى الوزير، إلى الحاكم، إلى رئيس التحرير إلى أى منصب يعطى القوة والسلطة المطلقة.
لقد أتاح لى الزمن أن أعرف الكثيرين من ذوى السلطة والقوة والمال فى كل المجالات، ووجدت تغيراً واضحاً فى الشخصية والسلوك. وقد واجهت الكثير منهم بهذا التغير، الذى عادة ما لا يشعرون به، فنجد الوزير بعد فترة من توليه الوزارة يتغير أسلوبه فى الكلام، بل تصبح طريقة سيره مختلفة عن ذى قبل، فيمشى باختيال،
بل إن حركات يديه وتعبيرات الوجه قد ألمّ بها التغيير أيضا وتصبح ممارسته للسلطة نابعة من شهوة ولذة، ويصبح همه الوحيد هو البقاء فى السلطة تماما كالمدمن، الذى تكون كل منظوماته المعرفية متجهة إلى كيفية الحصول على المادة المخدرة. وهنا نجد التفسير العلمى لهذا التغيير والتضحية بكل شىء فى سبيل بقاء الإفراز الأفيونى الربانى...!!!
ويعانى البعض من هذه السمات وليس الكل، خاصة هؤلاء الذين يصلون إلى السلطة عن طريق المصادفة، والمعارف، والولاء وليس عن طريق العمل الجاد والممارسة السياسية الممتدة، والخبرة والقدرة على الابتكار.
إن البقاء فى السلطة لمدة محددة، وأن تكون عرضة للمساءلة، وأن تتحمل المسؤولية وتجاوز الذات والإتقان فى العمل هى خير وسيلة لعدم إدمان المنصب والسلطة، فالسلطة المطلقة إدمان أفيونى، أبعدكم الله عنها، أما السلطة المستنيرة التى تتجاوز الذات، فهى الفضيلة.
ولذا، نصحت كل دساتير العالم وكل لوائح الجامعات والشركات بألا يبقى الإنسان فى السلطة والقوة لمدة طويلة لأنه سيتوحد مع الكرسى ولا يتقبل النقد، ويصبح همه الأول هو الحصول على المادة الأفيونية فى المخ ألا وهى السلطة والقوة المطلقة، ولا يصيب هذا الإدمان البلاد الديمقراطية، حيث يعرف أى فرد فى منصب أنه غير باق، ولذا تعمل على أن يجعل الأفيونات والمطمئنات الربانية فى الحدود، التى تحسن جودة الحياة، بدلا من أن تكون وسواسا يتركز على شهوة السلطة
Almasry Alyoum
No comments:
Post a Comment