Sunday, July 11, 2010

قبيلة الأقباط (٣)

فى سلسلة مصر من المركزية إلى القبلية أتحدث عن قبيلة الأقباط بعد أن تحدثنا عن قبيلة الشرطة ثم قبيلة القضاة. منذ طفولتى وأنا أعتبر أن الأقباط جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع المصرى فلا أعتقد أن هناك من يستطيع أن يفرق بين الفلاح القبطى والفلاح المسلم فى شكلهما أو ملبسهما أو طريقة كلامهما أو لهجتهما الصعيدية أو البحراوية، ولا أحد يستطيع أن يقول إن هذا طبيب أو محامٍ مسلم أو قبطى من شكله.

صحيح أن هذا كان الطبيعى فى طفولتى وشبابى ولكن الآن الوضع اختلف، صحيح أن الشكل واحد ولبس الرجال واحد ولكن لبس النساء اختلف وطريقة الكلام اختلفت وطريقة السلام اختلفت، ولكن هل يعنى ذلك أننا لم نصبح أمة واحدة؟ إنها فترة من تاريخ مصر التى انحدر بها الحال ليُفْصَلَ جزء مهم وجوهرى من نسيج مصر ليصبح قبيلة اسمها، مجازاً، قبيلة الأقباط.

حين كنت طفلاً ثم طالباً بكلية الطب وحتى اليوم لى أصدقاء أقباط ومسلمون ولم يتغير فى الأمر شىء وبناتى أصدقاؤهن من مسلمين وأقباط بدون أى فارق، أما أحفادى الصغار فالأمر مختلف، حينما حاولت أن أستعلم فى حفلة عيد ميلاد: هل هناك أطفال أقباط؟ فقيل لى: لا، وسألت: لماذا؟ فعرفت أن هذه المدرسة الخاصة للغات باهظة المصاريف ليس بها أقباط إلا أعداداً نادرة، وسألت عن السبب فلم أعرف هل هى المدرسة أم هم الأقباط؟ خلاصة الأمر أن مصر ذات النسيج الواحد لم تصبح نسيجاً واحداً إذا أردت أن تعرف السبب فهناك عشرات الأسباب بعضها له علاقة بطريقة خلط الدين بالحياة اليومية فى حياة المصريين جميعاً ولكن السبب الأكبر فى ذلك هو النظام الذى تسبب فى كل ما يحدث.

النظام بالتأكيد لا يعامل المصريين بالمساواة فهو قد اختلق تفرقة واضحة ضد الأقباط فى تولى الوظائف الحكومية، وبالذات العليا، وكذلك كثير من الهيئات المصرية المهمة، وتواجدهم فى مقاعد المجالس النيابية كان دائماً بالتعيين ونادراً بالتزوير بواسطة الحكومة كجزء من عمليات التجميل.

الجامعات المصرية بها تفرقة واضحة كلما سنحت الفرصة لذلك. النظام السياسى الليبرالى المصرى قبل ١٩٥٢ كان يسمح بمشاركة كبيرة وفعالة للأقباط وكان مرشح الوفد القبطى ينجح بسهولة فى دوائر معظمها مسلمون، ولكن الآن وبعد القبلية التى شجعتها الدولة لم يعد ذلك ممكناً.

هذا التصرف من الدولة مع تعاظم التيارات الإسلامية أصاب الأقباط بالخوف واليأس من المشاركة الفعلية، وكان الملجأ السهل الذى فتح ذراعيه لهم هو الكنيسة التى أصبحت تدريجياً هى السلطة الدينية والروحية من ناحية والسلطة السياسية من ناحية أخرى، فأصبحت انتخابات المجالس الملية صورية لأن القائمة التى يرشحها البابا هى التى تكتسح مع أنه المفروض أن المجلس الملى يمثل المجتمع المدنى للأقباط وليس رأى رجال الكهنوت.

وتدريجياً اكتشف القبطى الفقير فى قرية فى الصعيد أنه، كالمسلم تماماً، لن يحصل على حق من حقوقه إلا بالواسطة، وإذا حدث تعدٍ عليه أو على أملاكه لا يذهب إلى الشرطة لأنه لن يحصل على شىء وربما يصيبه كثير من البهدلة فهو يذهب إلى الكنيسة، ويقوم المطران بالاتصال بالمأمور الذى يحل له المشكلة وهذا اتفاق غير مكتوب بين الدولة والكنيسة. وهكذا انتقلت سلطة الدولة فيما يخص الأقباط إلى الكنيسة، وهكذا أصبح البابا أيضاً هو القائد السياسى الأعلى للأقباط، واعتبر الكثير من الأقباط أن هذا أمر مريح لهم وكان ذلك مناسباً للنظام المصرى الذى خطط لهذا الأمر، واعتبر ذلك نجاحاً له لأنه سوف يتفاوض مع شخص واحد بدلاً من التواصل مع ملايين الأقباط وأنه يمكن عن طريق البابا أن يوقف أى غضب شعبى من الأقباط مقابل تلبية بعض مطالب البابا وهذا ما يحدث دائماً، وقام البابا مقابل ذلك بتأييد علنى واضح لمبارك وحزبه ويقال إنه أيضاً أيد التوريث.

لقد حولت الدولة الأقباط إلى قبيلة منفصلة لها قائدها وشجعت انفصالها عن بقية الشعب وجعلت الحياة صعبة لهم فى أشياء كثيرة. فالأجيال الجديدة من الأقباط أصبحوا منفصلين إلى حد كبير فى المجتمع وحتى الجامعة أصبح لهم فيها ركن يجتمعون فيه بعيداً عن الطلبة المسلمين وأصبح عندهم شعور بالتمييز ضدهم، وبالمقابل أصبحت نسبة كبيرة من الشباب المسلم لا تختلط ولا تحبذ الاختلاط بالأقباط، فانفصل المصريون بعضهم عن بعض وأصبحوا قبيلتين، وضاع الوطن.

وعند حدوث مشكلة الزواج الثانى للأقباط فلو كانت مصر فعلاً دولة مدنية كما يدعى النظام لكان الأمر سهلاً. المسلمون يتزوجون عند المأذون والأقباط فى الكنيسة حسب القوانين الدينية التى لا يجب أن يتدخل فيها أحد ولكن الدولة يجب أن تسمح بالزواج المدنى الرسمى فى الشهر العقارى لمن أراد من المصريين وهى طريقة الزواج الوحيدة المعترف بها من الدولة حالياً إذا تزوج المصرى المسلم أو القبطى من أجنبى أو أجنبية ولم يعترض أحد على ذلك فلماذا لا تصدر قانوناً يسمح لمن أراد أن يتزوج خارج الطقوس الدينية للمسلمين أو المسيحيين فليتزوج مدنياً بالقانون وتحل المشكلة كما هو موجود فى العالم كله.

القبيلة القبطية تنغلق على نفسها كل يوم أكثر بسبب مقررات اللغة العربية وبسبب طريقة تدريس التاريخ وبسبب معاملة بعض المدرسين وبسبب الحساسية البالغة فى أمور تافهة. وبرغم وجود مجموعة من الأقباط تريد أن تندمج مع أبناء وطنهم المسلمين فى نسيج واحد فإن الأغلبية منقادة وراء النظام الفاسد الذى يريد للفتنة أن تشتعل ليظل هو الحاكم الأوحد.

إذا لم تتوقف الدولة عن تصرفاتها الخبيثة والضارة ولم يتحد المسلمون والأقباط تحت لواء شعارات ثورة ١٩١٩ فقل على مصر السلام.

قم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك

د. محمد أبوالغار - Almasry Alyoum

No comments: