Sunday, July 18, 2010

العقد الضائع

بعد أن خلف بشار الأسد والده رئيساً للبلاد في يوليو/تموز 2000، راودت الآمال الكثير من الناس في سوريا أن تتحسن حالة حقوق الإنسان. في خطاب قسمه الرئاسي الأول في 17 يوليو/تموز، تحدث الأسد عن الحاجة إلى "تفكير إبداعي"، "الحاجة الماسة إلى نقد بنّاء"، "الشفافية"، و"الديمقراطية"[1]. يلخّص محام حقوق إنسان مشاعره الأولية عن الوراثة، الذي يعكس مزاج وتطلعات آخرين كثر في البلاد: "خطاب قسم الرئيس بشار الأسد أعطى بارقة أمل بعد سنوات الدكتاتورية أيام الرئيس [حافظ] الأسد، كأن كابوساً قد انجلى"[2].

بعد عشر سنوات، لم تتحقق هذه الآمال الأولية، ولم تترجم كلمات الأسد إلى أي نوع من العمل الحكومي لتعزيز النقد، أو الشفافية، أو الديمقراطية. يستعرض هذا التقرير حالة حقوق الإنسان في سوريا في خمس مجالات رئيسية، ويقدم للرئيس السوري توصيات محددة لا غنى عنها لتحسين سجل سوريا في مجال حقوق الإنسان.

ربيع دمشق، الذي أعقب وصول الأسد للسلطة، والذي بدأت خلاله عدد من المجموعات غير الرسمية بالاجتماع في المنازل الخاصة لمناقشة الإصلاح السياسي، لم يدم طويلاً؛ أوجه كان إغلاق سجن المزة في نوفمبر/تشرين الثاني 2000، والإفراج عن المئات من السجناء السياسيين بعد ذلك بوقت قصير. وصل الربيع إلى نهاية مفاجئة في أغسطس/آب 2001؛ إذ امتلأت السجون السورية من جديد بالسجناء السياسيين، والصحفيين، ونشطاء حقوق الإنسان (الملحق 1 يضم أسماء 92 ناشطاً سياسياً وحقوقياً تم اعتقالهم منذ وصول الأسد إلى السلطة).

آلية صنع القرار الغامضة في سورية والافتقار إلى المعلومات حول المناقشات السياسية داخل النظام تجعل من الصعوبة بمكان معرفة الأسباب الحقيقية التي دفعت بشار الأسد لتخفيف القيود القائمة في أوائل عهده، ليعود ويكبح جماحه بعد بضعة أشهر ويحافظ على قبضة محكمة منذ ذلك الوقت. هل كان الأسد إصلاحياً حقيقياً افتقر في وقت مبكر من حكمه إلى القدرة لمجابهة "الحرس القديم" الذي رفض أي انفتاح سياسي؟ إن كان الأمر كذلك، فلماذا لم ينفذ هذه الإصلاحات في السنوات التي تلت ذلك بعد أن عزز قاعدة نفوذه وعين فريقه الخاص في المناصب الرئيسية؟ أم أن حديث الأسد عن الإصلاح كان مجرد انتهازية لكسب الشعبية والشرعية ولم يكن ينوي مطلقاً أن يترجمه إلى تغييرات حقيقية؟

لا يوجد ما يكفي من معلومات متاحة للعلن للإجابة عن هذه الأسئلة بصورة قطعية . ومع ذلك، فإنه من الواضح أنه بعد عشر سنوات في السلطة، لم يتخذ بشار الأسد الخطوات اللازمة لتحسين سجل بلاده بصدق في مجال حقوق الإنسان. لقد ركز الأسد جهوده على الانفتاح الاقتصادي دون توسيع هامش الحريات العامة، أو إنشاء مؤسسات عامة تخضع للمساءلة عن أفعالها. لذا، فإنه في الوقت الذي يقيم فيه زوار دمشق في الفنادق الفارهة ويتناولون العشاء في مطاعم جديدة براقة، يواجه السوريون العاديون خطر السجن لمجرد انتقادهم رئيسهم، أو لإنشاء مدونة على الإنترنت، أو الاحتجاج على سياسات الحكومة.

لا تزال حالة الطوارئ التي فرضت في العام 1963 مطبقة، وتستمر الحكومة في استخدام سلطات الطوارئ في الحكم. وتواصل الأجهزة الأمنية السورية، والمخابرات، احتجاز الأشخاص دون مذكرات اعتقال، وكثيراً ما ترفض الكشف عن مكان وجودهم لمدة أسابيع وأحياناً لشهور، وتستخدم التعذيب بانتظام. والمحاكم الخاصة التي تم إنشاءها بموجب قانون الطوارئ في سوريا، مثل محكمة أمن الدولة العليا، تحكم على الناس بعد محاكمات جائرة. لا تزال سوريا في الواقع دولة حزب واحد فقط حيث يسيطر حزب البعث على السلطة الفعلية.

لقد أتاح بشار الأسد للسوريين الوصول إلى شبكة الإنترنت لكن أجهزته الأمنية تعتقل المدونين وتحجب مواقع رائجة مثل الفايس بوك، ويوتوب، وبلوغر (خدمة المدونات من غوغل). في 22 سبتمبر/أيلول 2001، بعد عام على تولي الأسد السلطة، اعتمدت الحكومة قانون مطبوعات جديد (القانون رقم 50 لعام 2001)، الذي منح الحكومة ضوابطاً شاملة على الصحف والمجلات والدوريات الأخرى، عملياً على كل شيء مطبوع في سورية، من الكتب إلى الكتيبات إلى الملصقات.

وعلى الرغم من تصريحات السيدة الأولى أسماء الأسد في يناير/كانون الثاني 2010 أن الحكومة "تريد منح مساحة أكبر للمجتمع المدني للعمل" فإن الأجهزة الأمنية السورية تواصل رفض طلبات التسجيل للمنظمات غير الحكومية المستقلة، وجميع منظمات حقوق الإنسان في سوريا غير مرخصة[3].

الأقلية الكردية، التي تقدر بـ 10% من السكان، محرومة من حقوقها الأساسية، بما في ذلك الحق في تعلم اللغة الكردية في المدارس أو الاحتفال بالأعياد الكردية، مثل عيد النوروز (رأس السنة الكردية). وازداد القمع الرسمي بحق الأكراد بعد أن أقام الأكراد السوريون مظاهرات واسعة النطاق، شابها بعض العنف، في جميع أنحاء شمال سوريا في مارس/آذار 2004 للتعبير عن المظالم التي استمرت زمنا طويلاً. ومنذ ذلك الحين، فرقت قوات الأمن التجمعات السياسية والثقافية الكردية، أحيانا باستخدام القوة المميتة، واعتقلت عدداً من القياديين السياسيين الأكراد، وأحالتهم إلى المحاكم العسكرية أو إلى محكمة أمن الدولة العليا لمحاكمتهم بتهمة "التحريض على الفتنة"، أو " إضعاف الشعور القومي". وعلى الرغم من الوعود المتكررة من جانب الأسد، لا يزال ما يقدر بـ 300 ألف من الأكراد مجردين من الجنسية بانتظار الحكومة السورية لحل معضلتهم عبر منحهم المواطنة. معظم هؤلاء هم إما من جردتهم الحكومة السورية من جنسيتهم بعد الإحصاء الاستثنائي في عام 1962، أو من أولادهم.

وعود الأسد بسن قوانين جديدة من شأنها توسيع المشاركة السياسية ومشاركة المجتمع المدني لم تتحقق. في مارس/آذار 2005، خلال حديثه إلى صحافيين إسبان قال الأسد إن "الحقبة المقبلة ستكون واحدة من حقب الحرية للأحزاب السياسية" في سوريا[4]. في يونيو/حزيران 2005، أوصى مؤتمر حزب البعث بإصدار قانون جديد للأحزاب السياسية من شأنه أن يسمح بتشكيل أحزاب سياسية جديدة غير عرقية وغير دينية[5]. وحتى اليوم، لم يُعتمد أي مشروع قانون جديد رسمياً.

قد يكون القمع في سوريا اليوم أقل حدة مما كان عليه خلال سنوات سوريا المظلمة في أوائل الثمانينات، عندما نفذت قوات الأمن عمليات إخفاء وعمليات قتل خارج نطاق القضاء على شكل واسع. لكن هذا لا يكاد يكون إنجازاً أو شيء من التحسن نظراً للظروف المختلفة. كما قال معارض بارز لـ هيومن رايتس ووتش مؤخراً: "في الثمانينات، تم سجننا دون محاكمة. اليوم نحصل على محاكمة، لكننا لا نزال نذهب إلى السجن"[6].

برر الأسد في المقابلات والخطابات العامة الافتقار إلى إصلاحات سياسية إما بالقول أن أولوياته هي الإصلاح الاقتصادي، أو بالقول إن الظروف الإقليمية تعارضت مع برنامجه الإصلاحي. في خطاب تنصيبه الثاني في يوليو/تموز 2007، بعد إقراره لولاية رئاسية ثانية بـ 97.6% من الأصوات، أشار الأسد لما يلي:

أعاقت ظروف عديدة بعض التطورات السياسية التي كنا نرغب في تحقيقها. هدفنا الأسمى وسط الفوضى التي صدرتها بعض الأطراف إلى منطقتنا، والتي تحيط بنا الآن، هو الحفاظ على سلامة وأمن مواطنينا والحفاظ على الاستقرار الذي يتمتع شعبنا به[7].

في حين أنه ما من شك أن سوريا قد واجهت العديد من التحديات في السياسة الخارجية في العقد الماضي، من الغزو الأميركي للعراق عام 2003، إلى الانسحاب السوري القسري من لبنان عام 2005، والعزلة لاحقاً من قبل القوى الغربية، إلا أن هذه لا تفسر، أو حتى تبرر، سلوك الحكومة السورية القمعي تجاه مواطنيها.

استعراض سجل سوريا يظهر سياسة متسقة لقمع المعارضة بغض النظر عن التطورات الدولية أو الإقليمية. حملة الأسد على المعارضين بدأت في أغسطس/آب 2001، قبل غزو الولايات المتحدة للعراق، واستمرت طوال عقد من الزمن، بغض النظر عن حالة العلاقات السورية مع المجتمع الدولي. ولم يحسن خروج سوريا من عزلتها التي فرضها الغرب منذ عام 2007 من وضع النشطاء السياسيين والحقوقيين السوريين.

وفي مارس/آذار 2007، أعاد الاتحاد الأوروبي فتح الحوار مع دمشق، بعدما علقت المحادثات حول اتفاقية الشراكة الأوروبية عام 2005 عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. تلتها الولايات المتحدة باجتماع رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي مع الأسد في دمشق في أبريل/نيسان 2007، تلتها زيارة لسوريا في مايو/أيار 2007 من قبل وزيرة الخارجية كوندليزا رايس. ومع ذلك، حكمت المحاكم السورية في مايو/أيار 2007 على القيادي المعارض كمال اللبواني وعلى الكاتب السياسي البارز ميشيل كيلو بالسجن لفترات طويلة بسبب أنشطتهما السلمية، بعد أسابيع فقط من الحكم بسجن محامي حقوق الإنسان أنور البني.

في الآونة الأخيرة، فإن الانفتاح الأوربي، ولا سيما الفرنسي، الواسع النطاق على سوريا بعد زيارة الأسد لباريس في يوليو/تموز 2008 لم يخفف حدة القمع السوري على نشطاء حقوق الإنسان. يوم 28 يوليو/تموز 2009، اعتقلت الحكومة مهند الحسني، محامي حقوق الإنسان والراصد الرئيسي لمحكمة أمن الدولة. وبعد ثلاثة أشهر، في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2009، اعتقلت هيثم المالح (78 عاماً) وهو محام حقوق إنسان انتقد سياسات النظام على محطة تلفزيونية معارضة.

في مقال منذ عشر سنوات في يونيو/حزيران 2000، تساءل رياض الترك، أحد قيادات المعارضة السورية البارزين والأمين العام السابق للحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي)، ما إذا كانت سوريا ستبقى "مملكة الصمت"، بلد يُحظر فيه انتقاد سياسات الحكومة. صدى سؤاله لا يزال يتردد اليوم. فمن دون إصلاح في المجالات الخمسة المذكورة في هذا التقرير، إرث الأسد سيمدد بكل بساطة سياسة والده: الحكم عن طريق القمع.

لقراءة التقرير كاملا

HUMAN RIGHTS WATCH

No comments: