Friday, July 02, 2010

صفحات مجهولة من حياة الفدائى الأرستقراطى «عريان يوسف سعد»


فى خضم أحداث متلاطمة هزت القاهرة عام ١٩١٩، كان «عريان يوسف سعد»، الطالب الثورى الجامح للتمرد، يختم عامه الـ ١٩. ويحلو لبعض المؤرخين تقديم ثورة ١٩١٩ باعتبارها «سلمية»، إلا أنها فى واقع الأمر لم تكن سلمية لدرجة يمكن وصفها بـ «المخملية»، فقد كان لها وجهها العنيف، الذى اضطر الثوار إلى الكشف عنه فى مواجهة رصاص القوات البريطانية المتطاير فى وجوه المظاهرات الشعبية.

ولأن ثورة ١٩ لم تخل من الشهداء الذين تساقطوا، فقد حفزت دماؤهم الثوار على تدبير الاغتيالات ضد من اعتبروهم أعوانا للاستعمار، ومناهضين للحركة الوطنية. وفى بلد رازح تحت نير الاحتلال، كان الشعب يطرب لأصوات القنابل التى يستهدف بها الفدائيون «وزراء الاستعمار». كانت تلك العمليات «هى الشهب التى تضىء ظلام الحكم الحديدى»، منذ ١٩١٩ وحتى إعلان الدستور سنة ١٩٢٣، «ذلك المخدر الذى تراخت تحت تأثيره عضلات الثوار.. إلى أن فتحت (مصر) عينيها وهى بين يدى ثوار الجيش سنة ١٩٥٢».

هكذا تحدث «عريان يوسف سعد» فى مذكراته الخاصة.. استفاض فى سرد وقائع حيوية ترنو لدرجة التوثيق، وفاض مداد قلمه فى سرد مشاعره، قائلا: «فى ذلك الجو الخانق، جو ثورة شعب أعزل يواجه جيشا مدججا بالسلاح، كنت أعيش شابا يختم عامه الـتاسع عشر».

ولد «عريان» فى ٢٥ مايو ١٨٩٩ فى ميت غمر لأسرة أرستقراطية، حصل على البكوية عام ١٩٥١، وتوفى عام ١٩٧٤. ومن بين إخوته الـ ١١، دوّن تاريخ النضال الوطنى اسم عريان، الذى انتقل مع أسرته من عزبتها التى نشأت بها فى ميت محسن إلى القاهرة، ليتلقى تعليمه الثانوى فى المدرسة التوفيقية، قبل أن يلتحق بكلية الطب – جامعة فؤاد الأول.

ويلخص «عريان» تجربته وهو فى عنفوان شبابه، بأن «موجات الفتوة كانت تتدافع فى جسده وتغمر رأسه قصص كفاح قرأها، وهو فى أولى مراحل الحياة.. فلا عجب أن يبحث فى ظلال الثورة عن المغامرة، ولا عجب أن يجدها ويحياها».

دخل عريان حلبة السياسة على مراحل، وكان استعداده لها قويا منذ البداية، أما أول خطوة له فجاءت عن طريق المصادفة بدعوة من زميل له فى مدرسة الطب ليذهب معه إلى مكتب شقيقه المحامى فى القاهرة لتوقيع عريضة توكيل للوفد المصرى. وما هى إلا ساعات وكان «عريان» يمسك بالعريضة والقلم، مقرا فيها بأنه يوكل «سعد زغلول ومن معه للسعى فى المطالبة باستقلال مصر، ما وجد إلى السعى سبيلا». أما الإمضاء فكان: عريان يوسف سعد - طالب طب.

مثلت هذه الوثيقة نقطة تحول لـ«السعديين»، وأصبح سعد زغلول، وكيل الأمة، وحامل الراية التى حملها من قبله أحمد عرابى ثم مصطفى كامل ثم محمد فريد، وبها اعتبر سعد عريان نفسه «صاحب قضية»، استقلال الوطن، بل وكل لها محاميا، هو سعد زغلول.. «إذن فقد حق لى أن أتتبع خطوات ذلك المحامى.. وهل يقوم على الوكالة الخطيرة.. أم أنه تصدى لها لحاجة فى نفسه؟!».

عايش «عريان» بعد ذلك مظاهرات الطلبة التى خرجت هادرة بعدما قبض الإنجليز على سعد زغلول هاتفين: «تحيا مصر حرة!» و«يحيا سعد» و«تسقط الحماية». وعايش طالب الطب المتمرد تلك اللحظات التى وقف لها شعر رأس الطلبة وغلى الدم فى عروقهم «كأنه سيل من نار».

جاب مع مسيرات الطلبة الحاشدة الملتهبة بنار الوطنية شارع قصر العينى، قاصدة كلية التجارة العليا فى شارع المبتديان، بالقرب من سكة حديد حلوان، الذى أغلقته «سواري» و«بيادة» البوليس (المجندين) بأكمله فى وجه الطلبة، ملوحين بالعصى الغليظة. وقعت اشتباكات أسفرت عن اقتياد ما لا يقل عن ١٥٠ طالبا – بينهم «عريان» – إلى قسم شرطة السيدة زينب.

يستدعى عريان فى مذكراته لحظات خروجه وزملائه الـ ١٥٠ من القسم محاطين بجنود البوليس من الجانبين، وهم لايزالون يهتفون: «تحيا مصر» فى مشهد «لا عهد للقاهرة بمثله». وكان البوليس يقتاد الطلاب المتظاهرين من قسم السيدة إلى مبنى المحافظة فى باب الخلق، فساروا فى الشوارع لتطل عليهم وجوه النساء من شرفات منازلهن التى «ما كانت تظهر لأحد غير أهلها».

يقول عنهن عريان: «اخترقت زغاريد النساء هتاف الطلبة، فعلت عليه، وكأنها أصوات الملائكة نزلت من السماء لتشارك شباب مصر فى هتافه مطالبا بحقه وحق بلاده فى الحرية»، «كلما قطعنا جزءا من الطريق.. ارتفعت من المساكن التى نمر بها على الجانبين زغاريد كأجراس الفضة تبعث فى نفوس الشباب روح المغامرة، واستصغار المخاطر». ومن باب الخلق إلى معتقل القلعة، شقت لوريات الجيش الإنجليزى، محملة بالطلبة، ظلام الليل الدامس.

ينتقل عريان بنعومة عبر الزمان والمكان، فنروح معه ونغدو فى رحلة داخل الثورىّ الإنسان.. ومن شارع قصر العينى إلى مسقط رأسه ميت غمر، يقول بروح مفعمة بالوطنية البعيدة عن المذهبية: «كانت ميت غمر قد أعلنت استقلالها، وتألفت فيها وزارة من الأعيان وقام الطلبة والعمال بحفظ الأمن»، هذا الاستقلال الذى سرعان ما أجهضه الجنود البريطانيون.

ومضى يقول فى مذكراته إن أول مظاهرة نشبت فيها «كان يقودها محمود حسنى وأندراوس رزق وسعد يوسف سعد وكانت نار الخلاف بين المسلمين والأقباط لاتزال جذوتها تحت الرماد منذ مؤتمر الأقباط الذى انعقد فى أسيوط ١٩١٠ والمؤتمر الإسلامى الذى انعقد فى هليوبوليس والمقالات النارية التى كان يكتبها الشيخ عبدالعزيز جاويش والردود القاسية التى كانت تنشرها جريدتا الطائفة القبطية (الوطن لصاحبها جندى إبراهيم ومصر لصاحبها تادرس شنودة المنقبادى)» وبموضوعية بعيدة عن أى انحياز دينى يضيف: «كانت جمرات الحقد بين العنصرين لاتزال تحت رماد النسيان، أطفأها سعد زغلول فى قلوب المثقفين وعقولهم، ولكنها بقيت بين كثيرين من قليلى الحظ من الثقافة وكانوا كثرة فى البلاد».

هكذا صاغ الثورى القبطى فى مذكراته أفكارا تصلح لإطفاء نار الفتنة التى لايزال أبناء الوطن الواحد يكتوون بنارها حتى يومنا هذا. وهكذا كانت أفكاره التى انعكست فى مطالبته لابنته يوما بأن تقرأ الكتب السماوية الثلاثة ثم تأتى إليه ليتناقشا حولها. فى النهاية، توصل الأب وابنته إلى خلاصة مفادها أن الكتب الثلاثة تغطى الجوهر نفسه فيما يتعلق بالوصايا العشر، وهو ما يعنى أن تكون شخصا صالحا أمينا، له قيم يمارسها، لا يعظ بها».

أميرة عبدالرحمن- Almasry Alyoum


حفيده: جدى ضحى بنفسه ليمنع فتنة طائفية وقضى ٤ سنوات بين «تكسير الحجارة» والسجن الانفرادى

البطل هو الذى يقبل أن يضحى بسعادته الشخصية، بل بحياته فى سبيل هدف أسمى يؤمن به.. ولا يجوز تصنيف عريان يوسف سعد إلا كبطل، ففى صغره ضحى بمستقبله وقبل التضحية بحياته فى سبيل هدف أسمى هو «مصر»، وإيمانه الراسخ بوحدة أبنائها وعلاقاتهم الأخوية المتينة، بغض النظر عن اختلاف عقائدهم الدينية.

سجن وعمره ١٩ سنة فى محاولة اغتيال يوسف وهبة باشا سنة ١٩١٩ وخرج من السجن عمره ٢٣ سنة وتزوج بعدها وعمره ما يقرب من ٣٠ سنة، وعاش فى القاهرة وعمل فى مجلس الشيوخ ومما فرض عليه السياسة مرة أخرى بعدما كان أقلع عنها، ثم عمل مندوباً لمصر فى لجنة مقاطعة إسرائيل، وأخيرا فى الأعمال الخاصة حتى «يستر بيته» - على حد قول حفيده أشرف شنودة الذى أجرت معه «المصرى اليوم» هذا الحوار..

■ ماذا عن نشأة عريان يوسف؟

- ولد فى ٢٥ مايو ١٨٩٩ بالقرب من ميت غمر ‏(‏إحدى مدن الدقهلية)‏ وهو السادس بين إخوته الاثنى عشر، انتقل إلى القاهرة لمواصلة تعليمه الثانوى‏ حيث تفوق فى دراسته والتحق بكلية الطب‏ فى ميت غمر.

■ كيف اتجه للسياسة؟

- لم يكن له أى مسلك سياسى فى البداية وكان شاباً مثل أى شاب، وكان أول دفعته فى كلية الطب، فكان مجتهدا والمفروض أنه كان سيصبح طبيباً لولا جاء فى وقت دراسته موضوع زيارة ملنر لمصر وبدأ يأخذ جانب سياسى كما وصف فى مذكراته أنه أصبح صاحب قضية أى أصبح متخيلا أنه «عنده واجب لازم يعمله»، ومع تولى أول رئيس وزارة قبطى وهو يوسف وهبة باشا ازدادت الأمور بالنسبة إليه حتى إنه أراد أن ينبه أو يمنع التقارب الذى سيحدث بين يوسف وهبة والإنجليز، والذى غالبا ما سوف يؤدى إلى أضرار بالشعب المصرى.. وحتى ينفذ هذا الفكر فقد رأى الحل فى أن يغتاله ويسلم نفسه. وهذا هو الدور البطولى له وليس له أى أبعاد سياسية أخرى ولا حتى بعد خروجه من السجن.

■ لماذا اراد تنفيذ عملية الاغتيال بنفسه؟

- لأنه خاف فى ذلك الوقت من أن يُغتال من قبل شخص مسلماً وتحدث فتنة بين المسلمين والمسحيين، وأن يحدث تشوه للحركة الوطنية ككل فى جميع أنحاء مصر، وبكل تأكيد كان سيقول الإنجليز إن السبب الرئيسى للاغتيال هو الاحتقان بين المسيحى والمسلم وسيؤدى ذلك إلى قيام حرب بين المسيحيين والمسلمين.

■ ما موقفه حينما اعتقل سعد زغلول فى ٩ مارس ١٩١٩؟

- انضم إلى مظاهرة ضخمة قامت من الأزهر حيث تم اعتقاله مع الطلاب المتظاهرين وبعد الإفراج عنه ذهب وزملاؤه إلى ميت غمر، فالسلطة العسكرية منعت وقتها الانتقال من القاهرة وإليها.. فهربوا فى قارب شراعى ووصلوا ميت غمر فوجدوا ميت غمر أعلنت استقلالها ولكن لم يستمر الوضع كثيراً لعودة الإنجليز لها مرة أخرى، وهنا قرر عريان يوسف سعد الانضمام لمنظمة اليد السوداء لاستعادة حقوق المصريين.

■ ماذا كان موقف عريان يوسف سعد قبل محاولة الاغتيال؟

- قرر بداخله أن ‏المظاهرات قد لا تؤثر، وإذا دبر اعتداء عليه سيقال إن المسلمين اعتدوا على رئيس الوزراء لأنه قبطى،‏ ولهذا قرر أن يقوم بالعملية ويسلّم نفسه كدليل على أن المعتدى قبطى‏ وبالتالى التقى عريان يوسف سعد أحد أعضاء منظمة اليد السوداء واتفقا على التنفيذ‏ وتربص له فى قهوة ريش و‏عندما مرت سيارة يوسف وهبة أخرج القنبلة من جيبه وقذفها نحو السيارة‏ لكن السائق دار حول نفسه واستقرت القنبلة بجانب العجلة الخلفية وانفجرت ونجا يوسف وهبة باشا وقبض على عريان يوسف سعد وأُخضع للتحقيق‏.‏

■ ماذا عن مقابلته مع رئيس الوزراء قبل محاكمته؟

- هذه المقابلة أكدت المفهوم والفكرة التى يريد أن يوصلها الأقباط لـ«يوسف وهبة» حتى إننى أذكر مقولة لجدى وهو يحكى معى وهو فى سن الخمسين وهى «الحمد الله إنى مقتلتوش، وصلنا للحاجة اللى عايزين نوصلها وعرفنا نقول إنه فى إخوة بين المسيحيين والمسلمين ومفيش مشكلة بينهم، حتى إن القبطى حاول اغتيال قبطى آخر ليبعد الشبهة عن إخواته المسلمين، والحمد الله أنه لم يمت حتى لا تلطخ يدى بالدماء وأكون قاتلا عند ربى».

■ لماذا قبل عريان يوسف أن يترافع عنه إنجليزى رغم كرهه لهم ومحاولته اغتيال من يتعامل معهم كما حدث؟

- هو رفض فى بداية الأمر إلا أن شقيقه أقنعه فى النهاية وأعتقد أنه كان مضطرا لذلك بعدما أحس أنه سيعدم، واستطاع المحامى وبصعوبة أن يعدّل اعترافه من تعمد القتل إلى إرهاب رئيس الوزراء لتخفيف الحكم وهو ١٠ سنوات.

■ ماذا عن موقفه عندما نُطق بالحكم عليه ١٠ سنوات؟

- تقبّل الموقف، خاصة أنه كان متوقعا من الجميع عقوبة أكثر، لكن الذى كان يخفف عليه المعاملة الحسنة من قبل بعض المسؤولين بالسجن مع أن البعض الآخر يعامله كإرهابى قاتل، منهم مدير السجن الذى كان يعامله معاملة قاسية جدا ودائما ما كان يوجه له عقوبات أكثر من المساجين الآخرين.

■ عريان سعد قدم حياته ثمناً للوحدة الوطنية.. فماذا عن هذه الوحدة الآن؟

- الوحدة الوطنية الآن مضطربة، لأننا وسط التطور التكنولوجى وتطور العالم الحديث بدأنا ننسى المبادئ التى جعلت منا أناساً عندها قيم.. ومع قلة القيم وتطور التكنولوجيا اضطربت العلاقات.. واليوم ناس كتيرة تبحث عن «اللى يفرّقنا أكتر من اللى يجمعنا ومابقيناش مصر بتاعة زمان» والمستوى الأخلاقى للإنسان المعاصر لا يتناسب مع التطوّر التقنى الذى يتطلب بالضرورة إنساناً جديداً أرقى نفسيا، أى بطلا بالمعنى الذى أعطانا إياه عريان سعد، ولذلك أراد الناشر أن يطبع هذا الكتاب.

■ إذن الدافع الرئيسى لإصدار الكتاب هو الناشر المهتم بالوحدة الوطنية؟

- ليس فقط الناشر المهتم بالقضية، بل كل مصرى، فجاءت البداية عندما نشرت فى سبتمبر سنة ٢٠٠٥ بمجلة «أخبار الأدب» مذكرات يوسف سعد، وظهرت مبادرة الناشر، رغبة منه فى تقديم مثل حى من حقبة تاريخية كانت تنادى بالوحدة الوطنية والبحث عما يجمع بيننا وليس عما يفرقنا وظهر الكتاب سنة ٢٠٠٧.

■ ماذا عن علاقتك بعائلة يوسف وهبة باشا؟

- أنا صديقى حفيد يوسف وهبة وكنا نتقابل شبه يوميا فى النادى فى صغرنا، حتى إنه لم يعرف قصة الاغتيال إلا من خلال نشرى المذكرات سنة ٢٠٠٥ فى مجلة «أخبار الأدب»، وتقبل الموقف وحتى الآن نحن أصدقاء وبيننا علاقة محبة ومودة، بالإضافة إلى أنه بعد إصدار الكتاب جلسنا فى قهوة «ريش» مع الناشر وحفيدة يوسف وهبة.

حوار ميلاد حنا زكى- Almasry Alyoum


حفيدة يوسف وهبة باشا: جدى لم يكن عميلاً لـ«الإنجليز» ولولا قبوله الوزارة لفرضت إنجلترا سيطرتها بـ«الدبابات»

الدكتورة فوزية أسعد حفيدة رئيس الوزراء يوسف وهبة باشا، الذى تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة على يد عريان يوسف سعد.. ولدت فى القاهرة فى منتصف الثلاثينيات وحصلت على ليسانس الآداب من جامعة عين شمس ثم تزوجت وسافرت مع زوجها الطبيب فخرى عياد الذى يعمل فى منظمة الصحة العالمية، وأثناء سفرها حصلت على الدكتوراة من جامعة السوربون.

ومنذ نصف قرن والدكتورة فوزية تقيم فى سويسرا على مقربة من بحيرة جنيف غير أنها لاتزال تداوم على زيارة وطنها الأم مصر ربما أكثر من مرة فى العام، وهى روائية أيضاً بدأت مسيرتها الروائية منذ ٤٠ عاما، وكانت أولى رواياتها هى: (مصرية) التى تتحدث عن حرب فلسطين ثم تعاقبت أعمالها، منها (أطفال وقصص) حول تعرض المجتمعات العربية لمؤامرة كبرى فضلا عما تعيشه من نزعات قبلية وطائفية، و(منزل الأقصر الكبير) و(أحلام وقمامة القاهرة) .

■ درست ١٠ سنوات فلسفة فى «السوربون».. ماذا عن أساتذتك فى ذلك الوقت؟

- أنا حصلت على الليسانس والدكتوراة وكان يدرس لى المشرف على رسالة الدكتوراة جان فال، وكان من أهم الأساتذة فى ذلك الوقت وهو أول من تحدث عن الوجودية، وكان الأستاذ الذى تتلمذ على يديه «سارتر».

■ ماذا عن تعليمك هنا فى مصر؟

- حصلت على البكالوريا الفرنسية فى مدرسة «الميرديديه» ثم سافرت سنة ١٩٤٧ إلى فرنسا لمدة ١٠ سنوات وأخذت الليسانس والدكتوراة، وعدت إلى مصر عام ١٩٥٦ مع العداون الثلاثى، وكان عندى ٢٥ سنة وقتها، وكنت أصغر دكتورة أنا وسمير أمين، ثم من ٥٦ إلى ١٩٥٩ درست فى جامعة عين شمس لمدة ٣ أعوام وامتحنت فى المعادلة حتى أستطيع أن أحاضر وفق النمط المصرى.

■ ما الذى دفعك للعودة إلى باريس؟

- أول مرة كانت قلة العمل، وفى المرة الثانية سافرت تايوان بعد زواجى وبقينا هناك ٤ سنوات ونصفاً وحصلت على إجازة دون راتب، وكان زوجى طبيباً ويعمل فى منظمة الصحة العالمية، ثم سافرنا إلى جنيف عام ١٩٦٤، ودرست المصريات فى جامعة جنيف وتوفى زوجى منذ ٢٢ سنة، وحالياً ألقى محاضرات حرة فى جامعة جنيف.

■ كم كان عمرك حينما توفى جدك؟

- كان عمرى ٥ سنوات.

■ كيف وصلت إليك قصة محاولة الاغتيال؟

- والدتى كانت تحكى لى أن بطرس باشا غالى اغتاله إبراهيم الوردانى وهذا كان فى عهد الخديو عباس حلمى الثانى، وكان وقتها مصطفى كامل متألقا وزعيما وطنيا.. وهل تعلم أن الخديو عباس كان يريد الزواج من إحدى سيدات الباب العالى لكنه وقع فى غرام الجارية التى كانت عنده فى القصر وأنجب منها البرنس محمد عبدالمنعم، وهل تعلم أيضا أن السلطانة ملك حين تزوجت والدتى أهدتها سوارا من الماس وكانت جميلة جدا، وكل أصدقاء والدتى الذين تزوجوا فى تلك الفترة جاءت لهم بهدايا من الماس أيضا؟!

■ هل قالت لك أمك إن والدك كان رجلاً وطنياً؟

- نعم قالت لى هذا وقالت إنه قبل تشكيل الوزارة تطلعا لنيل الاستقلال.

■ لكن كل الوطنيين رفضوا تشكيل الوزارة.. وقبول جدك تشكيلها كان خروجاً على الإجماع الوطنى، ووصفه بعض المصريين بأنه كان عميلا للإنجليز؟

- وصفوا بطرس باشا غالى بنفس الوصف فما الفارق؟! لكن هناك من قالوا إنه لولا قبوله هذه الوزارة لكان الإنجليز فرضوا سيطرتهم على مصر بدباباتهم، كما كانت فكرته أن ينخرط الشعب أولاً فى الممارسة الديمقراطية قبل الاستقلال.

■ ماذا يمثل لك جدك؟

- والدتى جعلتنى أحبه من حكاياتها عنه، وأنا لا أزال محتفظة بكل صوره. لقد كان شخصية مهيبة، لها عظمة، وكنت أفخر بأنه رجل مصرى، وكان الإنجليز يعملون له ألف حساب لأنه كان رجل دولة من الطراز الأول، وأشقاء والدتى كانوا ذوى مهن تدر دخلا جيداً، وكانوا يدرسون فى باريس ورغم أنهم كانوا كباراً سناً وقدراً ومكانةً إلا أنهم كانوا لا يجرؤون على التأخر عن العشاء إذا كان جدى على رأس المائدة.

■ ثقافة يوسف وهبة باشا كانت إنجليزية أم فرنسية؟

- كانت فرنسية ولذلك حرص على أن يلحق أبناءه بمدارس فرنسية، وهو من ترجم القانون الفرنسى الخاص بـ«نابليون بونابرت» إلى العربية، والخديو أعطاه ١٠٠ فدان تقريبا، وباعها واشترى بيتا.

■ أين كان بيتكم؟

- فى الإسكندرية.

■ ألم يكن له بيت فى القاهرة؟

- لا.. حتى بيت الإسكندرية كان بالإيجار.

■ رئيس وزراء وكان بيته بالإيجار؟

- ما أذكره أن جدى اشترى بيت الإسكندرية فيما بعد وهو كان فى شارع البارون ميناش وراء المنشية.

■ لك رواية اسمها «المصرية» صدرت عن دار الهلال، ولقد وجدت فيها بعض شذرات عن سيرة جدك يوسف وهبة باشا؟

- نعم أنا كتبت عنه فى «المصرية» وفقا لما وصلنى عنه عبر كلام أبى لى، لكن للأسف الترجمة العربية لها كانت سيئة رغم أننى المترجمة ورغم مراجعتى «البروفات».

■ قبل أيام جلست على مائدة واحدة فى (كافيه ريش) مع حفيد عريان يوسف الذى حاول اغتيال جدك على نفس المقهى، وكانت مناسبة جلستكم الودية توقيع كتاب صدر عن قصة حياة عريان يوسف سعد.. كيف كانت الأجواء؟

- عادية وودية جداً لأنه فات زمن طويل على الواقعة وأصبحت فى ذمة التاريخ، وعلى فكرة أنا اشتريت الكتاب ومش فاكرة اتكلمنا فى إيه لكنها كانت جلسة كويسة وودية وعادية، ويحضرنى هنا موقف روته لى أمى عن أنها لما كانت فى بنها جاءت زوجة عريان يوسف لزيارتها ووالدى قال لها مش عايز كلام فى السياسة، واستقبلتها بكل لطف لكن أمى لم ترد الزيارة.

■ أين قبر يوسف وهبة؟

- فى الجبل الأحمر وهى مقبرة جميلة، ووالدى ووالدتى مدفونان فيها أيضا.

■ أين مصر فى خاطرك؟

- أكتب عنها باستمرار ويلوموننى فى جنيف لأنى أتحدث عن القضية الفلسطينية.

حوار ماهر حسن - Almasry Alyoum

No comments: