بعض التحليلات السائدة حاليًا تري أن نجم الدكتور محمد البرادعي، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، قد بدأ في الأفول. وهي تقوم علي ما حدث خلال وجوده في مصر من ابتعاد أعضاء الجمعية الوطنية للتغيير عنه، وممارسته نشاطه بعيدًا عن الجمعية التي بدأ أعضاؤها ورموزها في ممارسة التحركات دون تنسيق مع الدكتور البرادعي. وبعض هذه الرؤي والتحليلات غير البريئة تري أن انشقاقًا حدث في الجمعية وأن الخلافات بدأت تدب في أوصالها بصورة أقرب زمنيًا مما كان متوقعًا، وإن التناغم بين البرادعي وأعضاء الجمعية بدا مفتقدًا، خاصة أنه يقضي كثيرًا من الوقت خارج مصر.
فإلي أي مدي تصح هذه المقولات؟، وهل أفل فعلاً نجم الدكتور محمد البرادعي؟ الحقيقة أن المؤشرات التي يسوقها أصحاب هذا التحليل هي مؤشرات صحيحة لكنها يمكن أن تصل بنا إلي عكس التحليل الذي يخرجون به، فهناك بالفعل خلاف في الرؤي بين الدكتور محمد البرادعي ومعظم أعضاء الجمعية الوطنية للتغيير، وتم التعبير عنه علانية في وسائل الإعلام من قبله ومن قبلهم، ولكن بأسلوب دبلوماسي من كلا الجانبين. والدكتور البرادعي نفسه أصدر بيانًا وهو في مصر أكد فيه أنه سيعتمد في المرحلة القادمة علي الشباب، فيما يعني أن المسكوت عنه في البيان هو أنه لن يعتمد مستقبلاً علي أعضاء الجمعية، وهو زار كل من محافظتي الفيوم والإسكندرية بعيدًا عن الجمعية، حيث اعتمد في الزيارة وشاركه فيها شباب من حملة تأييده كمرشح مرتقب لرئاسة الجمهورية، فضلا عن أن أعضاء الجمعية ذاتهم بدأوا في التحرك بمفردهم تجاه الأحزاب من أجل إقناعها بمقاطعة انتخابات مجلس الشعب المقبلة.
و الدكتور محمد البرادعي ليس من هواة السياسة، وإنما هو شخصية كبري استطاعت أن تتبوأ واحدا من أرفع المناصب السياسية العالمية، وهو بالتالي يستطيع أن يزن الأمور جيدا، وليس كما يعتقد البعض بمكن الاستيلاء عليه وتوظيفه لخدمة مصالح صغيرة، وهو كذلك من خلال اجتماعاته مع «رموز» الجمعية الوطنية للتغيير عرف طريقة تفكيرهم، وخطط تحركهم، وأدرك مدي شعبيتهم، ويبدو أنه لم يتوافق مع هذه الأمور فقرر أن يتحرك وفقًا لمعطيات أخري، في مقدمتها أن التغيير أصبح مطلبًا شعبيًا لجميع فئات المجتمع وليس حكرًا علي فئة واحدة هي النشطاء السياسين، وأن معظم الشعب المصري من الشباب الذين يجب أن يأخذوا حقهم في العمل السياسي، وأن يكون ذلك وفقا لأسلوبهم وأدواتهم وليس بأسلوب وأدوات الشيوخ، فقرر أن يتكيف مع هذه المعطيات ويعتمد علي الشباب، خاصة أن من بدأ حملات المطالبة به كمرشح لرئاسة الجمهورية هم هؤلاء الشباب الذين يشكلون القدر الأكبر من أنصاره علي مجموعات الفيس بوك الخاصة به وبحملته.
وإذا كان أحد مواضيع الخلاف بين الدكتور البرادعي وأعضاء الجمعية الوطنية للتغيير، هو خلافهم حول سفر الدكتور محمد البرادعي المتكرر إلي الخارج، فهو يشير إلي خلاف حول أسلوب العمل، حيث يريد أعضاء الجمعية، ومعظمهم من الذين سبق لهم أن مارسوا العمل السياسي في إطار تنظيمات أخري مثل «الحملة المصرية ضد التوريث»، أو «حركة كفاية» أو عبر أحزاب سياسية، أن يمارس الدكتور البرادعي العمل السياسي عبر الطرق التقليدية المتعارف عليها والتي ثبت للأسف فشلها، بدليل أنها لم تحقق أي شيء ملموس في طريق عملية التحول الديمقراطي اللهم بعضها مثل حركة «كفاية» التي أزالت حاجز الخوف لدي المصريين، في الوقت الذي يري فيه الدكتور البرادعي، وعدد كبير من مؤيديه من الشباب أن التطورات التكنولوجية وثورة الاتصالات أفرزت أساليب أخري للعمل السياسي، لا تتطلب الوجود الدائم في مصر في هذه المرحلة بالتحديد.
وبالطبع يدرك الدكتور البرادعي أن قدرًا كبيرًا من تسببه في إزعاج النظام هو شبكة العلاقات الدولية التي استطاع أن ينسجها خلال عمله بالخارج، سواء في الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو غيرها، وأيضًا بسبب الجوائز العالمية المتعددة التي حصل عليها وفي مقدمتها جائزة «نوبل للسلام»، وبالتالي فهو يدرك أن استمرار هذه العلاقة والحصول علي المزيد من الجوائز وشهادات الدكتوراه الفخرية هو أمر ضروري لاستمرار تهديده للنظام، ولحماية نفسه من أي مصادر للتهديد يمكن أن يقوم بها نظام استبدادي في مواجهة معارضيه، وهو ما يعني أن سفره للخارج من أجل الحصول علي الأوسمة والشهادات والجوائز يصب في النهاية لصالح حملته من أجل التغيير، وليس فقط لأسباب شخصية بحتة كما يتصور الآخرون.
والذي يؤكد أن نجم الدكتور البرادعي لم يأفل وليس في طريقه إلي الأفول هو أن التقارير الصحفية المتعددة التي نشرت في الأسابيع الماضية حول مستقبل الأوضاع في مصر وضعته كرقم صعب في معادلة السياسة المصرية، في الوقت الذي لم تبد فيه أي اهتمام بالجمعية الوطنية للتغيير، بما يعني أنها تدرك أنه مثل حلم التغيير للمواطنين العاديين بعيدا عن أي تنظيمات سياسية أو حركات احتجاجية.
وهذه التقارير والتي نشر معظمها في صحف عالمية مدققة، والآخر صدر عن مراكز كبري للأبحاث تعتمد علي المنهج العلمي ولو شكليا علي الأقل، تؤكد أن الدكتور البرادعي مازال علي قوته التي بدا بها عندما أصدر أول بيان حدد فيه شروط ترشحه للرئاسة، خاصة أن عدد المنضمين إلي مجموعته علي الفيس بوك يزداد كل يوم، والتوقيع علي بيان التغيير المنسوب إليه مازال يحوز علي أعداد كبيرة من المواطنين سواء عبر الإنترنت أو التوقيع الورقي، وهو الأمر الذي دفع الراغبين في توريث الحكم للسيد جمال مبارك إلي اتباع نفس الآليات ويقلدون نفس أسلوب الشباب الموالين للدكتور البرادعي مع العلم بأن الآخرين يفعلون ذلك بروح وإرادة ومن أجل مصر في الوقت الذي يقوم فيه رجال جمال مبارك بتقليدهم من أجل منافع ذاتية ومصالح آنية.
ويمكن القول بأنه لو لم يطرح الشباب اسم الدكتور البرادعي كمرشح للرئاسة، ولو لم يلحوا عليه من أجل أن يرشح نفسه بما دفعه إلي طرح الشروط السبعة التي تضمن أن تجري انتخابات نزيهة في مصر، لولا كل ذلك لما بحث السيد جمال مبارك عبر أنصاره عن سند شعبي ممثلا في الجماعات الوهمية التي تعلق له اللافتات، ولما جري آخرون تابعون له إلي الأحياء العشوائية لشراء دعم الفقراء عبر القروض الحسنة التي يوزعونها هناك مقابل الحصول علي توكيل منهم بتأييده كمرشح للرئاسة المقبلة.
إن ما حدث في الآونة الأخيرة هو تصحيح مسار من الدكتور البرادعي بعدما سعي آخرون إلي السطو علي مجهود الشباب وتحركهم، والركوب علي حركتهم، دون أن يكون لديهم أي خطط للعمل سوي الظهور في الفضائيات للحديث عن التغيير والإصلاح، في الوقت الذي يريد فيه الشباب العمل وسط الجماهير في أماكن تجمعاتهم وليس في تلك المعروف عنها أنها تجمعات للسياسيين فقط. فهل بعد ذلك نستطيع أن نزعم أن نجم الدكتور البرادعي قد أفل أو أنه في طريقة إلي الأفول؟
خالد السرجاني- الدستور
No comments:
Post a Comment