فى الساعة الرابعة بعد ظهر السبت الموافق ٢١ أغسطس من هذا العام، أعلن الوزير الفنان فاروق حسنى أن مجهولين سرقوا لوحة «زهرة الخشخاش» للفنان العالمى فان جوخ من متحف محمود خليل. وفى صباح اليوم التالى، وصل النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود إلى المتحف، فاكتشف أن جميع أجهزة الإنذار معطلة و٤٣ كاميرا للمراقبة معطلة ماعدا سبع كاميرات، وأن اللوحة المسروقة قيمتها ٥٥ مليون دولار. وأنا أضيف إلى هذا الحادث المأساوى أحداثاً أخرى مأساوية جرت فى مؤسسات الدولة وأتساءل:
هل ثمة قانون يحكم هذه الأحداث المأساوية؟
وأجيب بسؤال:
ما القانون؟
صياغة علمية تكشف عن علاقة ضرورية بين ظاهرتين.
والسؤال إذن:
ما هما الظاهرتان اللتان تتحكمان فى تلك الأحداث المأساوية وتقوم بينهما علاقة ضرورية؟
أجيب بسرد القصة التالية:
فى ٢٥ أبريل ١٩٨٤، عقدت ندوة فى القاهرة دعوت إليها نفراً من المفكرين المصريين لإجراء حوار حول العلاقة بين الاقتصاد والثقافة على ضوء قضية محددة هى ما اصطلح على تسميتها فى السبعينيات من القرن الماضى بـ«الانفتاح الاقتصادى» ومدى تأثيره على النظام الاجتماعى، وفى بداية الحوار، أثرت ما كان قد دار فى ذهنى تبريراً لعقد هذه الندوة.
قلت: مع عودة أمريكا ومعونتها المالية إلى مصر إثر طرد الاتحاد السوفيتى فى يوليو ١٩٧٢، بزغت ظاهرتان متلازمتان: الأصولية الدينية والرأسمالية الطفيلية، وعلى الرغم مما يبدو من تناقض بينهما، فإنهما متحدتان فى الغاية وهى تدمير حضارة العصر والتكنولوجيا. ثم أثرت السؤال التالى:
هل أنا محق فى هذا التوصيف وما لازمه من تأويل؟
دار الحوار حول هذا السؤال. وفى نهاية الندوة، اختزلت ما قيل فى عبارة واحدة:
«لا أحد يستطيع أن يفلت من الفساد».
والمقصود بالفساد، فى هذه العبارة، هو الفساد الذى تفرزه العلاقة العضوية بين الأصولية الدينية والرأسمالية الطفيلية.
والسؤال بعد ذلك:
ما طبيعة هذا النوع من الفساد؟
الأصولية الدينية تعنى إبطال إعمال العقل فى النص الدينى والرأسمالية الطفيلية تعنى المتاجرة فى غير المشروع، أى فى المخدرات وما يلازمها من شركات توظيف أموال وغسل أموال وجرائم قتل فى غياب العقل. وإذا كان ذلك كذلك فالنتيجة الحتمية فساد العقل أو بالأدق، فساد يصيب العقل. وإذا فسد العقل فسدت الثقافة.
والسؤال بعد ذلك:
كيف يمكن تحرير العقل من هذا الفساد؟
بالتنوير ليس إلا.
ولكن ما التنوير؟
هو الجرأة فى إعمال العقل بحيث لا يكون لدينا سوى سلطان العقل، ومن ثم يمتنع وأد العقل.
وماذا بعد؟
اقتحام المحرمات الثقافية التى تكبل العقل فتسلبه الجرأة.
ومَنْ هو القادر على ذلك الاقتحام؟
هو المثقف ليس إلا.
وأين يقيم هذا المثقف؟
فى المجلس الأعلى للثقافة لأنه مسؤول عن بث روح التنوير بحكم القرار الجمهورى الصادر بتأسيسه فى عام ١٩٨٨، وفى الجامعات المصرية بحكم تأسيسها على العقل والعلم.
والسؤال بعد ذلك:
ماذا جرى لهذا المثقف؟ ولماذا امتنع عن إحداث التنوير؟
هل بتأثير الأصولية الدينية والرأسمالية الطفيلية معاً؟
وهل هما بلا منافس؟
جوابى بالإيجاب بحكم كونى عضواً بالمجلس الأعلى للثقافة، وبحكم كونى أستاذاً للفلسفة بجامعة عين شمس
د.مراد وهبة - Almasry Almasry
No comments:
Post a Comment