الدكتور مفيد شهاب له تاريخ سياسى معروف بدأه بالالتحاق بمنظمة الشباب وهى جناح سياسى مهم ومؤثر للاتحاد الاشتراكى وأصبح الرجل الثانى فى المنظمة، وبالرغم من أن هذه المنظمة ضمت عدداً كبيراً من الشباب الوطنى المتحمس لمستقبل أفضل لمصر به قدر كبير من العدالة الاجتماعية فإنها ضمت أيضاً مجموعة من أعظم الانتهازيين الذين لم يكن انتماؤهم للوطن بقدر ما كان لمن يضعهم فى وظيفة سياسية أو تنفيذية كبرى بغض النظر عن المثل والمبادئ، وقد التحق هؤلاء بالمنظمة لأنها كانت الطريق الذى يؤدى إلى الحصول على النفوذ السياسى والوظائف القيادية الكبرى فى مصر وبعد هزيمة ١٩٦٧ ضُرب النظام السياسى لعبدالناصر فى مقتل وانتهت التنظيمات السياسية التى أسسها بوفاته.
واستمرت مجموعة الوطنيين من منظمة الشباب فى الدفاع عن الوطن ومستقبله فى المعارضة أو حتى فى وظائف إدارية عليا، بينما استمرت المجموعة الانتهازية فى محاولة القفز إلى السلطة، وكانت قد قامت بتبديل جلدها وأفكارها فى ثوان معدودة وبساطة شديدة، واضطر بعضها لأن يختفى عن الأنظار فى الداخل وذلك بالعمل الأكاديمى أو العمل الخاص بعيداً عن السياسة أو خارج البلاد بالهجرة إلى الولايات المتحدة وهو ما حدث مع قيادات مهمة أو بالعمل فى بلد عربى حتى تسمح الظروف بقفزة جديدة إلى عالم السياسة فى عصر مختلف له توجهات عكس ما نادى بها نفس الرجال فى الماضى القريب.
وهذا ما حدث مع الدكتور مفيد شهاب الذى عاد بعد ذلك إلى كلية الحقوق، وتقدم لأول مرة للحصول على وظيفة فى انتخابات حرة حقيقية، وهى وظيفة عميد كلية الحقوق، وكانت النتيجة الشهيرة بأنه حصل فقط على صوته الوحيد. وأكدت هذه النتيجة للدكتور شهاب أن مستقبله السياسى مرتبط بالولاء لأى قيادة بغض النظر عن توجهاتها السياسية أو الاقتصادية، وأن مستقبله فى التعيين وليس الانتخاب لأنه تأكد أن لا شعبية له فى أى مكان أو أى وقت. وفعلاً أصبح رئيساً لجامعة القاهرة بالتعيين، وقد علمت من مصادر عديدة أنه فى حضور الكبار كان يجلس صامتاً ويتكلم فقط ليؤيد كل ما يقال من الكبار، أما بالنسبة لزملائه ومرؤوسيه فالأمر كان مختلفاً، وأذكر أنه أثناء رئاسته الجامعة وفى اجتماع مع أساتذة الطب لمناقشة مستقبل إدارة «قصر العينى الفرنساوى» بعد إتمام إنشائه كان يرفض الاستماع بطريقة متعجرفة وسخيفة إلى أى رأى، ولا يقدر مقام الحاضرين ورأيته فى هذا اليوم حين همس مدير مكتبه فى أذنه فانطلق يعدو تاركاً كرسى أحمد لطفى السيد الذى كان بالتأكيد واسعاً عليه ليتحدث فى التليفون فى غرفة مجاورة، وكاد ينكفئ على وجهه من السرعة للحاق بالتليفون بدون أى اعتذار للحضور أنه سوف يغيب بضع دقائق. بالتأكيد كان المتحدث القصر الجمهورى وليس بالضرورة الرئيس، ولكن هذا التليفون أتى من مصدر الإلهام والقوة وشريان الحياة بالنسبة لمستقبله السياسى.
و بعد ذلك أصبح الدكتور شهاب وزيراً للتعليم العالى، وشهدت الجامعات انهيارات شديدة فى العلم والبحث العلمى فى عهده وتقدماً ملحوظاً فى السيطرة الأمنية وانهيار الحريات الأكاديمية، وقد اعتبر ذلك نجاحاً من وجهة نظر النظام ممثلاً فى وزارة الداخلية، وقام بتعيين عدد كبير من المستشارين والملحقين الثقافيين فى السفارات المصرية من محدودى الكفاءة والموهبة من رجاله تلبية لوساطات من جهات عليا، ثم ترك الوزارة إلى مجلس الشعب حيث كان ملكياً أكثر من الملك، إذا طلب تعديلاً دستورياً لتقييد الحرية تفنن فى تعديل يقتل كل حرية ممكنة، وهو الذى شارك بهمة ونشاط فى صياغة كل التعديلات المعيبة فى الدستور المصرى التى سوف يذكر التاريخ بالعار كل من شارك فى صياغتها، والدكتور شهاب كان المؤيد الكبير فى تمديد قانون الطوارئ إلى الأبد، وعندما فكرت الدولة تحت الضغوط الداخلية والخارجية فى صياغة قانون الإرهاب شارك فى وضع مواده التى قال لى فقيه دستورى كبير إنها معيبة جميعاً وسوف تلغى المحكمة الدستورية العليا كل كلمة فى هذا القانون المشبوه.
وقد قام الدكتور شهاب بترشيح نفسه فى دائرة محرم بك بالإسكندرية، وكما نعلم جميعاً بأن شهاب تقدم بالترشيح بأمر سام من لجنة السياسات وهو طبعاً عبد المأمور ويعلم شهاب جيداً أنه دون تزوير كامل وصريح سوف يأخذ صفراً كبيراً فى هذه الانتخابات لدائرة لا أحد يعرفه فيها أو يؤيده. وبالفعل دخلت جامعة الإسكندرية على الخط بإعلان يطلب بطاقات أعضاء هيئة التدريس والعاملين فى الجامعة وقيل إن ذلك لعمل بطاقات انتخابية لهم فى محرم بك.
الأمر فى تقديرى يرجع إلى أن هناك فعلاً خلافاً بين الحرس القديم الملتف حول الرئيس مبارك والحرس الجديد بقيادة أحمد عز الذين يبدو أنهم يريدون رئيساً جديداً لمجلس الشعب ولم يجدوا شخصية فى الوقت الحالى من فريق الناشئين تصلح للوظيفة فقاموا بالتفكير فى مفيد شهاب، صحيح أنه من الحرس القديم، ولكنهم يعرفون قدرته الفائقة على التحول من الحرس القديم إلى الحرس الجديد أو الحرس المتوسط أو أى حرس مادام فى السلطة. فإذا نجحت الخطة فيمكن لأحمد عز أن يعتمد عليه فى فترة انتقالية حتى يجدوا الرجل المناسب، وبالطبع فإن الدكتور شهاب مع السلطة سواء كانت فى الحرس القديم أو الجديد. هل سوف ينجحون فى إزاحة سرور؟ وهل سوف يغفر له الحرس القديم فعلته؟ لا أحد يدرى.
ولكن كل هذا التخطيط يتم على اعتبار أن الشعب المصرى ليس له وجود ولا اعتبار أو رأى فى أى اختيار. أرى أمام عينى انهياراً فى كل شىء فى مصر وأرى إرهاصات تغييرات جذرية وأعتقد أن مصر- على الرغم من كل شىء- لن تموت.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.
د. محمد أبوالغار - Almasry Alyoum
No comments:
Post a Comment