Sunday, July 04, 2010

العلمانية ليست نقداً للدين

يحاول بعض العلمانيين والمتدينين ، وضع العلمانية في مواجهة الدين ، سواء كان ديناً سماوياً أو أرضياً ، فليس هدف العلمانية مجرد النقد أو التصادم مع الدين ، بغرض إزاحة الغشاوة التي تحجب النظر عن أعين المتدينين .
إن هدف العلمانية في المقام الأول ، تحرير الإنسان وبناء المجتمعات ، والنقد مجرد أداة أو وسيلة لتحقيق الغاية في حال النجاح أو الفشل ، وغالباً ما يستخدم النقد في حال الفشل في بلوغ الهدف ، فهل فشلت العلمانية في تحقيق أهدافها ، ولهذا بتنا نرى نقداً علمانياً للدين ، كمخرج لتبرير الفشل ؟.
الجواب عن ذلك السؤال يستدعي أولاً تقسيم العلمانية إلى نصفين :
النصف الأول : العلمانية في الغرب ، وهنا لا مجال للحديث عنها ، طالما أدت دورها في تحقيق أهدافها النهائية ، ليس على صعيد فصل الدين عن الدولة ، كما يظن البعض ، انطلاقاً من تعريفهم لها ، بل من اكتمال سعيها في بناء الإنسان الحر الذي يتمتع بكامل حقوقه ، وبناء المجتمع المعاصر الذي يستمد قوته من قوة الإنسان نفسه .
النصف الثاني : العلمانية في الشرق ، والمقصود فيه ، الشرق المسلم ، فإن الحديث عن العلمانية في هذا النصف يسوده الكثير من اللبس والغموض ، فالعلمانية في الشرق لازالت مبهمة المعالم ، غامضة المعاني ، وربما كان نقد الدين (الإسلام) باعتباره الديانة السائدة في الشرق على ما سواها من أديان أخرى ، أنجع وسيلة أمام العلمانيين للتدليل على وجودها ، لاسيما في ظل كثرة الطروحات الدينية التي تحمل شعارات تدعي الحل ، وهي شعارات لا يمكن للعقل العلماني أن يحتملها .
فالتباين في الأهداف ، واضح وضوح الشمس بين الطروحات الدينية ( الإسلام ) من حيث طريقة بناءها لمجتمع متدين ، يقحم السياسة في صلب الدين ، فضلاً عن وصايتها للإنسان وربط مصيره بمصير الحاكم ، باعتباره ظل الله على الأرض ، وطاعته من طاعة الرسول .
وبين الطروحات العلمانية التي أخذ حكام الشرق كفايتهم منها ، من حيث التظاهر والمباهاة بحداثة قوانين الدولة وتشريعاتها ، وإعطاء انطباعات سلبية في نظر خصومهم ( المتدينين) بأن علمانيتهم ( الحكام ) تعني بقاءهم في السلطة ، وهو الأمر الذي دفع الكثيرين منا إلى التساؤل ، لماذا تؤدي علمانية الغرب طريقها إلى الديمقراطية ، بينما لا تؤدي علمانيتنا طريقها سوى إلى الاستبداد؟.
قد يجد بعض العلمانيين في الدين ( الإسلام) جواباً عن ذلك السؤال ، الأمر الذي يستدعي حسب اعتقادهم ، تشريح الدين ونقده بأشد ما يمكن من أساليب النقد ، وهو ما يضفي انطباعاً سلبياً في شرائح المجتمع المختلفة ، من أن هدف العلمانية الوحيد ، هو نقد الدين .
قد يكون الدين في الشرق ، ما يعوق تقدم العلمانية في تحقيق أهدافها ، فالانطباع السلبي المنسوخ في ذهن الإفراد ، يحول بينها وبين أهدافها ، كما أن الثورة على الدين من خلال ممارسة النقد ، ليست الحل الوحيد ، إذا ما علمنا ، أن آخر الدواء الكي .
فلا أحد يستطيع البتة ، أن يغير معتقدات ملايين الأفراد بين ليلة وضحاها ، إذا ما خبرنا أن المعتقد ، أياً كان جوهره ، جزء أساسي من تكوين الإنسان ، وخصوصاً الشرقي ، والأدل على ذلك ، أن العلمانية في الغرب ، لم تلغ إيمان الفرد ، كما لم تسع إلى استبدال معتقد بآخر ، فكل ما قامت به ، أنها أشعلت أنوار الفكر في دربهم ليستدلوا الطريق القوي الخالي من الاستبداد الديني والسياسي ، وليبنوا مجتمعهم الحر الذي يحترم إنسانية الإنسان ، ولعل هذا ما تفتش عنه العلمانية في الشرق


ثائر الناشف
thaaer-1@hotmail.com
الحوار المتمدن

No comments: