Monday, August 02, 2010

نعم «مصر ولّادة».. ولكن خدّاماً وسادة

من الأقوال المأثورة عن المصريين عندما يسطع فى سمائها نجم من المبدعين فى شتى المجالات فى كل حين وزمان، أن تسمع منهم تلك العبارة الجميلة «مصر ولّادة».. بمعنى أن معينها لا ينضب أبدا، وأن فى كل جيل من المصريين من يحمل رسالة الإبداع والنبوغ والتفوق والتفرد، فى العلوم والآداب والثقافة والفنون والرياضة..

ولكن ما لا يحب المصريون أن يقولوه أنه مثلما تنجب هذه الأرض السادة المبدعين، فإن معينها لا ينضب أيضا من هؤلاء الجاهزين لتقديم خدماتهم للسلطة أيا كانت وتسخير علمهم – أو بالأحرى شهاداتهم ومناصبهم وجهودهم – فى خدمة السلطان أيا من كان!. وفى الحقيقة فإن من أنجبتهم «مصر ولّادة» فى العقدين الماضيين على وجه التحديد من هذه الفئة أكثر بكثير ممن قدمت من السادة المبدعين والنابغين.

المجال لا يتسع هنا لمناقشة أسباب هذا التدهور الأخلاقى فى حياة المصريين، ولكن بلا شك يأتى على رأس هذه الأسباب نظام الحكم الديكتاتورى البوليسى المستبد الذى جعل الأولوية الأولى والأخيرة له هى استمرار سلطانه وسطوته على مقاليد الأمور فى الدولة اعتمادا على الأجهزة الأمنية الباطشة التى تعمل فى حماية قانون طوارئ مستمر منذ عقود طويلة، يرى فى أى معارض لجبروتهم وفسادهم إرهابيا أو تاجراً للمخدرات!

وما قصة الشاب الشهيد خالد سعيد إلا مثال حى لما أقول. ظهر ذلك التواصل بين أجيال المنافقين من خدمة النظام فى الصحافة المصرية على مدى الأسابيع القليلة الماضية التى امتلأت بحوارات وتصريحات جيل الشيوخ منهم ومن يتأهبون لحمل راية النفاق والارتزاق من بعدهم..!

الغريب أن جميعهم يطرقون نفس المواضيع ويرددون نفس المعانى، ولكن كل واحد منهم يحاول أن يكون له أسلوب خاص وإظهار نفسه على أنه الأكثر مقدرة على استخدام أو استحداث ألفاظ لم يأت بها الأولون، يظن أنها يمكن أن تنطلى على أحد من العالمين!

وتوضيحا لما أقول فقد أتحفتنا صحيفة «الأهرام» بحديث مع رئيس مجلس الشعب المصرى لما يقرب من العشرين عاما الذى تربى فى حضن النظام السياسى المتواجد طوال أكثر من نصف قرن أيا كانت صفته، وتقلد مناصب عليا فيها كلها منذ كان فى الثلاثينات من العمر وحتى الثمانينات.. يعيش فى كل العصور راضيا عن نفسه ومرضيا عليه! قدمه فريق الأهرام الذى أجرى الحوار معه بأنه «السياسى العتيد والقانونى الفذ والمحامى الضليع والخبير المحنك فى الممارسة البرلمانية والعلاقات الدولية»..

فإذا برجل هذه صفاته يتحدث عن الوضع السياسى العام فى مصر هذه الأيام فيعرضه فى صورة ذكرتنى بما يكتبه عمنا الكبير الساخر الجميل جلال عامر كل أسبوع تحت عنوان «كلمات راقصة»، بل ربما يكون فى تعليقات السيد رئيس مجلس الشعب ما هو أكثر سخرية وعجبا، فهو يقول مثلا «المسرح القائم هو حزب حاكم يعمل وناس تمسك الفؤوس لهدم ما هو موجود فى محاولة للتغيير لكنه نحو المجهول»،

ويقول الخبير المحنك أيضا «لا بأس من التغيير ولكن هناك رؤى طرحت لكنها أفلاطونية أو محض اجترار ما بالكتب»، ويبرر رجل العدل والاستقامة سبب عدم إسقاط عضوية النائب هشام طلعت مصطفى من مجلس الشورى على الرغم من صدور حكم بإعدامه فى قضية تحريض بالقتل «بأن المجلس ربما لم ير أن هذا الفعل قد أزال عن النائب الثقة والاعتبار».

وبسؤاله هل يُسمح للأحزاب المعارضة بعمل مؤتمرات جماهيرية؟ فيرد المحنك الخبير: وهل لها ناس»!! ويدافع القانونى الفذ عن المادة ٧٦ بالدستور بأن الوضع الحالى يتطلب وجودها دون تغيير أو تعديل، فمصر محاطة بالكثيرين من المتربصين لقيادتها ويريدون رئيسا تفصيلا لتكون مصر لقمة سائغة لهم!!

أكتفى بهذا القدر من الحوار حتى لا أكون مرة أخرى سببا فى ارتفاع ضغط دم القارئ، وقد عرضته كمثال لأفكار جيل قديم متمرس فى كيفية الحفاظ على مناصبه، ذى قدرة فذة على المراوغة والمداهنة وتفصيل القوانين على حسب هوى من يظنون أن مصر هى «العزبة» التى ورثوها وسيورثونها!

لا يتسع المجال لإيضاح أمثلة أخرى من تصريحات الجيل القديم التى امتلأت بها الصحف فى الأسابيع الماضية خاصة تلك التى كان فيها ممثلون عن هذا الجيل يحاضرون شبابا غضا حشده الحزب الحاكم فى معسكرات ومؤتمرات، فيكيلون الشتائم والإهانات للدكتور البرادعى والشباب الذى يحلم بالتغيير الحقيقى الذى يبدأ فى المقام الأول بتغيير هذه الوجوه التى يطالعونها على المنصات وفى وسائل الإعلام المختلفة منذ عقود

د. طارق الغزالى حرب- المصرى اليوم

No comments: