Friday, July 09, 2010

هل نقول للأوروبيين.. -اشمعني

ليس المهم أن نوافق أو نختلف مع الاتحاد الأوروبي في إعلانه موقفا محددا من ملابسات وفاة الشاب المصري السكندري خالد سعيد.
وليس المهم أن نتفق أو نختلف علي ما إذا كان إعلان هذا الموقف يمثل تدخلا في الشئون الداخلية المصرية.
الأهم هو أن نري لماذا وصلت الأمور إلي هذه الدرجة التي جعلت الاتحاد الأوروبي يهتم بهذا الحادث.
البيان الصادر عن بعثة الاتحاد الأوروبي في مصر قال: إن السبب هو تضارب التقارير عن الواقعة.. وتناقض أقوال الشهود وبيانات أسرة الشاب خالد سعيد ومنظمات حقوق الإنسان المصرية مع النتيجة التي انتهي إليها التشريح الثاني للجثة.
وأضاف البيان أن سفراء دول الاتحاد الأوروبي يرحبون بإعلان السلطات المصرية استعدادها للقيام بتحقيق قضائي في وفاة خالد سعيد ويتطلعون إلي أن يجري هذا التحقيق بشكل شفاف وغير منحاز بما يؤدي إلي إنهاء هذا التضارب بطريقة تتسم بالمصداقية.
وإلي جانب هذا البيان الرسمي نقلت جريدة الشروق عن مصدر أوروبي في القاهرة قوله إن مشاورات مكثفة جرت بين دول الاتحاد الأوروبي في القاهرة انتهت إلي أن التحرك المصري اللاحق للكشف عن حقيقة ما جري في مقتل خالد سعيد هو أمر مهم ولكننا - والحديث مازال علي لسان المصدر الأوروبي - لا نشعر بأن الحقيقة قد كشفت بعد، ونخشي أن ذلك قد يدفع إلي تكرار مثل هذه الخروقات خصوصا أن مصر مقبلة علي عام مليء بالتحديات السياسية.. فالقضية في ذاتها تدعو للقلق ولكن ما نخشي منه أكثر من أي شيء هو أن تكون هذه القضية بداية سلسلة من الانتهاكات قد تتباين شدتها إزاء معارضين أو ناشطين سياسيين.
ولا يقل خطورة عن ذلك ما نقلته الشروق، أيضا عن مصدر أوروبي آخر من مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل توقع أن يمارس البرلمانيون الأوروبيون ضغوطا علي حكوماتهم لكي يتبني الاجتماع المقبل لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي موقفا في هذا الشأن، وأن البعثة الدبلوماسية المصرية في العاصمة البلجيكية تحاول جاهدة فرملة هذا التحرك.
وليس بعيدا عن ذلك اهتمام أطراف أجنبية أخري بالحادث، من بينها البيت الأبيض في واشنطن، فضلا عن أطراف أجنبية غير حكومية متعددة وكثيرة.
>>>>>
رد الفعل »السهل« علي ردود الأفعال الأجنبية الرسمية وغير الحكومية علي حد سواء هو إصدار بيانات شجب وإدانة مقابلة باعتبار هذه المواقف الأجنبية تنطوي علي تدخل في شئوننا الداخلية وأن مصر دولة ذات سيادة لا تقبل مثل هذا التدخل.
لكن مثل هذا الاستسهال لن يقدم ولن يؤخر بل هو بالتأكيد سوف يؤخر ويزيد الطين بلة.. فلابد أن نفهم جيدا أننا نعيش في عالم مختلف، وأن هذا العالم الجديد أصبحت تحكمه قيم عالمية عابرة للحدود السياسية والخصوصيات المحلية.
وفي مقدمة هذه القيم تلك المتعلقة منها بحقوق الإنسان ومناهضة التعذيب وإهدار الكرامة البشرية.
لم يعد من حق دولة من دول العالم أن تمارس التعذيب ضد مواطنيها ثم تتذرع بـ »السيادة« الوطنية لأن سيادة الوطن لا تتحقق بقهر أبنائه وتعذيبهم بأيد وطنية!
أضف إلي ذلك أن مصر من أوائل الدول التي وقعت علي مواثيق حقوق الإنسان العالمية وصدقت عليها وهذا يجعل هذه المواثيق جزءا لا يتجزأ من التشريع المصري.
وفي حالة الاتحاد الأوروبي يجب ألا ننسي أن المادة الأولي من اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية تنص علي احترام حقوق الإنسان، وتحظر انتهاكا بأي صورة من الصور لأن هذه الانتهاكات تفتح الطريق أمام عقوبات شتي.
والحكومة المصرية قد وقعت علي هذه الاتفاقية وهذا التوقيع ليس مجرد جرة قلم، وإنما يترتب عليه التزام قانوني لا يمكن التنصل من استحقاقاته.
صحيح أن الاتحاد الأوروبي يمارس سياسة منافقة فيما يتعلق بحقوق الإنسان ويكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بإسرائيل علي وجه الخصوص، وكذلك عندما يتعلق بممارسات عنصرية غربية ضد مصريين وعرب في الغرب لكن هذه قصة أخري والتعامل المستقيم معها لا يكون بأن نقول »اشمعني«.. وإنما يكون باحترامنا لحقوق الإنسان المصري والعربي ومطالبة الاتحاد الأوروبي ــ وغيره ــ باتخاذموقف جاد ومبدئي ضد الانتهاكات الإسرائيلية الفاشستية، وضد الممارسات العنصرية الغربية ضد العرب والمصريين في أوروبا وأمريكا.
>>>
والأهم هو أننا لا نطالب باحترام حقوق الإنسان لإرضاء الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها، وإنما نطالب بذلك ــ أولاً وقبل كل شيء ــ من أجل الحفاظ علي كرامة المصريين.
>>>
ولعل ردود الفعل الأوروبية ــ وغير الأوروبية ــ المشار إليها أن تنبه الغافلين إلي أن الدنيا اليوم أصبحت غير دنيا الأمس، وأن الجرائم التي كان يمكن للبعض اقترافها بالأمس لم يعد ممكناً الافلات من العقاب عليها في عالم اليوم الذي فتحت فيه شبكة الإنترنت والفيس بوك والمدونات وشتي صور الإعلام الجديد آفاقاً غير مسبوقة لكشف النقاب عن جرائم نكراء كان ممكناً التستر عليها في السابق.
>>>
وليس بعيداً عن ذلك اهتمام بعثة الاتحاد الأوروبي في القاهرة بتنظيم ندوة مهمة أمس الأول - الثلاثاء 29 يونيو - عن »دور ومسئوليات الإعلام في الانتخابات«.
وألقي السفير مارك فرانكو رئيس البعثة شخصياً كلمة الافتتاح.
وعلي مدار جلستين كاملتين، كان لي شرف إدارة الحوار في واحدة منهما حينما أدار الزميل عبداللطيف الحناوي رئيس قطاع الأخبار بالتليفزيون المصري الحوار في الجلسة الثانية، علي مدار الجلستين الساخنتين تحدث الدكتور حسام البدراوي أحد أبرز رموز الإصلاح في الحزب الوطني الحاكم، والدكتورة هالة مصطفي رئيس تحرير مجلة »ديمقراطية« وعضو أمانة السياسات بالحزب الوطني أيضاً، وهاني شكر الله مدير التحرير بجريدة الأهرام والكاتب الصحفي والمحلل السياسي المعروف، والدكتور علي الصاوي أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، والدكتورة رانيا المالكي رئيس تحرير »ديلي نيوز« القاهرية، والنائبة جورجيت قليني بمجلس الشعب، والدكتور عمرو الشوبكي الباحث بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بـ»الأهرام«، وحافظ أبو سعدة أمين عام المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، وهشام قاسم الناشر المعروف، وسامح مكرم عبيد القيادي بحزب الوفد.
وبعد نقاش بالغ الجدية والمسئولية والسخونة بين هذه الكوكبة المتنوعة تحدث الدكتور أسامة الغزالي حرب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية ورئيس تحرير مجلة »السياسة الدولية« عن ملاحظاته الختامية، مؤكداً أنه بالنسبة لانتخابات مجلس الشوري الأخيرة لم تكن هناك انتخابات أصلاً، وأعرب عن أمله في أن يكون هناك في مصر في الفترة المقبلة رأي عام قوي وصحافة أكثر استقلالية، وإعلام ذو دور أكثر تأثيراً في تناول قضايا الوطن والأمة.
>>>
وقد اشتملت هذه الندوة علي عدد غير قليل من الأفكار المهمة، خاصة فيما يتعلق بالخطاب الإعلامي، وشروطه الحالية وما ينبغي أن تكون عليه مستقبلاً.
لكن يبقي السؤال المهم أيضاً وهو: هل تنظيم الاتحاد الأوروبي لمثل هذه الفعاليات يندرج في عداد التدخل في الشأن الداخلي المصري؟
وهل يعد تزوير الانتخابات، في مصر أو في أي بلد آخر شأناً داخلياً محصناً بالسيادة الوطنية؟!
>>>
السؤال مطروح.. ويحتاج إلي إجابة نزيهة بعيداً عن الاستسهال، وكذلك بعيداً عن كلام الحق الذي يراد به باطل، وأيضاً بعيداً عن مخلفات مقولات الماضي البالية التي لم يصبح لها موضع من الإعراب في عصر ثورة المعلومات وتحول العالم إلي قرية كونية تسودها قيم »عالمية« رغم تلاعب »أهل القمة« بهذه القيم العليا وإساءة استخدامها بممارسة سياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير

سعد هجرس
hagrassaad@hotmail.com
الحوار المتمدن

No comments: